حنونة على عنترة وشريرة مع ذي يزن

نشر في 21-03-2009 | 00:00
آخر تحديث 21-03-2009 | 00:00
No Image Caption
يتجلى دور الأم في السير الشعبية وتأثيرها على حياة أبطالها إلى حدّ يبلغ مرتبة البطل نفسه ويفوقها أحياناً. وتزخر الأم في السير بأدوار متنوعة، فهي القوية (فاطمة ذات الهمة) والمغلوبة على أمرها (زبيبة والدة عنترة) والشريرة (الأخيرة قمرية أم الملك سيف بن ذي يزن).

تحكي السيرة أن شداد العبسي أسر زبيبة ابنة أحد ملوك الحبشة بعد انتصاره في غارة على أحد أحياء بني جديلة. لكنها لم تمكنه من نفسها إلا بعد أن جعلها زوجة له نظراً إلى اعتزازها بنفسها وكرم أصلها. وعندما أنجبت عنترة لم يعترف به والده ولفظته قبيلة عبس كلها لسواده، ومن هنا كانت أمه سبب ما اعترى حياته من نواقص، على رغم أن لا ذنب لها في ذلك كله.

علاقة متناقضة

على النقيض من نظرة التحقير من عنترة بن شداد الى أمه زبيبة، نجد في سيرة الملك سيف بن ذي يزن مع أمه الأميرة قمرية علاقة مغايرة تماماً فيها مكر ودهاء وشر من الأم وحب وحنان من الابن. فقمرية في الأصل جارية أرسلها ملك الأحباش سيف أرعد إلى ملك اليمن ذي يزن لتقتله وتتخلص مما يهدد عرش أرعد، فأحبها ذي يزن وتزوج بها، وعلى رغم ذلك حاولت قتله، فكُشف أمرها وعفا عنها الملك لتعلقه الشديد بها فاضطرت إلى معاشرته وهي كارهة لعشرته وحملت منه ودبرت لقتله إرضاءً لملك الحبشة إلى أن استطاعت تنفيذ ما دبرت قبل الوضع بفترة وجيزة.

وحملتها الكراهية الشديدة لذي يزن أن تتخلص من ولدها فور ولادته بإلقائه في الصحراء ليموت وتنفرد هي بالحكم. فتجد الطفل غزالة فترضعه ثم يرضع مع جنية اسمها «أم عاقصة»، وبعد ذلك يجده صياد وعن طريقه يعيش في قصر الملك أفراح، أحد الملوك الموالين لملك الحبشة وأحد أعداء والده ذي يزن.

يعرف الإبن حقيقة أصله وتعترف به الأم نظراً إلى قوته، لكنها تدبر المكائد لقتله. وفي كل مرة يخرج سالماً وتتآمر مع أعدائه ضده للاحتفاظ بالملك إلى أن ينتهي الأمر بقتلها على يد الجنية عاقصة.

مساندة

يتجلى دور الأم في مسيرة أبطال السير الشعبية ودورها في الاهتمام بالأبناء ليتفرغ البطل الأب لحروبه. ونجد ذلك في سيرة الأمير حمزة البهلوان المعروف بـ{حمزة العرب»، والذي أمضى حياته متجولاً بين البلاد للدفاع عن العروبة ضد شرور الروم والفرس واليهود، مخلفاً وراءه زوجاته الأربع اللائي حرصن على تربية الأبناء بشكل يليق بأبناء بطل. وعندما تتأكد الأم من فروسية ابنها وقوته واشتداد عوده ترسله فوراً إلى والده للمشاركة في المعارك.

وكانت الزوجات الأربع بذلك خير معين لبطل السيرة لمواصلة مسيرته بحماسة، خصوصاً أنه ترك زوجات يتمتعن بعقل راجح وشدة بأس في القتال، ما يجعلهن أمهات صالحات أخرجن له وللعروبة شباناً أصبحوا مضرب الأمثال في الشجاعة والإقدام.

في سيرة علي الزيبق نرى والدته فاطمة الزهراء تحاول جاهدة إبعاده عن شر أعداء والده وتعليمه في الأزهر. وتبدأ سيرة الزيبق بصراع بين أبيه حسن رأس الغول وصلاح الكلبي، وينتصر الأخير فتخاف زوجته فاطمة الزهراء وتذهب إلى أبيها نور الدين قاضي الفيوم، حيث تضع مولودها علي وتحفّظه القرآن وترسله إلى الأزهر لتلقي علوم الدين، لكنه يهرب مراراً ويذهب إلى أرض الرميلة حيث يتصارع الفرسان ويتبارى أرباب الحيل، فيلعبون بالسيف والدبوس. واختلط علي بهذه البيئة وتعلم فنون القتال وشهد الجميع بمهارته وسلك مسلك أبيه فحارب صلاح الكلبي بالحيلة والذكاء فتغلب عليه وعلى دليلة المحتالة، وحينما كانت تسوء الأمور تظهر الأم لتدافع عن ابنها وتنقذه من المهالك.

تنوّع

يؤكد د. مصطفى جاد، أستاذ الفلكور في المعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون في مصر، أن لكل أم في السيرة الشعبية دوراً فاعلاً في حياة البطل، مثل زبيبة أم عنترة بن شداد وخضرة الشريفة أم أبي زيد الهلالي، وثمة نموذج للأم الفارسة مثل فاطمة أم علي الزيبق.

ويقول د. مصطفى في هذا المجال: «التراث الشعبي يعظّم دور الأم، خصوصاً أنها تربي الأبناء في ظل غياب الأب وانشغاله بالحروب المستمرة».

يشير د. خالد أبو الليل، أستاذ الأدب الشعبي في جامعة القاهرة، إلى أن صورة الأم في التراث الشعبي مستقرة وتتصف بالرزانة والحكمة، والبطل عندما يفقد أمه تواجههه صعوبات كثيرة، ونلحظ ذلك في القصة الشعبية الاجتماعية «فرط الرمان» والتي تواجه فيها البطلة المشاكل وتذوق الأمرّين على يد زوجة أبيها بعد وفاة أمها. كذلك ثمة تفاوت في صورة الأم فهي المغلوبة على أمرها مع عنترة بن شداد ومثالية لدى أبي زيد الهلالي.

يقول د. إبراهيم شعلان أستاذ الأدب الشعبي إن الأصل في الأمومة الخير والحنان، والأم الشاذة عن هذه القاعدة تصير منبوذة من المجتمع وتظهر بصورة الشر في القصص الشعبية. والأم عمود الأسرة والقبيلة بل إن دورها في السير الشعبية أخطر وأكبر من دور الرجل لأنها العامل الأساسي في تشكيل أبطال السير الشعبية.

back to top