سوسيولوجيا الغزل العذري للطاهر لبيب... في ظلال الاستشراق!

نشر في 14-01-2009 | 00:00
آخر تحديث 14-01-2009 | 00:00

في القرن السابع الميلادي حدث أمر عجيب، إذ شرع لفيف من الشعراء العرب في التغني بالحب خارج قواعده المقررة آنذاك، فانشدوا لما اتفق على تسميته بـ{الحب العذري» أو ما ندعوه على عكس ذلك بالحب المغامر والجنسي.

لطالما اعتقدنا أن العشّاق العذريين أنقياء كالملائكة، معصومون كالقديسين. لكن هل هم كذلك فعلاً؟

استحوذ الحب العذري في الثقافة على اهتمام الباحثين في العالم، سواء من خلال ترويج هذه الظاهرة الغريبة أو نقدها، فالباحث السوري صادق جلال العظم كتب «الحب والحب العذري» ووصل الى نتيجتين: الأولى مفادها أن معظم الشعراء الذي وصُف بالعذري لم يكن عذرياً فعلاً، بل له الكثير والكثير من أشعار ماجنة يصف فيها أدق تفاصيل جسد المحبوبة. والثانية هي أن العشاق العذريين هم أشخاص مازشيون(خياليون يستهويهم جلد ذاتهم ويحبون حالة الألم).

يمزّق العظم القناع عن وجوه العشاق العذريين، ويكشف بالمنطق والفكر الفلسفي العميق، أنهم كانوا في حقيقتهم نرجسيين وشهوانيين... أما الباحث وضاح شرارة فيشرح في كتاب «أخبار الخبر» الحب العذري من خلال الروايات التي وردت عن مجنون ليلى في كتاب «الأغاني» للأصفهاني. وتقوم كتب كثيرة على تأويل الحب العذري والحب في التراث العربي، من بينها: «معجم الأشواق» للشاعر بسام حجار الذي يظنه القارئ كتاباً تراثياً لولا بعض الجمل، و{الحب والفناء» للمفكر علي حرب. لكن يبدو أن كتاب «سوسيولوجيا الغزل العربي: الشعر العذري نموذجاً» للباحث التونسي الطاهر لبيب يستهوي دور النشر أكثر من غيره، هذا البحث المرجعي الصادر بالفرنسية قبل أكثر من 30 عاماً، والذي يتولّى لبيب تعريبه بنفسه، وسيصدر مجدداً عن «المنظمة العربية للترجمة» في بيروت قريباً، بعد أن صدرت منه طبعات في القاهرة وبيروت والرباط.

يقول المستعرب الفرنسي أندريه ميكيل عن الكتاب: «لا يمكن أن نقرأ الشعر العربي العذري بعده كما كنّا نقرأه قبله»، لا ندري مدى حقيقة هذا القول، فهو يبقى شهادة لكاتب لا يأخذ في الاعتبار أن القراءة مزاج.

فرض الطاهر لبيب اسمه منذ مطلع السبعينات بسلاسة وقوة على المشهد الثقافي العربي وعلى الدوائر الأكاديمية، و{سوسيولوجيا الغزل العربي» كان بمثابة الاكتشاف في منهجيته ونتائجه. استعان لبيب في كتابه هذا بمنهجية لوسيان غولدمان في مجال البنيوية التكوينية، وتمكّن من خلال تطبيقها على تجربة عربية من تقديم بحث شديد التكثيف والتأثير في مجال علم اجتماع الأدب، ما دفع أندريه ميكيل إلى الإشادة باللبيب والاعتراف بالأثر الكبير لكتابه الذي صدر بالفرنسية ثم تُرجم إلى العربية، وصار خلال بضع سنوات كتاباً أساسياً مشتركاً بين المهتمين بالأدب وعلم الاجتماع.

ثقافة عميقة

تميّز «سوسيولوجيا الغزل العذري» عن غيره من الكتب لأنه غادر وظيفة الحب العذري الضيّقة، ووظّف ثقافة عميقة ذات بعد اجتماعي ـ سياسي. العذرية بهذا المعنى، تشمل كتابة التاريخ والفلسفة، ومعظم المنظومات المفاهيمية. والحب العذري بحسب لبيب كرؤية وكعبارة، لا يعبّر عن امتثالية دينية أو أخلاقية، كما يتردد منذ القديم، بل على العكس من ذلك، عن توق الى تجاوز الأوضاع التي عززتها مراحل الإسلام الأولى والتي أدت الى تهميش بعض الفئات أو القوى الاجتماعية. الشــعر العذري يعبّر إذاً، عن وعي بالهامش الاجتماعي والسياســي والديني، وحتى الجمالي.

يؤخذ على لبيب في كتابه اعتماده على أقوال المستشرقين المناوئين للإسلام مثل بوسكيه في كتابه «الأخلاق الجنسية في الإسلام» وسنوك هور غرونجه الذي كان يرى أن ليس من قانون في الإسلام، أو تور أندريه الذي كان يعتبر أن ليس من عبادة في الإسلام. فباعتماده على هؤلاء، وقع في مغالطات تاريخية، من بينها أنه اعتبر أن قصة النبي يوسف الحقيقية التاريخية أسطورة.

يرصد الناقد محمد عزام ما يعدّه مواطن الضعف والخطأ في كتاب لبيب، قائلاً: «قول لبيب بإنتاج الحرمان الاقتصادي للحرمان الجنسي، يرفضه علماء التحليل النفسي».

ويعتبر عزام تفسير لبيب للعذرية بالشروط الاجتماعية الاقتصادية إنكاراً لأثر التعاليم الإسلامية في العذريين، موضحاً أن لبيب أغفل المصادر العربية القديمة والحديثة التي جمعت أخبار العذريين وأشعارهم، والتي عالجت ظاهرة الشعر العذري، واكتفى بالمصادر الفرنسية، فكان في بحثه نقص كبير».

سيرة ومؤلّفات

الطاهر لبيب مدير عام «المنظمة العربية للترجمة» في بيروت، التي تعمل على ترجمة عشرات الكتب المرجعية من لغاتها إلى العربية. كذلك يرأس إدارة «الجمعية العربية لعلم الاجتماع»، التي تعنى بعلم الاجتماع الثقافي. صدرت له مؤلفات عدة بالعربية والفرنسية منها «سوسيولوجيا الغزل العربي: الشعر العذري نموذجاً» الذي وضعه أساساً بالفرنسية وصدرت ترجمته العربية عام 1988 عن «دار الطليعة» لتجد صدى واسعاً بين القرّاء. وكتابه «سوسيولوجيا الثقافة» الذي وضعه بالعربية وتُرجم إلى الفرنسية، وكذلك له مؤلف بالفرنسية بعنوان «غرامشي في العالم العربي». وقد أشرف على تحرير كتاب «صورة الآخر العربي ناظراً ومنظوراً إليه» الصادر عن «مركز دراسات الوحدة العربية»، وكتاب بالفرنسية عن المفكر الإيطالي غرامشي بعنوان «غرامشي في العالم العربي، ونشر مقالات وأبحاثاً عدة في مجلات علمية مختلفة.

back to top