أسامة أنور عكاشة: الأدب الحقيقيّ صورة عن المعاناة الإنسانيّة

نشر في 23-06-2008 | 00:00
آخر تحديث 23-06-2008 | 00:00

من الدراما التلفزيونية إلى الأدب، يتنقل الكاتب والسيناريست أسامة أنور عكاشة في حقول الإبداع المترامية محققاً في الفترة الأخيرة نقلة جديدة ومهمة في مشواره الإبداعي بروايته «سوناتا لتشرين»، يؤكد من خلالها أن ينبوع الإبداع الصافي يفيض ويطغى على حدود الأشكال الأدبية التقليدية ولا يمكن تأطيره وفق سياقات محددة سلفاً ليصبح الانتقال ما بين الدراما والرواية والقصة سهلاً، شرط توافر الموهبة الإبداعية. حول الرواية ونقلته الإبداعية وما تثيره من إشكاليات، كان معه هذا الحوار.

• احتُفي بروايتك وأقيم لها حفل توقيع، ما رأيك في انتشار ظاهرة توقيع الكتب؟

سعدت بالاحتفاء بالرواية كثيراً بخاصة أنها المرة الأولى بالنسبة الي، إذ أصرت صاحبة دار النشر عليها فاستجبت، وعلى الرغم من أن لي إصدارات كثيرة، لكن لآخر إصدار مكانة خاصة في نفس الكاتب. أما ظاهرة انتشار توقيع الكتب، فهي تقليد غربي وتشترط بعض دور النشر على الكاتب توقيع النسخ كاملة لمنع طباعة الكتاب خارجها، لكن ليس عيبا أن نأخذ هذا التقليد عن الغرب، ففن الرواية أخذناه عنهم وهو ليس عربياً، لا أرى غضاضة في أن يشارك الكاتب في الدعاية لكتبه، فيها مجاملة للقارئ أن يحصل على نسخة موقعة من مؤلف الكتاب.

• لماذا تأتي الأشياء الصحيحة في التوقيت الخطأ... سؤالك في بداية الرواية إلى أي مدى ينطبق عليك؟

هو إحدى ملاحظات الكاتب ومفتاح الرواية، وهو متناسق مع عنوان الرواية «سوناتا لتشرين»، المقصود بتشرين هو الخريف وسوناتا هي المقطوعة الموسيقية الحزينة وأقصد به «الحب عندما يأتي في خريف العمر»، وعندما تأتي الأشياء الصحيحة في الوقت غير الصحيح، وتأتي الفرص ليصنع الإنسان شيئاً مفيداً للناس في وقت هو عاجز عن فعل أي شيء، وهذا ما يسمى بسخرية الأقدار.

• جاءت روايتك «سوناتا لتشرين» بعد فترة توقف عن كتابة الرواية، وبدأتها معتذرا عن غيابك... لماذا الغياب ثم العودة؟

كنت حريصاً منذ أواخر التسعينات على أن أعوض الفترة التي شدني فيها التلفزيون، وأن اقتنص وقتاً في السنة أتفرغ فيه لكتابة الرواية، فهي حبي وغرامي الأول، وأصبحت أمنيتي الأولى الآن أن أنهي ارتباطي مع التلفزيون وأتفرغ للرواية والقصة، لم أغب عنهما ولكن أشركت في حبهما ندا آخر هو الدراما التلفزيونية. كتبتهما 15 عاما حتى ظهرت معضلة تضاؤل القراء، فاضطررت للبحث عن بديل.

• بما أفادتك الدراما التلفزيونية في كتابة رواياتك؟

أفادتني فترة عملي في الكتابة للدراما التلفزيونية في ما أسماه النقاد «التفكير بالصورة» وهي أن الصورة حاضرة في نصوصي الروائية.

• تعمدت الغموض في ما يخص اسم البطل ولم تفصح عن الاسم الكامل إلا في النهاية... لماذا؟

هذا له دلالاته، لأن الملامح التشخيصية ليست هي الأساس في الرواية، ولا تشترط التجربة الإنسانية أو الروائية للشخصية اسماً معيناً، قد أكتب رواية كاملة بضمير المتكلم من دون ذكر الأسماء الشخصية التي لا تعني شيئاً.

• لماذا اخترت الوسط الصحافي لتسقط عليه أحداث روايتك؟

لأنه أقرب وسط كان يمكن أن أسقط عليه موضوعي، فهو المنوط به كشف الحقيقة أو المؤسسة التي من شأنها حراسة مصالح الشعب، يعتبر أكثر الأوساط التي لها تأثير في الناس إما بتضليلهم أو بكشف الحقائق أمامهم، وبالتالي الصحافي هو الأكثر عرضة للتآمر والدخول في صراع مع الفاسدين.

• على عكس النهايات التقليدية، حملت روايتك نجاح الشر في تدمير الخير؟

لو أعدنا قراءة الرواية مرة أخرى لن نجد نهاية صريحة حتى على مستوى الحدوتة وليس التضمينات الأخرى فحسب، هل عرفت أن البطل قتل أو لم يقتل؟ وهل الجريمة التي عاشها حدثت بالفعل أم هي جزء من خياله؟!

• لكنك أظهرت أن الجرواني، رمز الشر، نجح في تدمير الصحافي رمز الخير؟

أكره، في الحقيقة، الاستقطاب بين الأسود والأبيض، البطل ليس رمزا مبرأ أو منزهاً إنما هو انتهازي من الدرجة الأولى، وما فعله دليل على أنه يقفز على أكتاف الآخرين، كذلك، كان هناك اتصال بينه وبين السلطة ويبوح لمعاليه بكل شيء والأخير طلب منه مقابلة الجرواني، فأطاعه مبرراً ذلك لنفسه بأن عمله الصحافي يقتضي منه هذا، لذا كان من السهل الوقوع في الشٌرك.

• لماذا الشكوك في سلوكيات البطل؟

لأنه لا يوجد أحد مبرأ والحياة ليس فيها هذا الأبيض الملائكي، كل إنسان فيه نقطة شر، لكن الفارق يكون في الدرجة، تزيد مساحة الأسود وتقل بحسب تغير الظروف المحيطة. جميعنا يتعرض لظروف قاهرة وللإغراء ونخاف من التهديد، أتحدث عن بشر وليس عن أنماط، والمحنة التي تعرض لها البطل، هي محنة إنسانية في رأيي، وجوهر الرواية هو كيف يفقد الإنسان أحلامه مع فقدانه لنفسه وللارتباط بقيمه، ويأتي خريفه فيجد نفسه صفر اليدين.

• لماذ فرقت بين المحبين في نهاية الرواية؟

أسهل الأمور أن تعطي أملاً كاذباً، فكيف لي أن أكافئ رجلا فقد عمله وحبه ونفسه بأمل كاذب، أفضل هنا أن أدفع المتلقي إلى القلق وأحرك في داخله الأسئلة، هنا يكمن دور الأدب الروائي بالتحديد في وضع الإنسان أمام مرآته بكل ما في ملامحه من ندوب، ليس مهمته التجميل، فالأدب الحقيقي صورة عن المعاناة الإنسانية.

• قصص حبك لا تكتمل دائماً... لماذا؟

نعم هي قصص مجهضة ولا تكتمل بالفعل، لماذا أكتب عن الحب الناجح؟ رجل أحب امرأة وتزوجا ثم ماذا؟ ما المفارقة التي سأبني عليها عملي؟ عدم تحقيق الأحلام في حد ذاته هو موضوع درامي جذاب يجعلك تتساءل لماذا تفشل الأحلام ولا تنجح جهود التواصل؟ ليست الحياة متسقة ولا عادلة بالدرجة التي تجعل النوايا الطيبة تنجح وتنتصر في النهاية، الحب الناجح يحدث في الحواديت فحسب.

• هل نجحت في رحلة البحث عن الهوية؟

ما زلت أبحث وأنقب عبر الزمن عنها. ستجد مثلا في «أرابيسك» أن الزمن هو الوقت الحاضر و{زيزينيا» منتصف القرن الماضي وفي «المصراوية» ابتعدت أكثر إلى أيام الحرب العالمية الأولى.

• لماذا التعمق في الماضي واللجوء إلى التاريخ؟

الأمس هو أب اليوم واليوم هو أب الغد، لن تستطيع أن تفهم ما يحدث لك اليوم من دون أن تفهم جذوره بالأمس، لا يوجد انفصال بين الحقب، هي سلسلة متصلة ببعضها، أريد أن أعرف أصلي كي أعرف من أنا، وتفيد الأسئلة التي طرحتها على لسان حسن النعماني في مسلسل «أرابيسك»، خصوصا في فترات عدم وضوح الرؤية وخراب البوصلة والفوضى الذهنية التي نحياها الآن.

• هل تتابع الكتابات الجديدة؟

قدر استطاعتي، هناك نماذج جيدة وكتابات مبشرة بمواهب حقيقية، لكن فيها مراهقة عمرية أو ما يسمى بالفن المراهق، لذلك تسيطر عليها فكرة الأشكال أكثر من القضايا والمواضيع، لكن هنالك بعض الروائيين لم يتأثروا بهذه المراهقة، مثلا عندما كتب علاء الأسواني «شيكاغو» و{عمارة يعقوبيان» ومجموعته القصصية، لم تأخذه المراهقة الفنية وكتب ما يريده ولم يشغل نفسه بالشكل واعتمد على لغة بسيطة وموحية، وهو يعتبر من الشباب بالنسبة إلينا.

• ماذا عن الشباب في عمر العشرين والثلاثين؟

لا أهتم بشقشقة العصافير التي تحتاج إلى شفرة، قد يكون بينهم مواهب تحتاج إلى النضج، للأسف الشديد لم يعلق اسم بعينه، أهداني شباب كثر كتبهم وقرأتها ولم أجد منهم موهبة ثقيلة، لكنهم كثر وإنتاجهم كثير.

• مع الإنتاج الضخم... لماذا لا توجد حالة ثقافية؟

المناخ العام له صلة كبيرة بذلك، الثقافة هي الترمومتر الذي يمكن أن تقيس به مدى تقدم أوضاع البلاد أو تدهورها، هناك ترد على كل المستويات السياسية والاقتصادية والفنية، ما ينعكس على المنتج الثقافي.

• بماذا تفسر ادعاء الكثير من الكتاب الشباب بالكتابة لنفسهم؟

تعبيرهم صادق جدا وهو ناتج من حالة الإحباط واليأس التي تؤثر فيهم، ما فائدة أن تكون كاتباً بلا قارئ، عانينا مثلهم فكنا نقرأ قصصنا لبعضنا في المقاهي لدرجة أن بعضنا اعتزل الأدب.

• ما الدور الذي يمكنك القيام به في ظل ظروف اللحظة الراهنة؟

مهم جدا ألا يفقد الكاتب الأمل ويظل يقاتل ويحارب على الرغم من أن الواقع يوحي باليأس فعلا، تجعلك الضغوط ترمي سلاحك ببساطة وتعلن الاستسلام وهذه إشكالية تعتصر جيلاً كاملاً، لا نعرف متى تنتهي، الخوف أن تمتد إلى الأجيال التالية وتخرِّج أجيالاً أشد يأساً.

• ما مسؤولية المبدع في هذه الحالة؟

أن يظل راصداً للواقع ويطرح تساؤلاته، هو لا يملك حلولاً إنما يرصد الواقع الذي يعيشه، ممكن أن يحلم بغد مقبل على الرغم من عدم توافر مقومات الحلم.

• رشحت للكتابة عن حرب أكتوبر وبعد ذلك تراجعت... ما الأسباب؟ وما الرؤية التي كنت ستتحدث من خلالها؟

كنت أنوي الكتابة عن الشعب المصري في حالة الحرب، عن الأسر التي تدعم من الخلف أبناءها على الجبهة، لكني اكتشفت أن هناك اتجاهاً للتمجيد وأن الفيلم يقصد تكريم حرب أكتوبر وأبطالها على الجبهة، ما جعلني أتراجع لأني شعرت أنني لن أستطيع أن أكتب ما أريد.

نبذة

أبرز كتاب الدراما التلفزيونية في الوطن العربي، له أعمال تلفزيونية عدة منها:

«الراية البيضا»، «وقال البحر»، «ريش على مفيش»، «لما التعلب فات»، «عصفور النار»، «ومازال النيل يجري»، «ضمير أبله حكمت»، «الشهد والدموع»، «ليالي الحلمية»، «أرابيسك»، «زيزينيا»، «امرأة من زمن الحب»، «أميرة في عابدين»، «كناريا وشركاه»، «عفاريت السيالة»، «أحلام في البوابة»، «المصراوية «.

من رواياته:

«منخفض الهند الموسمي»، و{هج الصيف»، «جنة مجنون».

back to top