جمال الدين يوسف الاستادار

نشر في 26-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 26-09-2008 | 00:00
No Image Caption
الأمير جمال الدين يوسف الاستادار علامة لاتخطؤها عين في تاريخ دولة المماليك صحيح أنها علامة غير مضيئة، ولكن الرجل على أية حال كان معلماً بارزاً من معالم عصره .

قبله هو وسلفه «محمود بن علي» كانت وظيفة الاستادارية ذات طابع إداري نمطي يقوم شاغلها برعاية أمر البيوت السلطانية كلها من المطابخ إلى احتياجات الحاشية والغلمان وله أيضاً الحديث المطلق والتصرف التام في استدعاء ما يحتاجه كل بيت من بيوت السلطان من النفقات والكساوى وغيرها .

أما في عهد جمال الدين فإن الاستادارية صارت في معنى ما كان فيه الوزير في أيام الخلفاء وأصبح الاستادار من أهم شخصيات الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد، لا سيما وقد أضاف إلى صلاحيات وظيفته ما كان يقوم به الوزير وناظر الخاص من مهام.

وهكذا كان حال جمال الدين الاستادار مع السلطان الناصر فرج بن برقوق»كالوزير العظيم لعموم تصرفه ونفوذ أمره في سائر أحوال المملكة واستقر ذلك لمن ولي الاستادارية من بعده».

ولا يعني ذلك أن جمال الدين يوسف قد اكتسب موقعه المميز في التاريخ المملوكي لأنه أعطى الوظيفة الاستادارية أهميتها الخاصة ومكانتها المرموقة في دولة المماليك الجراكسة، ذلك أن هذا الاستادار نال مكانته تلك بفضل عدائه للأوقاف الإسلامية، سيما تلك التي أوقفها آخرون غيره على منشآت خيرية أو دينية أو حتى على ذرياتهم .

وحدث أن ولي القضاء في مصر «كمال الدين عمر بن العديم» قاضي حلب الحنفي، وأصبح هو قاضي قضاة الحنفية، فتحالف مع جمال الدين الاستادار الحلبي الأصل أيضاً، وشرعاً معاً في إتلاف الأوقاف.

فكان جمال الدين إذا أراد أخذ وقف من الأوقاف، أقام شاهدين يشهدان بأن هذا المكان «يضر بالجار والمار» وأن المقتضى فيه أن يستبدل به غيره، فيحكم له قاضي القضاة ابن العديم باستبدال ذلك، وبتلك الطريقة استولى الاستادارعلى العديد من القصور والدور والحمامات مقابل بعض الأراضي الزراعية بالجيزة.

ولم يكتف جمال الدين يوسف بالباب الذي فتحه ابن العديم على مصراعيه للاستيلاء على الأوقاف عن طريق الاستبدال، بل عمل على إجبار المستحقين على استبدال أوقافهم حتى يتسنى له الاستيلاء عليها، فمن رفض أن يبيع وقفه قام الاستادار بإرسال بعض الفعلة تحت جنح الظلام إلى مكان الوقف فيفسدون أساسه حتى يكاد يسقط جانب منه، وفي اليوم التالي يرسل الأمير من يحذر السكان، فإذا اشتهر ذلك بادر المستحق إلى الاستبدال ومن غفل أو تمنع سقط وقفه وانهار فينقص من قيمته ما كان يدفعه له لو كان قائماً على حالته.

فمن القصور العامرة التي استولى عليها يوسف الاستادار قصر بشتاك وهو لا يزال قائماً بشارع بين القصرين بالقاهرة. ومن الملفت للنظر أن بشتاك شيد قصره على أنقاض أحد عشر مسجداً وأربعة معابد هدمها وأدخل أرضها في قصره الذي كان من روائع قصور القاهرة، ويظهر أن بشتاك أحس بخطأ ما فعله فصار صدره ينقبض ولا تنبسط نفسه ما دام فيه حتى يخرج منه فترك المجئ إليه ثم كرهه وباعه لزوجة الأمير بكتمر الساقي فتداوله ورثتها إلى أن استقر بأيدي ورثة السلطان الناصر حسن بن محمد بن قلاوون.

وكما كان دأبه أقام جمال الدين الاستادار من شهد عند قاضيه ابن العديم «بان هذا القصر يضر بالجار والمار وأنه مستحق للإزالة والهدم» فحكم له باستبداله وصار من جملة أملاكه، واعتنى به ولم يهدمه رغم ادعائه بأنه يضر بالجار والمار .

واستولى الاستادار أيضاً على قصر الحجازية وهو الذي اعتنت بعمارته خوند تتر الحجازية ابنة الملك الناصر محمد بن قلاوون فجددت مبانيه الفاطمية القديمة (كان يعرف بقصر الزمرد) وعمرته عمارة ملوكية» وتأنقت فيه تأنقا زائدا وأجرت الماء إلى أعلاه وعملت تحت القصر اصطبلاً كبيراً لخيول خدامها وساحة كبيرة يشرف عليها من شبابيك حديد».

وقد حدثته نفسه بالاستيلاء عليه لما رآه قصرا عامراً تبلغ مساحته عشرة أفدنة ويسكنه الأمراء بالأجرة لكونه وقفاً على مدرسة تتر الحجازية المواجهة لقصرها، فأخذ يجلس أولاً برحبة هذا القصر والمقعد الذي كان بها نظرا لقربه من سكنه بجوار المدرسة السابقة، وفي خطوة تالية اتخذ الاستادار من قصر الحجازية «سجناً» يحبس فيه من يعاقبه من الوزراء والأعيان فصار» موحشاً يروع النفوس ذكره لما قتل فيه من الناس خنقاً وتحت العقوبة من بعد ما أقام دهراً وهو مغني صبابات وملعب أتراب وموطن أفراح ودار عز ومنزل لهو ومحل أماني النفوس ولذاتها».

وكانت الخطوة الأخيرة بعد تشعث زخارف القصر – السجن أن تقدم الاستادار إلى قاضي القضاة كمال الدين بن العديم طالباً استبداله فكان له ما أراد واستولى على القصر .

ويبقى بعد ذلك سؤال منطقي عما فعله جمال الدين يوسف الأستادار بكل هذه الدور والقصور والحمامات والقياسر والحق أن الإجابة لن تقل غرابة عن سيرة هذا الرجل مع الأوقاف .

فقد جمع الجمالي يوسف كل هذه الأوقاف التي حصل عليها بطريق الاستبدال بحكم أنها «تضر بالجار والمار» لا ليهدمها منعاً لضررها بل ليعيد وقفها على مدرسته التي أنشأها بحي الجمالية أيضاً !

وهكذا قدر لموظفي ومدرسي وطلبة ومتصوفة المدرسة الجمالية أن ينعموا بريع أوقاف المدرسة التي جاءت جميعها من حرام وبطرق غيرمشروعة، والتي استخدم ذات الأسلوب في بنائها .

back to top