أصدر روايته الثانية سلام هاني نقشبندي: روايتي اعتراف بخطئنا في تقديس التاريخ!
في روايته الثّانية «سلاّم» الصّادرة حديثاً عن دار السّاقي، بعد روايته الأولى «اختلاس»، يصحبنا الروائي السعودي هاني نقشبندي الى الحديث عن الأندلس، بلغة مختلفة عن اللغات السائدة في الرواية العربية عن ذلك الفردوس المفقود، لا يتحدث عن تلك البلاد بلغة الحنين بل يفتّش عن الخطأ في التاريخ، يصف العرب بأنهم كانوا محتلين لتلك البلاد وليسوا أصحاب رسالة، يتأمل حيث كان مسرح «الدولة الأندلسيّة» التي سادت فترة من الزّمن، قبل أن تندثر تحت وطأة صراعات حكّامها ومسلكيّاتهم، هم الّذين «لم يحافظوا على ملكهم كالرّجال» على ما درج القول وفق البيت الشعري المأثور لوالدة آخر حكام الأندلس: «إبك كالنساء ملكاً مضاعاً/ لم تحافظ عليه كالرجال».
«الجريدة» تحدثت الى نقشبندي في الحوار التالي.الى أي مدى تعيش هاجس «الأنا» و{الآخر» أو الـ{نحن» والـ{هم» في ثقافتك وكتابتك، ففي روايتك الأولى «اختلاس» تحدثت عن الذات والعيش بين الشرق والغرب، والآن تتحدث في روايتك الثانية «سلاّم» عن الصراع في الأندلس وعن الاحتلال وبالتالي عن العرب والاسبان؟لم أفكر لحظة في مسألة الـ أنا والـ هم والـ نحن. في النتيجة، أتكلم عني وعن كل هؤلاء. وإن اختلفت الصور الروائية في «اختلاس» جذريًا عن «سلام»، فإن القضية تبقى واحدة: الاعتراف بالخطأ. في «اختلاس» اعتراف بخطئي الشخصي يوم كنت رئيسا للتحرير، خطئي في الخوف الدائم من رقيب وهمي صنعه خوفي. في «سلام» اعتراف شامل بخطئنا ككل في تقديس تاريخ لا يستحق التقديس، بل تاريخ يجب أن ينزل من عرش قدسيته الى كرسي الاعتراف.تستخدم في روايتك الجديدة «سلاّم» التاريخ لتعبّر عن حاضرنا بطريقة غير مباشرة، هل يوجد شبه بين ما يحدث الآن من انكسارات وبين ما حدث في الأندلس؟لم يكن ذلك هو الهدف، أعني الشبه او المقاربة بين ما حدث في الأندلس وما يحدث الآن. ما أردت قوله في «سلاّم» أننا يجب أن نعيد النظر في تاريخنا لاكتشاف الخطأ، والأندلس هنا كانت الخطأ. خطأ في أنها لم تكن لنا يوما على الرغم من بقائنا هناك تسعة قرون. فشلنا لأننا أثبتنا أننا لم نكن أصحاب رسالة فيها كما ادعينا في البدء، وبذلك خلقنا صدامًا وصراعًا مع الآخر. هذا الصراع ما زال قائما حتى اليوم، من هنا تأتي الرواية لتقول إن على الصراع أن ينتهي.لماذا تطلق على الوجود العربي في الأندلس صفة الاحتلال؟لأنه كذلك فعلاً. دعني أسألك، ما المبرر الأخلاقي الذي كانت الجيوش العربية تملكه في فتوحاتها وغزواتها؟ الجواب هو نشر العقيدة او الرسالة. حسناً، اذا انتفت تلك الغاية، بمعنى أنك أسقطت جانب نشر الرسالة، تكون بذلك فقدت المبرر الأخلاقي لوجودك في اي مكان، وهذا ما حدث في الأندلس، حيث دخلت إليها الجيوش العربية باسم الإسلام، من دون أن تنشر أية تعاليم لها علاقة بالإسلام، والدليل أن العرب عاشوا هناك 900 عام، اي تسعة قرون من دون أن يجعلوا من أسبانيا أرضا إسلامية، والبرهان أنهم خرجوا منها. هذا يعني بالتالي أننا فقدنا المبرر الأخلاقي لوجودنا هناك، فتحوّلنا من فاتحين أصحاب رسالة الى محتلّين بكل ما للكلمة من معنى. انتهى الآن الاحتلال والوجود العربي هناك، لكن الصراع مع المسيحية، ومع كل الأديان الأخرى ما زال قائما. ألا تعتبر أن الصراع بين الشعوب من البديهيات؟نعم ، لكن هذا لا يعني أنه فضيلة. أثبت التاريخ أن صراعنا مع المسيحية المجاورة لنا، بل الملاصقة لنا هو نوع من العبث. يجب أن يكون هناك حوار... في حال فشل الحوار يجب أن يكون هناك احترام على الأقل. لكني أعتقد أنه حتى مثل هذا الاحترام غير موجود. ندعي أننا نريد محاورة الآخر، وأننا نحترمه. في الواقع نحن نزدريه في أعماقنا ونحتقره.هل اردت من خلال روايتك أن تعاكس موجة الأدب العربي السائدة والقائمة على الحنين الى الأندلس؟دعني أخبرك أمراً... انا أكثر حنينا الى الاندلس من كثيرين انتقدوني وهاجموني. عشت هناك لفترات وقرأت الكثير عن تاريخها. لكن كل ذلك لا ينفي النتيجة التي توصلت اليها، وهي أننا كنا للأسف مجرد محتلّين. هذا في النهاية رأي شخصي، قد أكون مخطئا، ومخطئا جدا ايضاً، لكني أرحّب صادقًا بكل من يستطيع أن يثبت أنني مخطئ في النتيجة التي توصلت اليها. ما رأيك في الكتابات العربية عن الأندلس من روايات رضوى عاشور الى قصائد محمود درويش؟قرأت «ثلاثية غرناطة» لرضوى عاشور وأعجبت بهاً وقرأت قصائد محمود درويش ونزار قباني وحتى الشاعر العراقي الجواهري عن الأندلس. لكن هذا الغزل الحزين ليس هو ما نحتاجه، بل أن نكتشف أخطاءنا التاريخية لنضع قدمًا شجاعة على طريق أكثر طهرا ومحبة.نبذةهاني نقشبندي، مولود في الرياض عام 1963، تفرغ للعمل الصحفي منذ العام 1989. انتقل عام 1992 الى لندن متدرجًّا في عدد من مناصب الشركة السعودية للأبحاث والتسويق حتى أصبح رئيسًا مكلفا لتحرير مجلة «المجلة» ومجلة «سيدتي». صدر له كتاب سياسي بعنوان «يهود تحت المجهر» عام 1986، وكتاب فلسفي بعنوان «لغز السعادة» عام 1990.يقدم راهنا برنامجا على تلفزيون دبي بعنوان «حوار هاني»، وهو برنامج سياسي اجتماعي انساني يناقش من خلاله القضايا العربية المطروحة على الساحة.«سلام» هي روايته الثانية بعد روايته الأولى «اختلاس» التي صدرت في العام 2007 عن الناشر نفسه.