شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوي لـ الجريدة: لن أتراجع عن إباحة فوائد البنوك حوار الأديان يجب أن يبتعد عن العقائد مَن يرسم نبياً بشكل كاريكاتيري فهو شخص مجرد من الشرف الإنساني

نشر في 01-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 01-09-2008 | 00:00

دعا العالِم الإسلامى د. محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الشريف إلى ضرورة نسيان إساءات الصحف ووسائل الإعلام الدنماركية والغربية للرسول (صلى الله عليه وسلم) حتى “تموت” هذه القضية ولا تأخذ أكبر من حجمها, مؤكداً أن الشريعة الإسلامية تحترم حرية التعبير التي تختلف بدورها عن الإساءات للرسل والأديان السماوية، وبالتالي لا سبيل لتحقيق الخير لكل البشرية إلا من خلال الحوار بين الأديان والحضارات. “الجريدة” التقت فضيلته في سياق الحوار التالي:

• يتذرع الغرب بحرية التعبير للإساءة للإسلام ورموزه، كيف ترى ذلك؟

- حرية التعبير على العين والرأس. نحترم حرية التعبير إذا كانت تنطلق من تعبير صادق ينطق بالصدق والعدل وكلمة الحق، لكن إذا كان التعبير بمعنى رسم كاريكاتيري يسيء لأفضل الناس وأشرفهم وخاتم أنبياء الله تعالى، فنحن لا نعتبره تعبيراً، بل هو سوء أدب وجبن لأنه اعتداء على رسل الله الذين أخرجوا الناس من الظلمات إلى النور.

• ما تعليق فضيلتك على رفض المحكمة الدنماركية للقضية التي أقامتها بعض المؤسسات الإسلامية ضد صحيفة “يولاندس بوسطن” التي أساءت للرسول (صلى الله عليه وسلم)؟

- أؤكد أننا كمسلمين نحترم أحكام القضاء ولا نتدخل فيها مطلقاً ولا نشكك في نزاهة القضاء في أي دولة في العالم سواء كان داخل مصر أو خارجها، فهم يرون أن الصحيفة لم تخطئ وهذه وجهة نظرهم ونحن لا نتدخل في الأحكام القضائية.

• إذاً بِمَ تنصح العالم الإسلامى بعد رفض المحاكم الدنماركية لقضية الإساءة للمرة الرابعة على التوالي؟

- أنصح كل المسلمين في مختلف أنحاء العالم أن ينسوا قضية الإساءة للرسول (صلى الله عليه وسلم) حتى تموت ولا نظل نذكر العالم بها لأنها من قبيل السفاهات والبذاءات التي ننأى عنها ونرفضها.

• لكن الصحف الدنماركية والغربية أعادت نشر الرسوم المسيئة؟

- الذين فعلوا ذلك هم مجرمون ولا يعرفون معنى الكرامة الإنسانية وكل من يرسم رسولاً من الرسل مثل النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) أو عيسى (عليه السلام) رسماً كاريكاتيرياً ويسيء إليه فهو إنسان مجرد من الشرف الإنساني، فمن عنده لون من الشرف الإنساني يستطيع أن ينقد شيخ الأزهر مثلاً وهو موجود ولكن أن ينقد رسولاً لم يعرفه ولم يره ولم يقرأ عنه، بصورة سيئة قبيحة فهذا إنسان جبان ولا يعرف قيمة الرسل الكرام، كما أن الإساءة إلى أي رسول هي إساءة إلى المسلمين جميعاً، لأننا كمسلمين نؤمن بجميع الرسل ونحترمهم جميعاً، إيماننا لا يكتمل إلا بالإيمان بكل الرسل والأنبياء وجميع الكتب السماوية، مصداقاً لقول المولى عز وجل “آمن الرسول بما أُنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله”.

نحن كمسلمين لنا صحف في بلادنا الإسلامية ولم نسمع مطلقاً أن صحيفة في بلد إسلامي رسمت سيدنا عيسى بصورة كاريكاتيرية تسئ إليه أو رسمت رسولاً من الرسل بصورة سيئة لأننا كمسلمين نضع خطاً أحمر يجب أن نقف عنده وهو احترام جميع الأنبياء والأديان والمقدسات الدينية.

• في رأيك ما عقوبة من يسئ إلى الرسل والأنبياء؟

- هذا العمل جريمة من أقبح الجرائم ينبغى أن يعاقب من اقترفها بالسجن أو بأي عقوبات رادعة مثل مصادرة هذه الصحيفة لفترة محددة يحددها القضاء فلابد من معاقبة من فعل ذلك بعقوبات تقدرها الهيئات القضائية وأقلها السجن لمدة سنة أو ثلاث سنوات والمصيبة الكبرى أنهم في الغرب لا يفرقون بين الفضائل والرذائل وبين الرسل وباقى البشر. رغم تأكيد علماء الإسلام على التسامح والمودة التي يتعامل بها مع المخالفين له في العقيدة واحترامه لعقائد الآخرين.

• هل الاختلاف بين العقائد والأديان يحول دون التعاون والتحاور فيما بينها؟

- إطلاقاً، فنحن نؤمن كمسلمين بأن الناس جميعاً من أب واحد ومن أم واحدة سواء أكانوا في الشرق أم في الغرب، مصداقاً لقول المولى عز وجل “يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، كما أن الأديان السماوية كلها تأمر بالتعاون فيما بين أتباعها، لأن الذي يحاسب على العقائد هو الله سبحانه وتعالى، وإذا حدثت عداوة بين الناس في الشرق أو في الغرب، فسببها الجهل والتعصب الأعمى، أما العقلاء فهم يتعاونون ولا يتصارعون، لتحقيق النفع والخير للبشرية ولتعمير الكون كما أمرنا الله تعالى.

• هل تتصارع الحضارات؟

- الحضارات تتعاون ولا تتصادم، ونحن نؤيد حوار الحضارات وليس صراعها، فالحضارات تتعاون وتتكاتف لتحقيق الخير للبشرية ولا تتصارع كما يقول “الأغبياء”، فالتعاون والحوار لا يأتي إلا بالخير وفي الحقيقة إن من يدعو إلى صدام الحضارات يضر بعلاقات التعارف والتحاور والتعايش والتعاون بين الأمم والشعوب والثقافات والأديان والحضارات، وبالتالي فإننا نقول لكل العقلاء في العالم على اختلاف أديانهم وحضاراتهم ومذاهبهم إن الإسلام يرى في تعدد الشرائع والملل والقوميات والثقافات والحضارات سنة من سنن الله تعالى وقانوناً كونياً لا تبديل له ولا تحويل، وأن التعايش والتحاور والتعارف بين الأمم والشعوب هو السبيل لبقاء هذه التعددية، وإلى التعاون بين أطرافها جميعاً على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، فضلاً عن أن تعايش الأمم والشعوب مرهون بسيادة منظومة القيم الأخلاقية والإيمانية.

• يرى البعض أن الحوار الإسلامي - المسيحي لم يحقق هدفه وأنه غير مجد خصوصاً بعد إساءة بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر للإسلام في المحاضرة الشهيرة التي ألقاها في ألمانيا قبل عامين، فما تعليق فضيلتك على ذلك؟

- أرى أن الحوار نفعه أكبر بكثير من ضرره. الحوار مع المسلم وغير المسلم من الأمور المستحبة لأن الحوار على الأقل يجعلني أتعرف على صاحبي وصاحبي يعرفني، والمعرفة أفضل من الجهل. عموماً اتفقنا بالنسبة للحوار مع غير المسلمين بعامة ومع الفاتيكان بصفة خاصة ألا يكون في العقائد، على أن يكون في إطار معين وهو نصرة المظلوم، والنطق بكلمة الحق، ومساعدة المحتاج، وتقديم العون لمن يحتاجه، وتأييد الذين ينزل عليهم شيء من البغي والظلم والعدوان، نقف إلى جوارهم نمدهم بالعون والمساعدة. هذا ما اتفقنا عليه، أما الحديث في العقائد فليس موضوعاً للحوار وذلك لأن الحوار في العقائد جدل عقيم. الحوار في العقائد قلما يصل إلى نتيجة لكننا نجعل الحوار في الأمور المتفق عليها، لأن الحوار بين العقلاء يأتي بثمار طيبة إن شاء الله تعالى.

• هل ترى أن الخطاب الإسلامي الحالي قادر على توصيل الحقيقة للآخر؟

- الخطاب الديني لكي يكون مقنعاً ومؤثراً، ولكي تكون آثاره الطيبة في النفوس لابد أن يكون ذاخراً بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي من شأنها أن تدفع بالمسلم إلى العمل عن اقتناع وتدبر وتفكر بالإضافة إلى ذلك يجب أن يكون المتحدث ملماً بالأحداث وأن يكون خطابه مواكباً لمقتضى الحال الواقع الذي تعيشه الأمة وأن يكون مجارياً للأحداث ومؤثراً فيها وهذا ما أرشدنا إليه ربنا سبحانه وتعالى في كتابه العزيز وما علمنا إياه النبي (صلى الله عليه وسلم).

• يثير رأى فضيلتك عن مشروعية الفوائد المصرفية الكثير من الجدل بين الحين والآخر، فما تعليقك؟

- مازلت عند رأيي الذي لن أتراجع عنه مطلقاً بإباحة ومشروعية فوائد البنوك، لأنها تعد نوعاً من الوكالة التي يقوم فيها العميل بتوكيل أحد البنوك أو المصارف المالية باستثمار أمواله لعدم معرفته بطرق وكيفية الاستثمار نظير نسبة من الفائدة يتم تحديدها مسبقاً. هذا لا شئ فيه مطلقاً وقد أصدر أعضاء مجمع البحوث الإسلامية قراراً واضحاً بإباحة هذه الفوائد.

• لكن البعض يرى أن تحديد نسبة الفائدة مسبقاً بين البنك والعميل يعد نوعاً من الربا؟

- وما دخل الربا في ذلك؟ هذا اتفاق بين الجانبين لضمان الحقوق. من وجهة نظري هذا أضمن للحقوق، لأن البنك قد يحقق مكاسب طائلة وعندما لا يتم تحديد نسبة الفائدة مسبقاً يدعي الخسارة ولا يعطى العملاء حقوقهم المشروعة مما يؤدي إلى ضياع حقوق المودعين والعملاء.

back to top