ديوانيات الاثنين: الحدث ليس بعيداً ولا يمكن نسيانه (15)

ولي العهد بادئاً الحوار: مَن وراء تجمعات الاثنين يهدف إلى غايات تتجاوز عودة الحياة النيابية

نشر في 22-02-2009
آخر تحديث 22-02-2009 | 00:00


منذ تسعة عشر عاماً وتحديداً في الرابع من ديسمبر 1989، حين كانت الكويت تعيش زمنا مأزوماً بلا دستور، بدأت «الحركة الدستورية»، وهي تحالف شعبي موسع قاده 30 نائباً في مجلس الأمة الذي حُلَّ عام 1986، وفعاليات مبدعة من مختلف قطاعات الشعب الكويتي، المطالبةَ بإعادة العمل بالدستور الذي تم الانقلاب عليه وتعليق بعض مواده وفرض الرقابة المسبقة على الصحافة وقمع حرية التعبير في الثالث من يوليو 1986.

وبما أننا نعيش هذه الأيام في أجواء تأزيمية وحالة احتقان سياسي ملحوظ، وتتردد أقاويل هنا وهناك عن أن النية قد تتجه إلى انقلاب ثالث على الدستور، فإنه من الضرورة بمكان التذكير بما جرى في البلاد آنذاك عسى أن تنفع الذكرى.

على مدى هذه الحلقات تروي «الجريدة» قصة التحرك الشعبي بين عامي 1986 و1990.

كان خطاب صاحب السمو الشيخ جابر الاحمد في 20 يناير 1990، الذي دعا فيه الى الحوار بداية لمرحلة تهدئة، بداية لمرحلة جديدة في مسيرة «الحركة الدستورية»، إذ أعلن تكتل النواب استجابته لتلك الدعوة، وقرر تعليق تجمعات الاثنين، والتزم ذلك القرار رغم رفض الحكومة عبر رقابة وزارة الاعلام المزورعة في الصحف اليومية ورغم استخدامها للعنف البالغ واعتدائها على المشاركين في ديوانية عباس مناور في الفروانية في 22 يناير 1990، وهو الخبر الذي لم تشر إليه الصحف المحلية باستثناء صحيفة الأنباء المؤيدة لإجراءات السلطة، والتي وصفت تجمع الفروانية بأنه «عمل أخرق لا يقدم عليه محب لهذا الوطن ولا مخلص له (...) وأنه خرق صريح للقانون وانفعال أحمق ليس له ما يبرره، وأنه ينبع من عقلية التحدي»، مما يوحي بوجهة نظر السلطة تجاه ذلك التجمع.

منحى تصعيدي

انطلق الحوار في أواخر يناير، بعد تجمع الفروانية مباشرة، إذ بدأ ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله بتنظيم لقاءات مع قطاعات واسعة من المجتمع، فالتقى في اليوم التالي لتجمع الفروانية مع 37 شخصية من أعضاء سابقين وفعاليات اقتصادية للاستماع لآرائهم في موضوع الديموقراطية وإعادة الحياة النيابية، لكن ما بدا لافتاً هو أن اللقاءات كانت تتم مع بعض المقربين من السلطة، ولم تضم أياً من قادة التحرك الدستوري الداعين إلى عودة العمل بدستور 1962، والذين تم تحديد موعد معهم للقاء يوم الأربعاء 7 فبراير 1990.

وفي يوم الاثنين 29 يناير، بعد أسبوع من تجمع الفروانية، عقد ولي العهد لقاءً مع رؤساء تحرير الصحف المحلية تطرق من خلاله إلى تجمعات الاثنين، واصفاً إياها بأنها «بدأت أخيراً تأخذ منحى تصعيدياً يتسم بالتحدي والاستفزاز والتحريض»، مبيناً أنه قد «اتضح أن البعض يهدف إلى غايات تتجاوز في حقيقتها موضوع الحياة النيابية وتعرض للخطر أمن البلاد واستقرارها وتماسك مجتمعنا ووحدتنا الوطنية»، مشدداً على أن الحكومة لن تتساهل تجاه المس بأمن البلاد واستقرارها في أي حال من الأحوال، مجدداً جدية الدعوة إلى الحوار لحل جميع المشاكل والقضايا.

الوفد الإسلامي

وفي اليوم التالي للقائه رؤساءَ التحرير، التقى ولي العهد ما اصطلح على تسميته بعد ذلك بـ«الوفد الإسلامي» في يوم الثلاثاء 30 يناير بقصر الشعب، الذي ضم ممثلين عن جمعيات النفع العام الإسلامية، وهم: يوسف الحجي عن جمعية عبدالله النوري الخيرية، وأحمد الجاسر وأحمد بزيع الياسين عن جمعية النجاة الخيرية، وعبدالله العتيقي عن جمعية الإصلاح الاجتماعي، وخالد السلطان وراشد المسبحي عن جمعية إحياء التراث الإسلامي، وعمر الغرير عن جمعية المعلمين الكويتية، إضافة إلى مجموعة من الشخصيات الإسلامية العامة، وهم: حمد المشاري وعبدالعزيز عبدالرزاق المطوع وحمد يوسف الرومي وعبدالوهاب الفارس وعبدالله أحمد الشرهان. كما التقى ولي العهد وفدا من منطقة الصليبيخات برئاسة النائب السابق خلف دميثير ضم 80 مواطناً يمثلون المنطقة المعروفة بتأييدها لوجهة نظر الحكومة.

وحرص الوفد الإسلامي بعد لقائه ولي العهد على إصدار بيان يوضح فيه ما دار في اللقاء الذي أتى امتداداً لحوار بدأه الوفد بلقاء مع سمو الأمير في الأسبوع السابق، وأشار البيان إلى أنه كان قد «نما إلى علم الوفد أنه من المحتمل أن يكون معه في نفس اللقاء وفد الصليبيخات الحكومي برئاسة خلف دميثير، فاتصلوا بقصر الشعب يستفسرون عن ذلك حيث تم التأكيد لهم أن اللقاء مخصص لهم فقط». وطرح الوفد في لقائه ثلاثة أمور رئيسية، وهي: ضرورة دعوة أفراد التكتل النيابي للحوار ومحاولة الوصول معهم إلى نتيجة وقرار واضح كطرف شعبي يحظى بتأييد الجماهير الكويتية، بالإضافة إلى السعي الحثيث لعودة الحياة النيابية في أسرع وقت وفق الإجراءات التي ينص عليها دستور 1962، كما شدد على ضرورة عدم المساس بقانون الانتخابات الذي قد يؤثر في مسيرة الحياة النيابية وتحقيق مبدأ المشاركة الشعبية.

وأشار بيان الوفد إلى أن الاجتماع شهد إثارة احتمال تعديل الدستور، فطلب الوفد -بحسب البيان- أن يكون ذلك ضمن المجلس القادم بطريقة دستورية ووفق الإجراءات الدستورية، كما أكد أحمد الجاسر خلال اللقاء أن الأولوية في تعديل الدستور هي لتعديل المادة الثانية لتكون الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع «وذلك إن كان هناك تفكير في تعديل مادة من مواد الدستور».

7 فبراير

كان واضحا ان الهدف من فتح باب الحوار على مصراعيه هو اظهار الحوار وكأنه لا يقتصر فقط على الحوار مع تكتل النواب، وذلك في محاولة لتهميش دورهم كممثلين للرأي العام الشعبي. فجاء الموعد المحدد يوم الأربعاء 7 فبراير الساعة الواحدة ظهراً بقصر الشعب. وسعى النواب قبل لقاءهم وليَّ العهد إلى تنسيق الأدوار فيما بينهم، فاجتمعوا في التاسعة من صباح ذلك اليوم، واتفقوا على ثلاثة ثوابت محددة لطرحها على ولي العهد، وهي: عودة العمل بدستور 1962، وعودة الحياة النيابية كما نص عليها الدستور، إضافة إلى عدم المساس بقانون الانتخابات حتى لا يتم التلاعب بنتائجها لمصلحة السلطة، كما تم الاتفاق على أن يكون رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون هو المتحدث باسم النواب خلال اللقاء. ومن مكان اجتماعهم، انطلق النواب بسياراتهم إلى قصر الشعب لبدء أول لقاء بين السلطة والنواب منذ ثلاث سنوات.

نساء الكويت لولي العهد: نأمل أن يفضي لقاؤكم بالنواب إلى تحقيق تطلعات شعبنا للديموقراطية

كان الدور النسائي خلال الحركة الشعبية، وكما أشرنا خلال حلقاتنا، دوراً فاعلاً، وإن كان محدوداً بحكم عدم حصول المرأة الكويتية على حقوقها السياسية في ذلك الوقت، إلا أن النساء كنَّ قد حرصن على إبراز دورهن في تلك التحركات الشعبية. ومن تلك الأمثلة البرقية التي أرسلتها مجموعة من نساء الكويت إلى ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء قبل لقائه مع النواب، وهذا نصها:

سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الموقَّر

قصر بيان - محافظة حولي

تحية طيبة،،،

لقد عبر الشعب الكويتي عبر الأحداث التي شهدتها بلادنا في الفترة الماضية أن كل هذه التظاهرات وكل تلك الحشود لم تخرج عفوياً، وإنما خرجت لسبب عميق هو إيمانها بالديموقراطية البرلمانية وتمسكها بدستور البلاد لعام 62 والذي يمثل الحد الأدنى من تطلعات شعبنا. ونحن إذ نثمن لقاءكم بنواب الشعب لمجلس 85 بحكم كوننا جزءا من هذا الشعب الكريم المتطلع إلى الحرية والديموقراطية، نأمل أن يفضي هذا اللقاء إلى تلبية تطلعات وآمال شعبنا في صيانة دستور 62 وإعادة الحياة البرلمانية وإطلاق الحريات العامة.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.

مجموعة من نساء الكويت

ضوء : معارضة ثقافية

في فبراير من عام 1988، خطّ الكاتب ورئيس رابطة الأدباء الحالي حمد عبدالمحسن الحمد قصة قصيرة بعنوان «الطائر الجميل» أتت ضمن مجموعة قصصية حملت عنوان «مناخ الأيام»، ليطلق بذلك أحد أوجه «المعارضة الثقافية» إن صح التعبير.القصة التي لامست موضوع حل مجلس الأمة عام 1985 بأسلوب رمزي لتتحاشى رقيب وزارة الإعلام، تحكي قصة طائر جميل أتى به أب إلى بيته، وقال إنه ببغاء، ففرح به الابن «أحمد» كثيراً، ونأخذ من القصة الفقرة التالية لضيق المساحة:

«في مرات كثيرة أعرج على سوق الحمام لأشتري بعضاً من الحبوب... وما إن أصل إلى المنزل حتى أسمعه... وهو يستقبلني بفرح وسعادة... وأفتح كيس الحبوب بهدوء وأضع بعضاً منها في قفصه المطلي بالذهب. ولا أعرف لماذا تلون هذه الأقفاص رغم أنها مقيدة للحرية. ودائما ما أتخيل... لو تطلى السجون باللون الذهبي هل يعشقها السجناء... لا أعتقد لأنها قد تتيح استنشاق الهواء... ولكنها مقيدة للحركة والانطلاق وتقود دائماً للموت البطيء.

(...)

والببغاء كان يتحدث بطلاقة... ولكن للأسف حدث انقلاب في حياته... ولم يعد جميلاً كما كان من قبل... أراه قد تبلد تفكيره يقف بين قضبان القفص ساكناً لا حراك فيه... ينظر إلى الأمام دائماً فاقداً تلك الحيوية والانطلاق الذي عهدناه به.

(...)

وتمكنت من الولوج في ذلك الغموض الذي يعتري هذا الطائر... عندما سألت والدتي عن ذلك التغير الذي طرأ على هذا الكائن الجميل. أجابت بتحفظ وكأنها تعلن سراً عظيماً... يا بني إن والدك قد منعه من الحديث أو إبداء الرأي لأنه أصبح يتدخل في شؤون لا تعنيه».

ويقول حمد الحمد في رسالة لـ«الجريدة»، إن شخصاً اتصل به آنذاك يتحدث بلهجة عربية، وادعى أنه من مجلس الوزراء، وأنه أعجب بقصة «الطائر الجميل» ويود نشرها بمجلة تصدر عن المجلس، وقد استغربت أنها اختار تلك القصة بالذات، ولم يحدثني بعد ذلك!

من أشعار ديوانيات الاثنين

كل الشعب يقول يعيد

والحكي الزايد ترديد

هَمْ الشعب بروحة بإيد

وبالإيد اليسرى الدستور

حكومتنا حاور زاور

إشبع ذل وتالي حاور

في مكانك راوح داور

حكومتنا ليش تدور؟!

العالم داير ما داير

يفتح للنور الستاير

إشمعنا بلدنا صاير

من دود الظلمة منخور

الحرية ماهي مِنَّة

يعطيها وياخذها منا

يوعدنا بِندِش الجنة

والجنة عنده تنّور

يوعدنا في طيبة خاطر

ويامرنا ونقول له حاضر

لكن بعض الناس اتّاجر

في عز الوطن المغدور

ياويلي من جنة نارك

عقرب تلدغني في دارك

بالشورى ودِّك نتشارك؟

هذا كلامٍ مخطور

يعني اشلون نقول ما لازم؟!

وبسلب الحرية جازم

كانِك يا عشيري عازم

إسمع مني بعطيك شور

لا تكيل إلا في ميزانك

ولا تسمع هرجة جيرانك

اللي ما ضاقوا لاحزانك

واللي مثل الوقت يدور

ورِدْ أمواج لك منطلقة

من غرب الدار ومن شرقه

حسَّت من هالليل بحرقة

حست من هالضيم بْجور

عبدالله السالم في قبره

مكسور ويا مصعب جبره

جرحه قامِت ناس بنَبْرة

محَّت تاريخه بسطور

عبدالله السالم لبّينا

نداك، ومهما ضحينا

ما يهدم شي بنينا

لو صار الدم منا بحور

ديمقراطية ونرددها

نوقف معها نساندها

رغبة شعب اللي يعاندها

من شعبه ما هو معذور

ثورة شعبية سلمية

راح تنجخ ميّة بالميّة

رغماً عن كل الحرامية

اللي باقوا منا النور

«بدوي ديموقراطي»

(يتبع)

شاهد ملفات فيديو توثيق حلقات ديوانيات الاثنين على يوتيوب

خلف دميثير يرأس وفداً من 80 مواطناً يمثلون منطقة الصليبيخات للقاء ولي العهد في إطار الحوار

السلطة حرصت على فتح باب الحوار على مصراعيه لتبيِّن أنه لا يقتصر على تكتل النواب

«الوفد الإسلامي» يلتقي وليَّ العهد ويعلن تمسكه بالدستور مشدداً على أنه إنْ كان ثمة تعديل فالأولوية للمادة الثانية منه
back to top