يا عيبو وبسبستلّو... ابتذال مقنّع بشعار الأغنية الشعبية
يلاحظ متتبّعو الإذاعات العربية والشاشات الفضائية الفنية التدهور الكبير الحاصل في الأغنية العربية وافتقارها إلى المعاني العميقة والشعر الجميل وتضمنها موسيقى لا علاقة لها بالطرب بعيدة كل البعد عن الإحساس الصادق والجمل الموسيقية الصحيحة. درجت العادة أن يطلق على الأغنيات اليوم كلمة «شعبية» في حين ليست سوى أغنيات مستهلكة وتجارية يروّج لها الإعلام عموماً وشركات الإنتاج خصوصاً، من دون أن يتركا للجمهور حرية الاختيار مستخدمَين الكليب للسيطرة على البصر والسمع وفرض سلعهما الرخيصة على الذوق العام. هكذا تحوّل الكليب من داعم للأغنية إلى هدّام للأجيال الجديدة.
يا عيبومن المهم جدّاً أن تكون الأغنية لسان حال الجمهور والمرآة لحياته اليومية والاجتماعية، بتبسيطها وتسهيل مفرداتها واستخدام الأبيات القصيرة والسريعة الإيقاع، لكن من المؤسف تحويل الواقع الجميل والمرهف إلى ابتذال، على غرار ما فعلت أغنية «يا عيبو» للفنانة ديانا حداد. الحقيقة أنه لو أجيز استخدام «يا عيبو» لكان من الأجدر توجيهها إلى حداد نفسها على أغنية أقل ما يقال عنها إنها تافهة وخالية من أي مضمون بعدما عوّدتنا سابقاً على تقديم أغنيات مميزة بصوتها الطربي الأصيل. يقول مطلع الأغنية «بس استحي عشيبتك وحاج تقلل هيبتك، يا عيبو يا عيبو، سنينك صاروا بينعدّوا ويلّي متلك شو بدّو، بعدك داير ليل نهار على الصبايا وعم تنهار ما هوي لي بعمرك صارعم بقولولو جدّو، يا جدّو يا جدّو»... لم يتوقّع أحد أن تنحدر ديانا إلى هذا المستوى الرديء من الأغنيات هي التي سبق وغنّت «ساكن»، «عذاب الهوى»، «فوق الرمح»، «أمانيه»، «إمشي ورا كذبهم»، «لو ما دخلت براسي»، «شاطر» وغيرها من الأغنيات الجميلة التي حققت من خلالها نجاحاً باهراً وانتشاراً واسعاً ونالت الجوائز.صرّحت ديانا في إحدى مقابلاتها التلفزيونية أن الأغنية شعبية تندرج ضمن إطار النقد لحالة موجودة في المجتمع، تعكس صورة الرجل العجوز الذي يرفض الاعتراف بعمره ويصرّ على التصرف على غرار الشباب والمراهقين. ألم يكن من الأفضل اختيار كلمات أكثر رزانة من «حاج تدق وحاج ترن، كل مفاتيحك صدّو» مثلاً؟ حبّذا لو لم تتطرق ديانا إلى هذا الموضوع ليس من باب الممنوعات، فتصوير الواقع أمر ضروري وصحّي في الأغنيات، لكنها شوّهت صورة العجوز الذي تربينا على أنه شخص رصين ومحترم وعرّاب العائلة. العيب الثانية نقولها لمخرجة الكليب نهلة الفهد التي، بدلاً من أن تجمّل الأغنية وتخفي عيوب كلماتها زادتها ابتذالاً. لم يكن لائقاً أبدا تصوير عجوز يتأبط ذراعي فتاتين من عمر حفيداته ويقوم بحركات صبيانية ويتمايل راقصاً أمام الكاميرا بين مجموعة من الفتيات يسخرن منه، كم كان مبتذلا حين هرب من زوجته العجوز ليراقب الفتيات اللواتي يتمشين في الشارع، كذلك حال المشهد الذي يظهره وهو يضع الكريمات على وجهه... انتظرنا طويلاً عودة ديانا إلينا بعمل جديد متكامل لكنها أرادت على ما يبدو اللحاق بالموجة الفنية المتردية القائمة، فكانت أغنية «يا عيبو».بسبستلّوليس الحال أفضل مع الفنانة اللبنانية رولا سعد التي أرادت استخدام المصطلحات الشعبية التي يستخدمها اللبنانيون في حياتهم اليومية، فإذا باختيارها يقع على «بسبستلو»، يقول مطلع الأغنية «بسبستلّو رد عليّ بسبستلو خدّو شويّي، زعلتو وببوسة رضيتو إن شاء الله بيزعل كلّ شوية»... تركيب كلمات وجمل تافهة لا هدف لها ولا مغزى ولا تصلح حتى أن تكون أغنية ترفيهية.حسناً فعل المخرج فادي حداد في إضفاء الروح الكوميدية على الكليب الذي جاء موفقاً وجميلاً، لا يعود الفضل في ذلك إلى سعد نفسها بل إلى الممثلة الكوميدية اللبنانية ليليان نمري التي شاركتها التمثيل فيه سارقة منها الأضواء بخفّة ظلّها ومواقفها الطريفة البعيدة عن التصنّع. يذكر أن أغنية «بسبستلّو» منعت في المملكة العربية السعودية، بسبب إحتوائها على كلمة «بوسة» أو قبلة، في هذا المجال أورد أحد المواقع الإلكترونية أن مدير أعمال رولا سعد كريم أبي ياغي صرّح بأن شركة «روتانا» المنتجة لأعمالها ستطرح الألبوم من دون هذه الأغنية.ليس صحيحاً ما يقال إن سرعة الحياة اليومية تفرض هذه النوعية من الأغنيات وليس صحيحاً أن هذا العصر لا يتناسب مع الأغنيات الطربية والتراثية. في الماضي كانت الأغنية اللبنانية الشعبية السريعة موجودة إنما في إطار راقي وجميل، نذكر على سبيل المثال الفنانة صباح حين أدّت «مرحبتين ومرحبتين» و{عالبساطة» وغيرهما الكثير، كذلك الفنانة فريال كريم التي قدمّت أجمل الأغنيات من واقع الحياة اليومية وما زالت خالدة حتى بعد مرور وقت طويل على وفاتها، من بينها «برّات البيت» و{عم بزعلني للّو» وغيرهما... يتساءل الملحّن سمير صفير في حديث سابق إلى «الجريدة» أين لبنان فيروز وصباح ووديع الصافي؟ ويقول: {هناك إعاقة فنية يتحمل مسؤوليتها القيمون على وسائل الإعلام وشركات الإنتاج الذين يروّجون لجيل ناقص فنيّاً ما أدى إلى التدهور الكبير في الموسيقى». أمام هذا الواقع نسأل: أين موقع الأغنية اللبنانية الراقية في ظلّ التشويه الكبير الحاصل حالياً على الساحة الفنية والتحاق فنانات على قدر من الأهمية على غرار ديانا حداد بالموجة المبتذلة الرائجة لأنهن صدّقن على ما يبدو مقولة «الجمهور عاوز كده»؟