عين شمس... أغنية الشوق إلى الحياة والحريّة
بعد عرضه في مهرجانات عدّة حاصداً جوائز كثيرة، أصبح «عين شمس» للمخرج إبراهيم البطوط، متاحاً أمام الجمهور في صالات السينما.ونذكر في هذا السياق أنه بعد انتهاء البطوط من إخراج الفيلم رفض جهاز الرقابة التصريح به، متذرعاً بعدم عرض السيناريو على الرقابة. كذلك أُخرج الفيلم بطريقة الديجيتال، ثم ساهمت المغرب في تحويله إلى «سينما 35 مللي»، ليصبح بذلك مصرياً - مغربياً، وصار البطوط يُعرف بأنه «أب السينما المستقلة الروحي».
ولإنهاء المشكلة اقترح رئيس الرقابة الناقد علي أبو شادي تقديم سيناريو الفيلم إلى الرقابة، للموافقة عليه، لكن البطوط رفض، قائلاً: {كيف أقوم بمثل هذا «التحايل» بينما يعرف الجميع أن الفيلم صُوِّر فعلاً، بل وعُرض في أكثر من مهرجان وحصد جوائز عدّة!». في النهاية وافقت الرقابة على عرض الفيلم بعشر نسخ فقط! كتب «عين شمس» تامر السعيد بمشاركة المخرج، وعُرض في القاهرة مرتين بمركز «غوته» الثقافي الألماني والمركز الثقافي الفرنسي، لكنه يستحق المشاهدة مجدداً!تدور الأحداث حول الطفلة «شمس» التي تعيش مع أسرتها في حي عين شمس (منطقة سكنية شرق القاهرة)، وتحلم بزيارة منطقة «وسط البلد» في القاهرة، العالم الآخر بالنسبة إليها... يعد الأب ابنته بالذهاب إلى «وسط البلد»، لكنه لا يفي بوعده، إلى أن يكتشف أنها في مرحلة متأخرة من مرض السرطان، فيحقق حلمها، وحينها تعيش الأسرة أصعب أوقات العمر وأقساها، في محاولة لأجل الشفاء. وبصيغة فنيّة وجمالية خاصة، يصوّر المخرج الحياة العصبية في مصر المعاصرة، حيث الخطر يحيط بالمواطنين بسبب مواد مسرطنة وتلوث إشعاعي، مستعيناً بالمقارنة بين حالة «مصر المعاصرة» و{العراق المحتل»، الذي يعيش الخطر الدائم عقب القصف الأميركي له باليورانيوم المسبب للسرطان.كذلك يرصد الفيلم مشكلات متفاقمة ومتداخلة، مثل البطالة ومخاطرها كالهجرة غير الشرعية، وإدمان المخدرات... أما «الانفجارات الشعبية» فيقدم «عين شمس» تظاهرات حقيقية يطالب فيها المواطنون بأبسط الحقوق أي العيش حياة إنسانية معقولة وكريمة. وتكشف اللقطات الحقيقية مدى الوحشية التي تتعامل بها قوات الأمن مع المتظاهرين، فيما لا يشارك آخرون في التظاهر وإن كانت تعتصرهم الحياة القاسية كما يرصد الفيلم.لم يلجأ البطوط إلى نجوم لنجاح فيلمه، بل إلى طريقة غير تقليدية في إنتاجه وتصويره، معتمداً على «مؤدين» أبرزهم حنان يوسف، بالإضافة إلى وجوه غير معروفة مثل بطرس غالي ورمضان خاطر ومحمد عبد الفتاح وهاني المتناوي، ومعهم الطفلة حنان، الذين منحوا جميعاً المخرج تصوّره بطريقة أداء حيوية وصادقة، لا تتوخى أدنى افتعال.والد الطفلة رمضان سائق التاكسي يخشى على سيارته من التظاهرات، وعندما كان يقلّ أحد المرشحين لمجلس الشعب، يقول كلمات لها معناها ودلالتها: «ليه المانغا بقى طعمها في مصر زي الخيار؟ المبيدات بتجيب سرطان؟ والسمك كله؟ ليه كل الحاجات متلخبطة في مصر؟».خشي رمضان على سيارته من التظاهرات في وسط البلد، لكن زجاجها رغم ذلك تحطم في عين شمس! لماذا نخاف؟ سؤال يطرحه الفيلم بقوة.«عين شمس» قصيدة سينمائية بكل معنى الكلمة، حيث التكثيف والحيوية، والإبداع مفتوح على دلالات ومعانٍ غنية، والاتقان يؤكد موهبة عميقة لـ «فنان الفيلم».