حينما ترق الآلات

نشر في 08-04-2009
آخر تحديث 08-04-2009 | 00:01
 زاهر الغافري إني أتذكر وأشم إيقاع الموسيقى.

هذا ما يحدث غالباً، وحدها اشارة السماع ستنقذني في مساء كهذا، وحدها «فرقة الكندي» ومؤسسها جوليان جلال الدين فايس، انني انصت وأتذكر...

لقد زارت الفرقة عُمان، وقدمت حينها اعمالها الموسيقية من التراث الكلاسيكي الشرقي. أجل كانت أمسية نادرة، قدمت الفرقة التراتيل والأناشيد الصوفية، والموشحات بالاضافة الى رقصة الدراويش.

أنصت وأتذكر ليلة من ليالي الوجد والحب الخالص، جمهرة من عازفين ومنشدين وراقصين، يتقدمهم، عازف القانون الفرنسي جوليان جلال الدين والمنشد الشيخ حمزة شكور –رئيس رابطة المنشدين في سورية– وعازف الناي البارع زياد قاضي أمين وعازف الرق المصري عادل شمس الدين، ثم محمد قدري دلال مايسترو التقاسيم على العود.

انني أنصت وأتذكر كيف رقّت الآلات!

رقتّ الآلات وارتفعت أصوات المنشدين بخشوعٍ سماوي. التناغم شفيف وغاية في الرقة والعذوبة، ها هو الشرق كله حاضر هنا، والسماع شعلة روحانية خالصة، تنبثق من عتمة الليل.

الى أين ستذهبين بي أيتها الموجة؟

أسمع من بعيد ارتقاءً أليفاً بين الإنشاد والنغم، بين رقصة الدراويش وانخطافهم والحضور الرمزي، لكن الباهر للشاعر الصوفي الكبير جلال الدين الرومي.

أين أنت يا شمس تبريزي؟

صوت المنشد الشامي حمزة شكور يشبه نداء الخلاص، صوت قوي دافئ، بالغ الخصوبة والدرجات والنقاء كما لو كان مطعّماً بتراث الشرق العريق كله. سِعةٌ مثلى لتقديم اداء منضبط، في المد والوقف، في الارتفاع والانخفاض وما بينهما من درجات سلّم صامت.

عازف القانون الفرنسي والقادم من التراث الموسيقي الكلاسيكي الغربي، بدا مستوعباً لتراث هذه الآلة كأنما دفعة واحدة، ويقال إن له مقدرة «شيطانية» على متابعة أي نغمة شرقية وفي أي مقام كان، يعزف بسهولة مطلقة كما لو كان يقرأ عن ظهر قلب قصيدة لبودلير او مالارميه.

وكان نافخ الناي زياد قاضي أمين، يرتقي بآلته أيضاً الى حالات النشوة والشجن. وهكذا كان عادل شمس الدين المصري المقيم في فرنسا منذ أكثر من عشرين عاماً.

اني أنصت وأتذكر.

ها هي مسيرة الشرق الروحانية اذن، تأتي كل هذه النغمات كأنما من عصر بعيد بأداء كلاسكي رصين وارتجالية عفوية قريبة من حرية الروح.

هكذا كنا جميعاً نرتقي ملتقى الافلاك.

back to top