افتتاحية إلى جنة الخلد يا أبا فهد...
بقلوب ملؤها الإيمان بإرادة الخالق وقضائه وقدره، وبنفوس يعتصرها الحزن، تلقى الجميع مساء أمس خبر وفاة سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم رحمه الله.
لقد قضى -رحمه الله- عمره منذ سنوات شبابه الأولى، حتى تمكن منه المرض، وهو يحمل الكويت في عقله وقلبه، فكانت الكويت هاجسه وهمه على حساب راحته وصحته، وقدم إليها أكثر مما تتحمله طاقة البشر أحياناً كثيرة. كان -رحمه الله- رجل الشدائد... وفي الشدائد يختبر معدن رجالات الدولة، وتتجلى قدراتهم، وتتجسد وطنيتهم، وتترجم معاني تحمل المسؤولية بكل أبعادها وحدودها، وقد كان الشيخ سعد العبدالله رجل الشدائد والظروف الصعبة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وكان ذلك واضحاً في ظروف احتلال الكويت وادارته للأزمة في تلك المرحلة الحرجة من تاريخنا مع أخيه ورفيق دربه المغفور له الشيخ جابر الأحمد طيب الله ثراهما... وقبلها مرحلة الحوار السياسي الوطني الذي فتح قلبه له، واتسع صدره بكل رحابة ليسمع من النقد ما قسا بعضه، لكنه كان دائما الأعطف والاكثر قبولا لكل الآراء المخالفة... كان يتصرف كأنه أبٌ للجميع، وصح فيه القول بأنه الأمير الوالد رحمه الله. على عجالة يصعب تعداد مناقبه، وجرد مآثره، لأن ما أعطاه الشيخ سعد اكثر من أن يحصى، وأصعب من ان يجرد... ويكفي انه حمل الكويت في قلبه وروحه على حساب صحته وحياته؛ فقدم لها اسمى ما يمكن ان يقدم، حين قدمها على نفسه وعلى كل شيء... فقد كانت الكويت بالنسبة اليه هي اولا وثانيا وثالثا وعاشرا... كانت كل شيء. اليوم، وقد غيب الموت عنا رمزا ورجلا من الرجالات الذين رسموا وساهموا في بناء هذا الوطن عبر نصف قرن من الزمان تقريباً، فلا حول لنا ولا قوة غير قبول قضاء الله وقدره... ولنا من مسيرته الطويلة ولأهله واخوانه وابناء عمومته دروس نستقيها عبر تلك التجارب التي خاضها رحمه الله، بلا ملل، ولا تذمر ولا كسل. عزاؤنا لصاحب السمو الأمير، ولآل الصباح، ولأنفسنا. اننا مؤمنون بقضاء الباري عز وجل وقدره، وعزاؤنا الصبر والسلوان على أحزاننا. فإلى جنة الخلد يا أبا فهد وإنا لله وإنا إليه راجعون الجريدة