أين الروس؟

نشر في 25-02-2009
آخر تحديث 25-02-2009 | 00:00
 د. مأمون فندي كلما كانت أميركا أو إسرائيل تتماديان في ظلمهما في المنطقة العربية، كانت تطل من شاشات العرب وجوه تبشر بالدور الروسي الذي سيلجم الأميركيين ويعرفهم حدودهم، مجموعات تبنتها الفضائيات التي تدّعي المعرفة بتوازن القوى في العلاقات الدولية، وأن الروس قادرون على تمييل ميزان العدالة الدولية وترجيح كفته لمصلحة العرب.

سؤالي لهؤلاء المراهنين من فرق التضليل الفضائية هو: أين كان الروس في حرب غزة؟ هل سمع أحدكم ولو كلمة واحدة خرجت من روسيا في حرب غزة؟ روسيا ربما هي الدولة الوحيدة في العالم التي لم يكن لها موقف من عدوان إسرائيل على غزة، روسيا أيضا من الدول المهمة القليلة التي لم تسيّر فيها مظاهرة واحدة تندد بالعدوان الإسرائيلي، كان كل همها أيام الحرب مع غزة هو قضية الغاز مع أوكرانيا. العرب الذين كانوا يعولون على الدور الروسي قد أصابتهم صدمة كبيرة من غياب هذا الدور في غزة، ذلك لأنهم يفهمون العلاقات الدولية من منطلق التمني لا من منطلق فهم الواقع.

أستطيع أن أحصي العديد من المقالات لكتّاب عرب كانوا يبشرون بالدور الروسي في حل الصراع العربي-الإسرائيلي، خصوصا بعد وصول عميل المخابرات الروسية السيد بوتين لسدة الحكم لأنه كان في نظرهم رجلا وطنيا روسيا، ولن يترك أميركا تنفرد بالعالم، وأن روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي هي التي ستقوم نيابة عن العرب بتقليم أظافر كل من أميركا وإسرائيل.

سمعنا الكثير وقرأنا الكثير من «هرش المخ» في التنظير السياسي، كمثل: «انتظروا الدور الروسي لإيقاف الهيمنة الأميركية على العالم التي تكيل بمكيالين لمصلحة إسرائيل»... وها نحن انتظرنا، ولم ينطق الروس بكلمة واحدة ولم يحركوا ساكنا في قضية غزة وكأن روسيا ذاتها قد مُحيت من الخريطة.

حكى لي مراسل قناة «العربية» الأستاذ سعد السيلاوي، بأنه كان مراسلاً لواحدة من الصحف الأردنية في بغداد أيام غزو صدام للكويت، وهناك في وزارة الإعلام العراقية روّج عتاة الوزارة على أن جنرالاً روسيا قد صرح بأن بلاده مستعدة للحرب ضد أميركا إذا ما أصرت أميركا على أن تخرج صدام من الكويت. وكتب الأستاذ سعد لصحيفته مخبراً رئيس التحرير بذلك، فطلب منه رئيس التحرير أن يقوم بمقابلة مع هذا الجنرال الروسي، وحسب قول سعد، خرجت الصحيفة في صباح اليوم التالي بمانشيت عريض على صدر صفحتها الأولى يبشر أنصار صدام في الأردن بتدخّل روسيا القريب في الحرب لتضع أميركا في حجمها، ووعدت الجريدة القراء بتفاصيل ذلك في لقاء قادم بين مراسلها في بغداد مع جنرال روسي كبير.

ولما التقى سعد بالجنرال المذكور وسأله عن وظيفته في الجيش الروسي كان الرد مفاجئاً، فالجنرال الروسي لم يكن سوى جنرال متقاعد يعمل كرئيس تحرير لدورية فصلية متخصصة تنشرها وزارة الدفاع الروسية. وحسب قول سعد «نظرت إليه وقلت في نفسي أي مصدر للمعلومات هذا؟ فأنا أهم منه، على الأقل أنا أعمل مراسل صحيفة تصدر كل يوم، وهو مراسل مجلة تصدر كل ثلاثة شهور». وأطلع سعد رئيس التحرير على هذه المعلومات وحاول أن يتشاور معه من أجل لفلفة الفضيحة الصحافية، لكن رئيس التحرير قال لسعد «ولا يهمك يابو السعود، استمر في الحملة ربما سيقتنع الروس بأهمية تدخلهم عندما يقرؤون صحيفتنا، ولا عليك من القراء»، ولم يستمر سعد وعاد إلى عمان. القصد من القصة هو أن هناك من الصحافيين العرب من ينشرون ما يعكس رغباتهم وأمنياتهم مهما كان ذلك منافياً للواقع وللحقيقة.

بشرونا بدور روسيا الذي «سيشكم» الدور الأميركي، وجاءت حرب غزة ومضت حرب غزة، ولم نسمع كلمة واحدة من روسيا، فهل سيراجع المروجون للدور الروسي المرتقب تحليلاتهم القائمة على التمني لا على الواقع؟ لا أعتقد أنهم سيفعلون ذلك، لأنهم ببساطة مقتنعون بأن القراء ينسون وأن الوقت سيأتي ليعيدوا نشر المقالات المبشرة ذاتها.

وأخيراً ألم يكن بمقدور من تبقّى من اليساريين العرب الذين يعيشون في روسيا أن يقوموا ولو بمظاهرة واحدة بالساحة الحمراء في موسكو؟ أم أنهم تركوا ذلك للندن وواشنطن وعواصم الإمبريالية الغربية كي تقوم بالمظاهرات نيابة عنهم؟ مجرد سؤال فقط للذكرى.

* مدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز الدولي للدراسات السياسية والاستراتيجية IISS

back to top