الأمين العام للأمانة العامة للأوقاف محمد عبد الغفار الشريف: المسلمون لم يستطيعوا استيعاب تراث آبائهم اعتبر أنه ما من جمود في الأحكام الفقهيّة... وإنّما تيّارات لا تحتمل الخلاف!

نشر في 23-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 23-09-2008 | 00:00
أكد الأمين العام للأمانة العامة للأوقاف الشيخ محمد عبد الغفار الشريف أن من أهم أسباب التطرّف والإرهاب، جهل أكثر المتطرفين بأحكام دينهم، فليس في قيادات الجماعات المتطرفة رجال دين أكفياء، بل أكثرهم من غير المتخصصين بالعلوم الشرعية، وأسف لتصدّي أشخاص ليسوا من أولي العلم الشرعي للدعوة الإسلامية، متوجساً خيفة من اجتهاداتهم التي تفتقد إلى القواعد الشرعية، مبيناً أن الخطأ وارد في تلك الاجتهادات. كذلك طالب العلماء الشرعيين بأن يقتربوا أكثر من الشباب، ومخاطبتهم باللغة التي يفهمونها لاختراق الحواجز الوهمية، مشيراً الى أن ثمة علماء ليسوا ملتزمين، لكن ذلك لا ينسحب على علماء الدين كافة .

الجريدة التقت الشريف في الحوار التالي:

الاقتصاد الإسلامي تخصّص ناشئ، والباحثون فيه قلة. كيف يمكن للعالم الإسلامي مواجهة الثورة المصرفية العالمية، لا سيما في قضايا دقيقة تتعلّق بالتعاملات المالية وفوائد البنوك؟

الاقتصاد يعني البيع والشراء وما يندرج تحتهما من صناعة وزراعة وتجارة ورعي... أما بخصوص التحديات التي تواجه الاقتصاد الإسلامي فإننا نجد المسلمين سبقوا كل الأمم في تأصيل تلك القضايا، أما بالنسبة الى التحليل الاقتصادي فهو تراث بشري يستوي فيه المسلمون مع غيرهم، فلا يوجد تحليل اقتصادي إسلامي وآخر غير إسلامي، وهو يقوم على الأرقام والإحصاء وبعض المؤشرات الموجودة في السوق أو المجتمع. أما النظريات الاقتصادية فهي موجودة منذ القدم عند المسلمين، لكننا نستطيع القول إن العيب فيهم وليس في الفكر أو التراث الإسلامي، فالمسلمون لم يستطيعوا أن يستوعبوا ما تركه لهم أجدادهم وما هو في تراثهم وكتاب ربّهم وسنّة نبيّهم (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) والمستجدات وأن يمتلكوا أدوات التحليل الاقتصادي، لذلك لم يستطيعوا أن يتقدموا ويواكبوا عجلة التطوّر والحضارة التي أصبحت تسير بسرعة هائلة، وذلك الكلام ينطبق على الملتزمين وغير الملتزمين.

العيب فينا والقصور منا، حتى إن بعضنا ترك مفاهيم الحلال والحرام في المعاملات وراح يطبّق كل ما هو غربي من دون النظر إلى القواعد الإسلامية التي تنظم الأمور الاقتصادية، لكننا في المقابل نرى قيام بعض المؤسسات الاقتصادية الإسلامية وإن كانت لا تزال في دور ما فوق الطفولة ولم تصل بعد إلى مرحلة الشباب والاكتمال، وأخذت تتداول الأدوات الإسلامية في ما بينها، كذلك أخذت تهذّب من الأدوات الاقتصادية الموجودة في السوق وفقاً للقواعد الشرعية، وأُنشئت بنوك وشركات تأمين إسلامية في مختلف القارات، بل إن شركات التأمين العالمية تفكّر الآن في إنشاء شركات تأمين إسلامية، وذلك دليل على نجاح الأدوات والمؤسسات الاقتصادية الإسلامية ومن ثم نجاح النظرية الاقتصادية الإسلامية في مجال التطبيق العلمي.

ما هي أبرز ملامح النظريّة الإقتصاديّة الإسلامية؟

التحليل الاقتصادي تراث مشترك يستفيد منه الكل، والنظرية الاقتصادية الإسلامية تتقيّد بالحلال والحرام، والأصل في التعامل عندنا الإباحة، لكن عندنا قواعد وثوابت لا يمكن أن نخرج عنها مثل المحرّمات، فتلك حدود المعاملات، وعندنا في المقابل إباحة الملكية الخاصة مع الاحتفاظ بملكية الدولة العامة للمؤسسات المهمة والحيوية التي تحتاج إليها الأمة، كي لا يكون هناك استغلال للفقراء والمستضعفين، ولو أعطيت تلك المؤسسات الحيوية للقطاع الخاص فيجب أن يتم ذلك بمراقبة الدولة كي لا يستغل الأقوياء الضعفاء وتسود شريعة الغاب في المجتمع.

أما موقف النظرية الإقتصادية الإسلامية من النظريات الاقتصادية الأخرى فهو موقف محايد، خصوصاً أن الإسلام لا يمنع الاستفادة من أي نظرية، وأي مبدأ لا يخالف قواعدنا العامة فهو مبدأ إسلامي سواء كان شرقيا أم غربيا، وأجزم بأنه إذا طبِّقت النظرية الاقتصادية تطبيقًا صحيحا ستنجح وستُقبل في الشرق والغرب.

«التورق» إحدى المعاملات المالية التي تلجأ إليها البنوك الإسلامية ليحصل العميل على مبالغ نقدية (كاش) مع دفع مؤجّل؟

«التورق» هو شراء سلعة بالأجل بسعر معين ثم بيعها في السوق لغير بائعها نقداً بسعر أقل للاستفادة من النقد، وهو جائز عند كثير من الفقهاء، منهم الحنابلة في المعتمد، وما تجريه المصارف الإسلامية، غالباً، يجري وفقاً لتلك القاعدة، والمحذور في تلك المسألة أن تستخدم هذه المصارف تلك العملية كوسيلة لجدولة الديون.

لم يرد ذلك المصطلح إلا عند فقهاء الحنابلة، أما غيرهم فقد أدرج حكم التورق، الزرنقة، تحت بيع العينة، وذهب جمهور العلماء إلى إباحة التورق، لعموم قوله تعالى: «وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ» (سورة البقرة-275)، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعامله علي خيبر: «بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً».

ذلك دليل صريح على جواز التورق، بل ذهب جمع من العلماء الى الاستدلال به على جواز العينة، لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- لم يفصح بين أن يشتري من المشتري أو من غيره. لم يظهر في التورق الربا ولا صورته، ويظهر لي، والله أعلم، أن قول جمهور العلماء الذين توجسوا شبهة غير مرغوب فيها حيث أجمعوا أن المنهي عنه هو التواطؤ على الربا، كأن يوسط المستورق والمقرض بينهما من يشتري السلعة من المشتري، ثم يرجعها إلى البائع، وأرى أن ذلك هو صد الشيخين، رحمهما الله، والله أعلم. أما المصارف الإسلامية فقد بدأت باستخدام التورق كوسيلة بديلة للتمويل عن القروض الربوية، الدارجة في المؤسسات التقليدية، مما أثار غيرة بعض العلماء على تلك المؤسسات، مخافة انحرافها عن هدفها الذي قامت من أجله، ووضعت تلك المؤسسات المصرفية ضوابط لتنظيم العمل وعدم الوقوع في شبهة، لذا راعت أحكام الدين الإسلامي في تلك الأمور، منها بطاقات الائتمان ومرابحات السلع الدولية.

يواجه مجمع الفقه الإسلامي قضايا عصرية معقّدة مثل الاستنساخ وزرع الأعضاء. هل ترى أن اجتهادات الفقهاء المعاصرين تواكب ما يستجد من أمور؟

الاجتهاد هو استنباط حكم الله تعالى في القضايا المستجدة، ولكل عصر قضاياه التي تحتاج إلى معرفة حكم الله فيها، فما من مسألة أو حادثة إلا وحكم الله فيها.

كذلك يساعد تجدّد العصر الفقيه في حسن فهم النصوص الشرعية وفقًا للمستجدات التي يقف عليها، كما حصل للإمام الشافعي لما انتقل من العراق إلى مصر، فقد اطلع على قضايا حضارية لم يرها من قبل، ما دفعه إلى تغيير بعض اجتهاداته.

الاجتهاد هو عمل الفقهاء الذين وصلوا إلى درجة الفتوى، بشروط ذكرها العلماء، منها العلم بالكتاب والسنة، وباللغة العربية، وبأصول الفقه، وكيفية تقديم الأدلة بعضها على بعض، والتعامل مع متغيرات العصر.

لله الحمد أن المجامع الفقهية ولجان الإفتاء والهيئات الشرعية في المؤسسات الإسلامية، وكذلك مراكز البحث في الجامعات الإسلامية وكليات الشريعة، لا يألون جهداً في متابعة المستجدات، وبيان حكم الله فيها.

تفتقر كليّات الشريعة في العالم الإسلامي إلى علم «مقارنة الأديان» لا سيما وأنه يقوم على الثقافة اللغوية وإتقان الأحكام الفقهية للديانات الأخرى، ألم يحن الوقت بعد لتدريس هذا العلم والانفتاح على الأديان؟

تدرس كليات أصول الدين في الدول الإسلامية المختلفة علم مقارنة الأديان، وهناك مقررات عدة في تلك الكليات. لكن العيب ليس قاصراً على الكليات الشرعية، بل هو سمة لمعظم مؤسساتنا العلمية في عالمنا الإسلامي.

يشترط لتدريس مناهج مقارنة الأديان التالي:

1- إحاطة المقارن بالديانتين، أو الأديان التي يقارن بينها، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، والجاهل ضرره أكثر من نفعه.

2- الإنصاف في الحكم.

3- البحث عن نقاط الالتقاء والتقارب اتباعاً لمنهج الكتاب والسنة.

4- عدم إثارة النعرات والتهجّم على الآخرين.

الفقه المقارن علم يناقش في بعض جوانبه «اختلاف الفقهاء»، برأيك ما هي الأسباب التي تؤدي إلى ازدياد هوّة الخلاف بين العلماء المسلمين؟

الاختلاف سنّة ربانية لا تتخلف، وذلك بسبب اختلاف قدراتهم العقلية وتحصيلهم العلمي، وبيئاتهم وأمزجتهم، ولم يأت الإسلام ليغيّر ذلك الأمر، لما فيه من مصلحة للبشرية، لكن جاء ليهذبه.

من آداب الإسلام في الاختلاف، أن كلمتي الحق والباطل لا يطلقان إلا في القطيعات من الأمور، كأصول العقيدة وقواعد الدين والمعلومات من الدين بالضرورة، لقوله ولأن الحق لا يكون في المسائل الظنية، لأنه لا يحتمل التخلف، لذا يعبّر علماؤنا في مسائل الخلاف بالصواب والخطأ، لأن معظم تلك القضايا ظني. قال الإمام الشافعي، رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن أدب الاختلاف الإخلاص في تقرير المسائل لا الانتصار للنفس، وتلك مسألة دقيقة خفية، والرفق في الحوار والجدال، لأن الغرض هو التوصّل إلى رؤية مشتركة تمثل قاعدة للاتفاق، لا للانتصار على الخصم.

من أدب الاختلاف، احترام آراء العلماء السابقين وعدم تسفيه أصحاب المذاهب والابتعاد عن التجريح وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية، والحكم على النيات، وأن نعتبر الاختلاف في الفروع رحمة واسعة بالأمة.

يُتّهم التيار السلفي بأنه سبب جمود الأحكام في ما يتعلق بقفل باب الاجتهاد إلا في ما ندر، هل تتفق مع من يقولون ذلك؟

الإجتهاد هو نهج العلماء، ولا أحد يملك حق إغلاق بابه، بل هو مفتوح لأهله إلى يوم القيامة.

ما هو سبب جمود استنباط الأحكام الفقهيّة في العصر الراهن؟

لا يوجد جمود في الأحكام وإنما في الأفكار، وبعض التيارات أو الأشخاص يتبنون رأياً واحداً ولا يحتملون الخلاف ويريدون أن يحملوا الناس عليه، وهذا خلاف السنة الربانية، قال الله تعالى:»و لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين، ولذلك خلقهم» (سورة هود الآية 118).

أثيرت منذ وقت ليس بالبعيد قضية الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، هل ترى أن طريقة معالجة تلك القضية (المظاهرات والعنف) كانت صائبة؟

طالبت برفع دعوى قضائية في المحاكم الدنماركية أو لدى المحكمة الدولية بسبب العنصرية التي تمارَس ضد المسلمين والتعدي على مقدساتهم، وأعتقد أن اللجوء الى الوسائل القضائية يعد من أفضل الطرق للتعامل مع قضية الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم، فمنذ فترة طويلة ونحن نتعامل مع مثل تلك الإساءة بالصراخ والخطابات الحماسية، ونتيجة لذلك تمت تعبئة كثير من الشباب الذين أصبحوا متطرفين أو إرهابيين، وقمت بتوجيه النصح إلى الدعاة بأن تكون ردود فعلهم متّزنة وألا يرتكبوا أفعالأً قد تسيء وتضرّ بمصالح المسلمين والإنسانية كلها.

تثار في كل رمضان قضيّة إخراج الزكاة خارج القطر الذي يقيم فيه المسلم، لا سيما إذا كانت هناك دول إسلامية أخرى مستحقة، ما رأيك في ذلك؟

اختلف العلماء في نقل الزكاة المال من بلدة إلى أخرى، فذهب الحنفية والحسن البصري والإمام النخعي إلى نقل زكاة المال من بلد إلى آخر مكروه تنزيهاً لحق الجوار، إلا إذا كان النقل إلى ذي قرابة محتاجا فإنه لا يكره بل يتعين نقلها، لما روى من قوله صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صدقة من رجل وله قرابة محتاجون إلى صلة)، وفي نقلها إليهم تحقيق للمقصود من الزكاة وهو سد خلة المحتاج والمطلوب شرعاً صلة الرحم، ففيه جمع بين الصدقة وصلة الرحم، والأفضل أن تصرف للأقرب فهو من أولى القربى المحتاجين.

الإسلام دين الوسطية والتسامح، ما هي أسباب انتشار التطرّف والإرهاب بين بعض أفراده؟

من ينظر في أوضاع العالم، خصوصاً العالم الإسلامي، يرَ بجلاء ووضوح أن من أهم أسباب التطرّف، جهل أكثر المتطرفين بأحكام دينهم، فليس في قيادات المتطرفين رجال دين أكفياء بل أكثرهم من غير المتخصصين بالعلوم الشرعية، وكذلك ما يشعر به المسلمون من ظلم فادح يقع عليهم ممن بيده السلطة، سواء في بلادهم أو عالمياً، والذي يتمثل في القوى العظمى.

أعتقد أن الكيل بمكيالين والنظر إلى المسائل بسطحية يفاقمان المشكلات في العالم كله، وأن العلماء يتحملون المسؤولية الكبرى في ذلك الموضوع، لاسيما أن ثمة مشكلة كبيرة أو شرخا كبيرا حدث في الأمة يتمثل في ذلك الانفصال الذي صار بين العلماء وشباب الدعوة، ومع الأسف فقد تصدى للدعوة أناس ليسوا من أولي العلم الشرعي، ولم يدرسوه دراسة صحيحة ثم صاروا يجتهدون بلا فهم وبلا قواعد شرعية، لذلك وقع كثير من الأخطاء في تلك الاجتهادات.

من هنا أطالب العلماء الشرعيين بأن يقتربوا أكثر من الشباب، كذلك ينبغي أن يثق الشباب بالعلماء، وقد رأينا كيف قام الإعلام الغربي والعربي أيضاً بتشويه صورة العلماء أثناء الستينات، بل كانت المسلسلات والأفلام تصوِّر الشيخ علي لصًا أو تاجر مخدرات يتستر بالدين، وذلك بقصد تشويه سمعة العلماء، وقد نجحوا في ذلك إلى حد ما، وللأسف لدينا من العلماء من لا ينطبق عليهم هذا الاسم، لأن العالم هو من يخشى الله، وهؤلاء ليسوا ملتزمين، وقد ينطبق عليهم جزء من الصورة المشوّهة التي حاول الإعلام إلصاقها بالعلماء، لكن ليس كلهم.

بعد استقالتك من منصب «رئيس اللجنة الشرعية للجنة الخاصة بتعزيز الوسطية»، كيف ترى جهود اللجنة في انتشار الوسطية وروح التسامح؟

لا أستطيع الإجابة عن السؤال، علماً أن اللجنة الشرعية التي تشرفت برئاستها قدمت إلى اللجنة العليا تصوراً واضح الأهداف والبرامج عن كيفية مواجهة التطرّف. عموماً، إنشاء المركز العالمي للوسطية مشروع رائد، أرجو ألا يضيع في خضمّ الصراعات الحزبية والسياسية.

يدّعي الغرب أن التحديث الذي طرأ على حياة المسلمين اقتصر على شكل التديّن، ما دفعه إلى اتهام الديانة الإسلامية بعدم قدرتها على مسايرة معطيات العولمة وتحدياتها؟

تعيش الأمة الإسلامية أزمة فكر، وبسبب ذلك الخواء الفكري ضاعت الهوية الإسلامية إبان الحكم العثماني. في المقابل، اتجهت أوروبا إلى الصناعة، ولما حققت ثورتها الصناعية الهائلة اتجهت إلى الاستعمار وفرضت سيطرتها آنذاك، ودفعت تلك السيادة بعض المسلمين إلى تقليد الغرب في كل شيء رغبة في الوصول إلى ما وصلت إليه أوروبا من تطوّر وتقدم، وانقسم الناس بين داعين إلى التمسّك بالتراث، كما هو بغثه وسمينه، وبين مجموعة أخرى تدعو إلى التحرّر، وفريق آخر وسط. الحقيقة، نجح الاستعمار إلى حد كبير في إنشاء حدّ فاصل داخل الدول الإسلامية بين العلوم الشرعية وغيرها من العلوم عن طريق وجود مدارس وكليات شرعية وأخرى مدنية. لا أحد ينكر أزمة الفكر الإسلامي، لكن طالما أننا مؤمنون يجب أن نؤمن بأن كل ما قاله الله حق وصدق ولا يتغير، ومع ذلك أقول للمشككين: لقد شهد بصلاح تطبيق هذا الدين وقدرته على حل قضايا العصر لأفراد ليسوا من معتنقي الديانة الإسلامية، ومنهم المفكر الإيرلندي الشهير الذي قال «لو كان محمد بن عبد الله حياً بيننا لاستطاع أن يحل قضايا العصر ريثما يشرب فنجاناً من القهوة». للأسف، يجهل المسلمون دينهم بينما يعرف فضله غيرهم، ولو نظرنا مثلاً إلى قانون المرور فإن الناس لا تلتزم به إلا خوفاً من الشرطة، والدليل على ذلك أنه عندما لا يكون الشرطي موجودا بالقرب من إشارات المرور يحدث التجاوز وتقع الحوادث.

ألا تعتقد أن المنظمات الدينية تُعتبر من أكبر المنتفعين من العولمة، لا سيما من جهة انتشار وسائل الاتصال الحديثة وتوظيفها لترويج رسالتها الدينيّة؟

العولمة سلاح ذو حدّين، فهي بالنسبة الى الأمم المتخلّفة سبيل للاستعمار ولإلغاء هويتها. أما بالنسبة الى الأمم القوية ذي المبادئ الواضحة فهي سبيل للانتشار بين الناس إذا اتيحت الفرصة من دون قيود. برأيي، إذا تُركت للدين الإسلامي فرصة حسن عرضه للناس من دون الدعايات الإعلامية المغرضة فإن الناس ستختاره طواعية، والعولمة ستكون لصالحه.

تساهم إعادة الأسلمة في أوساط الجالية المسلمة في الغرب في دعم العولمة، لا سيما في ظل اضمحلال الثقافات الأصلية لصالح الغرب؟

غالبًا ما يكون للمسلمين الذين يقيمون في بلدان غير مسلمة أوضاع وأحوال خاصة، لذلك نطبّق عليهم أحكام الضرورات وغير ذلك، ومن القضايا التي تواجه الفقهاء والدعاة وضع الأقليات المسلمة في البلاد المختلفة والمشكلات الدينية ، وكيفية تعاملهم مع مجتمعاتهم... نرى أن فتاوى الفقهاء تتفاوت بين مشدّد يرى الورع في التحريم، وبين متسيّب يرى أنه ينبغي أن نفتح الأبواب على مصراعيها ليمارس المسلمون حياتهم ، ومن ثم يكوّنون لأنفسهم فقهاً خاصاً، بينهما الأمر بين الإفراط والتفريط. من وجهة نظري، اذا التزمت الدول القوية في التمسّك بالمبادئ المعروفة للعولمة فإن الفائدة ستعم على الجالية المسلمة لأنهم سيعملون على توثيق صلاتهم بإخوانهم في البلدان المسلمة وسينالون الكثير من حقوقهم، كما حدث في البوسنة وغيرها.

back to top