كليوباترا... جذورها أفريقيّة!

نشر في 22-03-2009 | 00:00
آخر تحديث 22-03-2009 | 00:00

كشف علماء غربيون أخيراً أن ملكة مصر كليوباترا (69 – 30 ق.م) قد تكون متحدرة من أصول إفريقية خلافاً لما هو مُعتقد بأنها كانت من أصل يوناني، ومن المنتظر عرض نتائج الكشف العلمي في فيلم وثائقي أعدته هيئة الإذاعة البريطانية BBC يوم 23 مارس (آذار) الجاري.

يوضح فيلم «كليوباترا... بورتريه قاتلة» أنه عُثر على رفات الأميرة ارسينوي {شقيقة كليوباترا}، ابنة الملك بطليموس الثاني عشر، في مدينة أفسس غرب تركيا وأن الأدلة الناتجة من دراسة أبعاد جمجمة الأميرة تشير إلى أنها تميزت بسمات مُختلطة للأوروبيين البيض والمصريين القدماء والأفارقة السود.

وذكرت البروفيسورة في الأكاديمية النمساوية للعلوم هيلكي ثوير التي حققت هذا الاكتشاف أنه «أمر فريد في حياة عالم آثار العثور على مقبرة تضم رفات فرد من سلالة الأسرة البطلمية». وأضافت: «اكتشاف أن ارسينوي كانت من أم إفريقية حدث مثير حقاً يؤدي إلى رؤية جديدة حول عائلة كليوباترا».

خبراء الماكياج

وعلى رغم رفض «المجلس الأعلى للآثار» في مصر ما توصل إليه الباحثون النمساويون، مال خبراء الماكياج المصريون بحسّهم الفني وخبرتهم في التعامل مع الوجوه والملامح إلى هذا الاكتشاف الجديد، وقالت خبيرة الماكياج دينا راغب: «الكشف غاية في الأهمية لأنه يعيد قراءة ما يمكن تسميته بـ{تاريخ الجمال» من زوايا أخرى، خصوصاً أن كليوباترا كانت ولا تزال رمز الجمال والأنوثة الطاغية. ومن واقع خبرتي في التعامل مع وجوه نساء عربيات وأجنبيات، كان لديَّ إحساس يقيني بأن هذه الملكة اليونانية لها أصول عربية إفريقية، خصوصاً بعينيها الواسعتين وحاجبيها العريضين».

وتوافقها الرأي خبيرة التجميل مروة الخطيب قائلة: «بالتأكيد انحدرت الملكة كليوباترا من أصول إفريقية وهذا يتضح من سيمترية توزّع العظام في الوجه، علاوة على الجبهة العريضة والعينين الواسعتين اللتين تفصل بينهما مسافات محددة تتفق مع الأبعاد العربية والإفريقية في الجمال، وهو ما ينطبق أيضاً بالنسبة إلى عظام الفك بما يجعل كليوباترا تشبه كثيراً جميلات الشرق أكثر من حسناوات الغرب، فكليوباترا ومهما قيل عنها كانت جميلة، ويتأكد ذلك من صورتها التي تزين آلاف العملات الموجودة بالمتاحف المختلفة، ووجها المشرق النضر الذي يطل علينا من واجهة معبد «دندرة» في مصر ليحكي لنا تاريخ واحدة من أشهر ملكات مصر القديمة». يُذكر أن اسم «كليوباترا» يعني في اللغة اليونانية «فخر الوطن».

تعد كليوباترا آخر حكام مقدونيا من سلالة بطليموس، وكانت على قدر كبير من الذكاء، وتحدثت لغات كثيرة، وشاع عنها أيضاً أنها كانت السيدة البطلمية الوحيدة التي كانت تقرأ وتتحدث اللغة المصرية القديمة، وأن علاقتها مع يوليوس قيصر ومارك أنطونيو كانت ذات تأثير كبير على الأحداث السياسية التي عصفت بذلك العصر، وأن مملكتها شهدت أياماً عصيبة نجحت في تجاوزها وتكوين إمبراطورية في الشرق منافسة للسلطة المتنامية في روما آنذاك.

قالت عنها جويس تايلدسلي، عالمة الآثار البريطانية والباحثة في التاريخ المصري القديم، في كتابها «كليوباترا... آخر ملكات مصر» الصادر حديثاً في إنكلترا: «كتب المعاصرون عن صراعات وخلافات كثيرة أحاطت بكليوباترا، وعن قوة جاذبيتها التي فشلت في مواجهة قوة الإمبراطورية الرومانية، ونسجوا قصصاً كثيرة توحي بأننا نعرف الحقائق عن حياة كليوباترا. لكن الصورة التي نعرفها عنها هي في الواقع صورة مشوّهة بشكل كبير، صورة تضعها في أحيان كثيرة في شكل امرأة تتحكم فيها عواطفها أكثر من عقلها، أو في شكل الملكة التي تسرع نحو الدمار المحتوم لمملكتها، وغير ذلك من قصص الإغراء والمكائد والانتحار بالأفعى، التي غطت على حنكتها السياسية».

يوليوس قيصر

وعلى رغم ما ساد إلى يومنا هذا بأن كليوباترا «ملكة النيل» تمتعت بقدر وافر من الحسن والجمال وبشخصية جذابة نُسجت حولها الأساطير، رأى باحثون في الآثار والتاريخ أنها لم تكن جميلة ولكن شخصيتها كانت سر جمالها وتألقها، ومن بينهم الباحثة جويس تايلدسلي التي قالت في كتابها إن «كليوباترا كانت تتصف بالطموح والقسوة معاً، ومن الصعوبة أن توصف بأنها من نوع النساء اللواتي تحركهن العواطف، إذ لم تربطها علاقات حميمة مع أحد سوى يوليوس قيصر وأنطونيو، كذلك أ لم تكن تتمتع بجمال باهر، والدليل على ذلك صورها المحفورة على العملات، ولكن ما ميّزها وجعل منها امرأة لا تقاوم، ثراؤها وذكاؤها وقوة شخصيتها».

هذه المزاعم أكدها أيضاً باحثون في جامعة نيوكاسل البريطانية عام 2008، حيث قالوا إنهم اكتشفوا عملة تعود إلى ما قبل عامين فقط من انتحار كليوباترا، أظهرت أنها كانت دميمة بأنف طويل معكوف وذقن طويل وجبين ضيّق وعينين صغيرتين غائرتين، أي أنَّها كانت امرأة قبيحة.

وقد أثار هذا الاكتشاف موجة اعتراض شديدة من جانب المصريين وخصوصاً علماء الآثار والتاريخ وكذلك المبدعون والشعراء الذين رأوا فيه هدماً لتراث شعري وأدبي زاخر من مختلف العصور استلهم سحر الملكة وجاذبيتها، ليخرج بعدها الشاعر المصري أحمد الشهاوي الذي استلهم كثيراً من قصائده في الحب والعشق من جمال هذه الملكة، ويؤكد أنه حصل على عملة معدنية نادرة للملكة كليوباترا أشهر ملكات مصر تعود إلى فترة حكمها، أي قبل انتحارها في العام 30 قبل الميلاد، يظهر من خلالها أن كليوبترا «تمتعت بالفعل بجمال جعلها هدفاً لأقوى ثلاثة رجال في عصرها».

خارج مصر

ذكر الشهاوي أن الاكتشاف حدث بالصدفة عندما كان في زيارة لمقتنيات صديق له خارج مصر، وتبين أنه اشتراها بسعر زهيد ولم يكن يدرك قيمتها، مشيراً إلى أن الرسم المصكوك لكليوباترا فوق العملة يشهد على ما تمتعت به من جمال فتان ظل طوال التاريخ مصدراً مهماً لإلهام الشعراء ومادة بحث خصبة للمؤرخين والباحثين.

وعلى رغم عدم إفصاح الشهاوي عن أية تفاصيل حول المكان الذي حصل منه على العملة، وهو ما أثار الشكوك أيضاً حول ما ردده في كشفه هذا، فإنه لعب على الوتر نفسه ليشكك هو الآخر في ما توصل إليه الباحثون في نيوكاسل، إذ اعتبر الشهاوي أن استعجال جامعة نيوكاسل بالإعلان عن استنتاجات علمائها من دون الاعتماد على قواعد البحث التاريخي والعلمي، يشي بشبهة العنصرية التي عانت منها هذه الملكة الجميلة لدرجة أن البعض في مراحل تاريخية مختلفة حاول أن ينفي عنها مصريتها.

وقد استحوذ تأثير كليوباترا على مخيلة الكثير من شعراء الغرب والشرق على حد سواء، مثل وليم شكسبير، وبرنارد شو الذي أنكر في مسرحيته التي كتبها عن قيصر وكليوباترا أن تكون هذه الملكة أوتيت من العلم شيئاً، بل إنه صورها في صورة المرأة اللعوب التي تستخدم جسدها لنيل ما تريد، وإن كان بعض النقاد يعتبر أن رأي برنارد شو في كليوباترا جاء تجسيداً لنظرته الى المرأة. ومن المبدعين العرب أمير الشعراء أحمد شوقي الذي كتب بحسه المرهف عن مصرعها وأيامها الأخيرة في مسرحيته الشعرية الشهيرة «مصرع كليوباترا».

زاهي حواس: كلام بلا أدلة علمية

أكد د. زاهي حواس، أمين عام المجلس الأعلى للآثار، أن ما يقال حول أن كليوباترا هي من أصول إفريقية مجرد كلام يفتقر إلى الأدلة العلمية والأثرية، لأسباب عدة في مقدمها أن الملكة الجميلة كليوباترا السابعة يونانية الأصل وهي آخر الملوك البطالمة الذين حكموا مصر لحوالي 300 عام بعد الإسكندر الأكبر المقدوني، موضحاً أنه لا توجد أي أدلة أو نصوص أثرية اكتُشفت حتى اليوم تؤكد أو تشير إلى أن كليوباترا إفريقية، وكذلك فإن تماثيلها وصورها المصكوكة على العملات في متاحف مصرية وعالمية عدة لا تظهرها بأي شكل أو تفاصيل زنجية أو إفريقية.

back to top