والنبي؟

نشر في 08-04-2009
آخر تحديث 08-04-2009 | 00:00
 د. مأمون فندي في قصة الرسوم الدنماركية المسيئة للنبي الكريم محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم)، وقف الأمين العام الجديد لحلف الناتو أندريس راسموسن الذي كان يومها رئيس وزراء الدنمارك، مع حرية رسام تلك الصور وحقه في التعبير، متجاهلا الإساءة التي ألحقتها هذه الرسوم بمشاعر مجموعات هائلة من البشر في هذا الكون.

وقبل انتخاب راسموسن لمنصب الأمين العام لحلف الناتو، كان رئيس وزراء تركيا، وهي عضو في الحلف، رجب طيب أردوغان قد أعلن أن بلاده ترفض هذا الترشيح بصفتها ممثلة للبليون مسلم، لأن موقف راسموسن في زوبعة الرسوم الكاريكاتيرية كان مسيئا لمشاعر هؤلاء البليون. صفق الإسلاميون، ومن لف لفهم، لبطولة جديدة يقوم بها رجب طيب أردوغان بعد بطولته التي ترك فيها المسرح في دافوس بنهاية اللقاء مع الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس. يومها، كتبت مقالا بعنوان «رجب حوش صاحبك عني»، قلت فيه إن ما قام به أردوغان هو مجرد «شو» للاستهلاك الإعلامي، وإن علاقات تركيا بإسرائيل مازالت مستمرة، وكان الحديث متزامنا وقتها مع صفقة طائرات استطلاع عسكرية إسرائيلية تصل إلى تركيا ومع تجديد اتفاق حق إسرائيل في استخدام الأجواء التركية.

انتخاب راسموسن أمينا عاما لحلف الناتو، هو اختبار آخر للتذبذب التركي وللعب بمشاعر البشر من أجل مكاسب سياسية رخيصة على حساب القيم التي يعلنها رئيس الوزراء التركي وحزبه الذي يروج له الإسلاميون في مصر وفي العالم العربي. فانتخاب الأمين العام للناتو لا يتم إلا بإجماع الأعضاء. أي أن لتركيا كدولة عضو في حلف الناتو حق الفيتو، فلو كانت تمسكت به ورفضت انتخاب راسموسن لما عين أمينا عاما للناتو، ولكن الذي حدث غير هذا، فاختيار راسموسن بالإجماع يعني أن تركيا قد صوتت لمصلحة الرجل الذي وقف مع رسام الكاريكاتير المسيء للرسول الكريم، ذلك ببساطة لأن مصالح تركيا كدولة هي مع حلف الأطلسي وليست مع مشاعر المسلمين.

أردوغان استغل الإسلام ومشاعر المسلمين من أجل مصالح تركيا السياسية. لقد استخدم، بلا شك، التهديد بعدم انتخاب راسموسن كورقة للحصول على مكاسب تخص بلاده، وإلا لماذا تتراجع تركيا عما أعلنه رئيس وزرائها لتنتخب راسموسن ما لم يتم إرضاؤها؟

مسرحيات أردوغان البطولية هي لخداع مناصريه الإسلاميين في تركيا وخارجها. فهو لم يترك اللقاء مع الرئيس الإسرائيلي إلا قبل نهايته بدقيقة واحدة، أي أن أردوغان قال كل ما عنده في الوقت الممنوح له، ولم يقل شيئاً مهينا أو محرجا لبيريز في ذلك الوقت المخصص له ولو أراد لفعل، لكن إعلامنا المغرم بالبطولات الوهمية صوّر أردوغان للناس وكأنه المناضل المغوار من أجل الحق الفلسطيني. رئيس الوزراء التركي بفعل آيديولوجيته الإسلاموية هو الذي تصدى للأعداء في الوقت الذي فشل فيه العرب في فعل شيء، هكذا صور إعلامنا الموضوع. لم يذكر إعلامنا أن أردوغان تحدث إلى بيريز بعدها وأعلن أن غضبه لم يكن من بيريز بل من منظمي اللقاء، وأن علاقات تركيا بإسرائيل لم تتأثر، فأردوغان أعطى الإسلاميين ما يريدونه: شعارات فضائية، في حين يعطي إسرائيل ما تريده: استخدام الأجواء التركية لضرب أعدائها.

لو فعل أردوغان ذلك مرة واحدة، لقلنا هذه هفوة، ولكن أن تتكرر الألاعيب التركية التي يطبل لها الدراويش عندنا في انتخاب الأمين العام لحلف الناتو، الذي تملك تركيا حق الفيتو عليه بحيث تمنع ترشيحه، أو أن تناور من أجل اختيار مرشح آخر من المرشحين المنافسين لرئيس الوزراء الدنماركي، أو أن تنسحب من الناتو، أو أن تعلق عضويتها... كل هذا لم يحدث! أردوغان «أكل بعقل الإسلاميين حلاوة»، وصوتت تركيا لمصلحة راسموسن.

في ساعة الجد، غلّب أردوغان مصالح تركيا الدولة مع دول حلف الأطلسي على حساب التطاول على نبي الإسلام، فهل بقيت حجة عند الذين «دوشونا» بأردوغان المنافح عن الدين، والذي فعل ما لا يقوى غيره على فعله في دافوس وغيرها؟

في مصر، عندما لا نصدق ما يقوله شخص نقول له «والنبي؟»، أي نطالبه بأن يحلف بالنبي الكريم كي نصدقه، وأنا هنا أقول لأردوغان «والنبي؟» ولكن ليس بالمعنى الدارج عندنا، أي ليس بقصد مطالبته بالحلفان بالنبي لنصدقه، بل أقول له «والنبي؟» بمعنى: وأين النبي وغيرتك عليه كما كنت تدعي في انتخابك لراسموسن؟

هل مجرد زيارة أوباما لتركيا أم تعيين تركي في منصب مساعد الأمين العام لحلف الناتو، هي الصفقة التي كان يناور عليها أردوغان؟ هل هذه هي آيديولوجية الإسلاميين، مجرد متاجرة بالدين، ومتى منحهم الغرب ما يريدونه، فلن يتورعوا عن المساومة على كل شيء بما فيها حقوق النبي، وفي هذا الصعيد نقول عمن يستخدم الحق لخدمة الباطل: «ده ياكل مال النبي». ألا تبدو هكذا صفقة أردوغان مع راسموسن وحلف الأطلسي؟

* مدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز الدولي للدراسات السياسية والاستراتيجية IISS

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top