المفكّر الإسلامي جمال البنا: العولمة هي حضارة الاستمتاع!

نشر في 17-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 17-09-2008 | 00:00
الإسلام الحقيقي إسلام القرآن والسنة هو العدو الأوحد للعولمة. هكذا بدأ المفكر الإسلامي جمال البنا حواره مع «الجريدة»، مشيراً إلى أن واقع المسلمين اليوم سيئ جداً ولا يستطيعون مواجهة طوفان العولمة، مؤكداً على أن الأمركة والعولمة وجهان لعملة واحدة وصناعة أميركية لرعاية مصالحها، واصفاً العولمة بأنها التطور الطبيعي للرأسمالية والتي لم تعد تقنع باستعمار منطقة وتطمع في الوصول إلى العالم كله.

حول صراع الحضارات، مخاطر العولمة وإيجابياتها، كيفية التعامل معها، تصوّره المستقبلي لحال العالم العربي والإسلامي، تحدث إلينا البنا في الحوار التالي.

كيف ترى واقع المسلمين اليوم؟ وهل هم قادرون على مواجهة طوفان العولمة؟

الوضع سيئ جداً، والمسلمون عاجزون تماماً عن مجابهة العولمة. السبب أن العولمة في أبرز خصائصها هي القوة، وقوة العصر في السلاح والعلم والثقافة، والعالم العربي والإسلامي مجرد تماماً من تلك العناصر، ليس لديه قوة سلام ولا قوة ثقافية، لا معرفة ولا بحث علمي، فكيف تقوى الأمة على صد هذا الطوفان الذي يشبه طوفان نوح، والذي لا يقف أمامه شيء اللهم إلا قوة مماثلة نتحدث عنها، لكننا نؤكد ونعي أننا لا نملكها إطلاقًا.

طالت يد العولمة كل المجالات، هل تجد الحالة الدينية للمسلمين أرضاً خصبة لذلك؟ وما هو الموقف الصحيح الذي يجب أن يُتّبع معها؟

الإسلام إذا فُهم على حقيقته، هو الحاجز الوحيد الذي يمكن أن يحول دون تذويب المقومات العربية والإسلامية في بوتقة العولمة، كانت اللغة مثلاً حاجزاً أمام العولمة يعوق دون توغلها داخل الدول العربية والإسلامية، ولأنها تعي قيمة الوقت لم تقف منتظرة نشر اللغة فحسب، وإنما استطاعت أن تتغلب على تلك العقبة بإحلالها الصورة محل الكلمة في التلفزيون، فهي لغة عالمية وتأثيرها أعمق من تأثير الكلمة، وأصبحت اللغة الإنكليزية هي لغة العولمة.

هل من بديل للعولمة يستطيع الإسلام تقديمه كمشروع حضاري ونظام عالمي؟

الإسلام لديه البديل، ويسمى بالعالمية وليس العولمة، كونه ديناً عالمياً وهو المقابل للعولمة الأميركية، تريد العولمة أن تجعل من كل الدول أسواقاً وليس دولاً، ومن الشعوب والمواطنين مستهلكين، وتريد إزالة الحدود بين الدول، أما العالمية الخاصة بالإسلام فهي عالمية القيم والأخوة الإنسانية.

تقوم العولمة على القوة العسكرية والتقدم الاقتصادي الكاسح الذي لا تقف أمامه أي صناعة قومية عربية، بالطبع يكون الفائز الوحيد فيها الدول القوية، إنها صورة من صور الرأسمالية ومرحلة من مراحلها، سابقًا كانوا يقولون إن الاستعمار هو أعلى مراحل الرأسمالية، لكننا الآن تقدمنا ولم تعد الرأسمالية تقنع باستعمار مناطق بل تريد استعمار العالم بأسره.

ما أسباب قبول المسلمين بالعولمة؟ وما هو مفهومها من وجهة نظرك وصورها في العالم الإسلامي؟

اقتحمت العولمة دولنا الإسلامية في شكل سلع، واستطاعت، من خلال اتفاقيات التجارة (الغات)، أن تجعل الدول عاجزة أمامها، فلا ترفض أي دولة دخول واردات إليها من خلال تلك الاتفاقيات التي جردت الدول من سيادتها في ما يخص دخول السلع وخروج الأموال والاقتصاد إلخ... بالإضافة إلى الناحية العسكرية. بالطبع نحن مجردون أمامها تماماً، فأين نحن منها، والأهم أنها حضارة الأكل والشرب والإستمتاع والفردية، وهي مضادة للإسلام ومخالفة للحضارة الحقيقية.

هل تعدّ السيطرة الأميركية نوعاً من أنواع العولمة؟

طبعاً. هي التي أوجدت العولمة ورافقتها في الأساس، ترعى العولمة المصالح الأميركية في كل بلاد العالم خصوصاً أن النظام الأميركي قائم على الرأسمالية والعلاقة الوطيدة بين العولمة والرأسمالية.

ما يحدث الآن، هل هو صراع حضارات أم حوار حضارات؟

تقوم الروح الغربية الأوروبية أو الأميركية دائماً على القوة والصراع، بعيداً عن الأخوة أو التعاون، عندما نظرت إلى قضية تلاقي الحضارات ألبستها مصطلح صراع الحضارات، لكن يمكن أن يأخذ شكل الصراع في مراحله الأولى لكنه لا يستمر خصوصاً في الإسلام، بل يمر بمراحل تسالب ثم تلاقح، حتى أن الشعب المغلوب على أمره يزود الشعب الغالب بثقافة وحضارة وقيم ويعيش في سلام، هذا ما حدث في التجربة التي لن تتكرر في الفتح الإسلامي الذي أبقى على كل الأقليات غير المسلمة وتقبل الكثير من عاداتها وتقاليدها، حتى في الدين نفسه أدخل الكثير من الأمور، ترجم اليونانية، ولم يرفض أثر أرسطو في فقه الإسلام.

ما هو دور المفكرين في مواجهة العولمة؟

درس معظم المفكرين لدينا في أوروبا وأميركا وتأثروا بثقافة تلك البلاد، وبالتالي ابتعدوا عن جذور الضمير والحضارة في المجتمعات العربية والإسلامية، وحدث كما يقال «من جهل شيء عاداه»، فهم لا يشعرون نحو الإسلام بود أو تقدير أو حب. لم يدخل المثقفون لدينا في المعركة الدينية ولم يسهموا في عملية التجديد الإسلامي مع أن ذلك هو دورهم، وبذلك تركوا هذا الأمر للشيوخ وهؤلاء هم أبعد الناس عن التجديد، ولولا الأجر الذي يتقاضونه للحديث عن الإسلام والدفاع عنه لما دافعوا، وكل الشيوخ كذلك إلا من رحم ربي.

هل تهدّد العولمة الأمن الثقافي الإسلامي؟

الخطر الأكيد هو في الالتزام بفقه الأسلاف. علينا الالتزام بفقه القرآن، فهو وثيقة تفسير من دون المفسرين وعلينا أن نضرب بكلام المفسرين عرض الحائط، فهو ليس قرآناً، بداية من الطبري مروراً بسيد قطب حتى الشيخ الشعراوي.

هل ترى استمرار هيمنة القطب الأوحد طويلاً؟

لا ليس طويلاً. علينا أن ننظر إلى التاريخ ونستفيد منه. ذات يوم، كانت الحضارة الفرعونية سائدة ولكن الآن لم تعد موجودة، وكذلك الحضارة الرومانية التي لم يكن يتصور أحد زوالها أبداً، وعندما بزغت الحضارة الأوروبية لم يستطع أحد الوقوف أمام الأسطول البريطاني الذي كان يجوب العالم كله ويدك كل الموانئ، زالت كل تلك الهيمنات وستلحقها أميركا، وستشرق شمس الصين واليابان والمجموعة الأسيوية وسيكون للدول الإسلامية الفرصة نفسها.

كيف يمكننا إيجاد حوار بين الثقافات والشعوب في ظل عصر العولمة؟

بالترجمات وتعلّم اللغات وتعليمهم لغتنا، خصوصاً أن هناك فارقاً جوهرياً بين الشعوب والقيادات في المجتمع الأوروبي، فالقيادات هم رجال المال والعلم، والشعوب هم الجيش الجرار، وهؤلاء يؤدون عملهم بإخلاص ولو أدركوا الإسلام على حقيقته لكان هو دين أوروبا الأول وكذلك أميركا، لأنه دين الفطرة وليس فيه لاهوت ولا تعقيد.

ثمة ادعاءات بأن هناك تناقضاً بين العروبة والإسلام، فكيف يمكن الرد على ذلك ومن يرد؟

كل من يفهم الحقيقة عليه بالرد، وليس هناك تناقض بل تداخل دوائر، فالعروبة دائرة والإسلام دائرة أوسع منها يتقابلان في العقيدة ويختلفان في الجنس، ويكون الرد على تلك الإدعاءات بأنها خاطئة، والدليل أننا لو جردنا القومية من الدين ستكون كالصدفة الفارغة، فلؤلؤة القومية العربية هي الإسلام ومن دونه يكون كلاماً قديماً يعود إلى القرن التاسع عشر.

هل ترى أن الإعلام هو أحد الأسلحة المستخدمة في فرض الهيمنة الغربية وتشويه صورة الإسلام؟

للأسف الإعلام هو في أيدي الحكومات أو أصحاب المصالح, لذا يستخدم في نشر العولمة، لأن هيمنة الإعلام العولمي مرتبطة بهيمنة العولمة على الحكومات والمصالح ومن ثم الإعلام.

أعطى الصراع بين المفكرين والمشايخ الفرصة لتوغّل فكر العولمة بسبب ضعف القيم الإسلامية في المجتمع المسلم، ما رأيك؟

ثورتنا كمفكرين على المشايخ، لأنهم لا يمثلون الإسلام الحقيقي, إسلام القرآن والرسول (صلى الله عليه وسلم)، بل يمثلون إسلام السلف من الحفاظ على القديم والتقليد، وشيخ الأزهر نفسه مقلد وليس مجتهداً فكيف نتبعه وهو يريد وغيره من المشايخ أن يصرعونا كمفكرين، وإذا كان هناك سبب في ضعف المجتمع الإسلامي فمردّه إلى العيش في الماضي.

ما رأيك في ما يروج له البعض والمسمى بـ»نموذج الإسلام الأميركي»؟ وكيف يمكن مواجهته؟

ليس هناك إسلام أميركي، فالإسلام قلب وقالب، القلب حضارة وقيم وهي أساس الإسلام والقالب يتغير، فيرتدي ما يريد ويناسب الزمان والمكان، لا يهم، نحن نفهم الإسلام من خلال القوالب ونهتم بالشكل الخارجي، فتجد من يقول قبل أن نتحدث عن الدين أطلق لحيتك، ولا نجد شيخاً إلا ومطلق اللحية ويمسك بالمسبحة في يده وإلا لا يكون شيخاً، لقد جمعنا بين الإسلام والشكلانية، أما القيم فلا أحد يسأل عنها. في المقابل، أرى أن النموذج الإسلامي الأميركي مختلف عما نقوم به، لا يتعامل المسلم الأميركي مع الإسلام مثلنا، لا ترتدي المرأة الأميركية المسلمة مثل المسلمة العربية ولا يعد ذلك نقصاً في إسلامها إلا إذا كانت كاذبة أو مخادعة أو لا تؤمن بالقيم ووجود عالم آخر والله سبحانه وتعالى. هذا لا يعتبر نموذجاً سيئاً، لكنه فهم صحيح لجوهر الإسلام وبعد عن الشكليات.

بم تفسّر التنظيرات الأميركية التي تأتينا بزعم حل مشاكل الأمة الإسلامية في كل المجالات؟

لا أصدقاء دائمين للدول ولا أعداء دائمين ولكن لها مصالح دائمة، وما يأتي من أميركا بزعم حل المشاكل هو في باطنه تحقيق لمصالح دائمة ولا تعنيها مشاكلنا, والتفسير الوحيد لها هو تحقيق الهيمنة التي تتطلع إليها على مستوى العالم كله.

هل ترى أن ثمة حواراً حقيقياً بين الأديان؟ وما هي العناصر التي يحتاج إليها ليتم على أكمل وجه؟

بدايةً، يجب أن ترفع المؤسسات الدينية يدها عن حوار الأديان فلا تتولاه, لأن ذلك مفارقة تفسد الحوار ولا تأتي بثمار، على أن يقوم بالأمر أحرار الفكر الديني، وليس لدينا في مصر أكثر من 2 أو 3 أذكر منهم د. محمد سليم العوا وهو أفضل الموجودين وينظم المؤتمرات في هذا السياق, ولكنه جزء من الآخرين الذين يمثلون في الغالب فكر المؤسسة الدينية، فما يحدث ليس حوار أديان حقيقياً.

ما هو شكل الحوار الذي ترى أن يتبناه المفكرون؟

إذا أردنا خلق وحدة بين الدول العربية مثلاً نبدأ بالاقتصاد ونزيل الحواجز، تبدأ الوحدة بداية منطقية تكون هي نهاية مرحلة طويلة من التقارب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأديان، يجب أن يؤمن المفكرون بالقيم ويجتمعوا لحوار الأديان، على ألا يكون حول العقائد أبداً، تدعو كل الأديان إلى القيم وعلينا أن نتحاور حولها، لكننا نخسر عندما نتحاور حول الثوابت فتحدث خلافات ومشادات ونخرج من دون نتيجة.

لكن حوار الأديان القائم يتم بالفعل حول القيم وليس العقائد؟

لا أبداً، الذين يمثلون الإسلام في تلك الحوارات هم المؤسسات الدينية التي لا تعرف شيئاً عن القيم ولا تعبأ بها، وكل ما يعنيها هو العقيدة ولا تتحدث إلا عنها.

ماذا عن قراءاتك المستقبلية لحال العالم العربي والإسلامي في ضوء الأوضاع الراهنة؟

الأوضاع العربية على كف عفريت، نعيش مرحلة انتقال، مخاضات دائمة، حمل كاذب وحمل صادق، انقلابات، أوضاع غير سليمة وغير طبيعية، مقارنة بالوضع الأوروبي، ففي بريطانيا مثلاً لا تتصور حدوث انقلاب عسكري، بل مجتمع ثابت وأوضاعه مستقرة وقوية.

مرت مصر مثلاً بمرحلة ليبرالية من عام 1923 إلى 1952، صحيح أنها شهدت إصلاحاً بطيئاً لكن كان هناك أمل, عندما جاء الرئيس جمال عبدالناصر وبدأ حكم العسكر أنهى المرحلة الليبرالية، ولم يستطع إيجاد مرحلة جديدة، فبدأت مرحلة تحلّل القيم والجماعات والهيئات، وسارت تلك التراجيديا في دول العالم العربي كافة، ومن ثم لا يمكن أن نتوقع شكلاً مستقبلياً للأوضاع.

back to top