معالجة المعضلة القبرصية بتكتم

نشر في 22-02-2009 | 00:00
آخر تحديث 22-02-2009 | 00:00
 بدر عبدالملك يحيط هدوء وتكتم بمعالجة القضية القبرصية، فهذا ما يفضله الرئيسان القبرصي الجديد، ونظيره القبرصي التركي، فقد فضلا الابتعاد عن أي تصريحات تثير البلبلة في جنوب القطاع وشماله المحتل، بالرغم من محاولة الصحافيين ملاحقة الزعيمين كلما انتهيا من اجتماع كانا يناقشان فيه أحد الملفات، إذ هناك العديد من الملفات التي ينبغي حسمها مع الانتهاء من الأزمة التاريخية خلال نهاية العام، ثم يخرجان إلى الملأ ليعلنا للعالم نهاية الفصل الدرامي من مأساة طويلة عاشتها الجزيرة منذ صيف عام 1974.

من دون شك بعض الملفات متشابكة وبعضها منفصل عن الآخر بعض الشيء، ولكنها في نهاية المطاف مرتبطة جميعها بهذا القدْر أو ذاك بقضية واحدة هي المأساة القبرصية.

ولا يناقش الرئيس القبرصي المعضلة القبرصية مع نظيره بمعزل عن رؤية ورأي الأحزاب القبرصية جميعا، فالمشكلة ليست متعلقة بالحزب الذي نجح في الانتخابات ووصل إلى سدة السلطة، إذ إننا هنا أمام قضية وطنية شاملة تهم الشعب جميعه، ومسؤوليته مثقلة ومعني بها الشعب وأحزابه التي اختارها في المؤسسة النيابية. لهذا تمت إعادة تشكيل المجلس الوطني الذي يناقش بشكل هادئ، وفي مناخ صريح ونقدي دون الخروج إلى الشارع وإدلاء التصريحات العنترية، فأهم عنصر في المعالجة هو عدم إثارة الأتربة والغبار لكل ما تتم مناقشته خلف الكواليس وفي قصر الرئاسة. وكذلك تتم القضية في الطرف الآخر، فأهم عنصر شُدّد عليه هو سرية المناقشات لكل ملف، وقد تم تشكيل لجان تقنية ومتخصصة بشأنها، فهناك لملف اللاجئين لجنة هادئة تناقش خيارات العودة والتعويضات وآلية النسب التي ستتم الموافقة عليها، لإعادة نسبة التركيبة السكانية في القطاعين الشمالي والجنوبي، وعودة اللاجئين إلى منازلهم بعد زمن طويل. وقد يكون واقع العودة غير مجدٍ نتيجة المتغيرات الكبيرة في الجنوب والشمال وولادة جيل مختلف.

أما ملف المفقودين فهناك جوانب دينية وسياسية فيه، إذ يطلب الجانب القبرصي من القبارصة الأتراك تسليم من دفنوا لكي يدفنوا وفق الطقوس الدينية الأرثوذكسية، أما من يدّعون أنهم لا يعرفون أمكنتهم فإنهم معنيون بالبحث الجاد في سجون تركيا، وتقديم معلومات كاملة عنهم، هذا إلى جانب مناقشة حجم التعويضات التي ستبقى سراً حتى اللحظة الأخيرة، لكي يُعلَن عنها بعد الانتهاء من ملفات كثيرة، أهمها خلو الجزيرة من كل القواعد العسكرية، فهناك جيش تركي يقارب الثلاثين ألف جندي، وقاعدة يونانية لا تتعدى الاثني عشر ألفا.

غير أن طرح مسألة خلو الجزيرة من القواعد أربك وجود قواعد عسكرية بريطانية، وهذه ربما تُعالج في إطار حلف «الناتو» كون قبرص عضوا في الاتحاد الأوروبي، مما يشكل حالة سهلة ومستعصية من الجانبين أثناء الحوار حول القواعد. وسيناقش الجانبان في أحد الملفات قضية الدولة الفدرالية الثنائية الإثنية أو القومية ومدى الحقوق وحجمها دستوريا بين الطرفين، والتي سيتم تحديدها في نصوص الدستور الجديد، إذ سيلغى الدستور القديم ويُغيّر علم الدولة الجديدة القادمة في إطار عضوية الاتحاد الأوروبي، الذي أصبح الدعم والسند القوي لقبرص المحتلة، وهما يتحاوران حول مصير الجزيرة بل مصير تركيا وعضويتها في الاتحاد، فهناك تشابك عضوي بين خروج الجيش التركي ورفع يد تركيا وهيمنتها عن الجزيرة الصغيرة وترك الشعب القبرصي بثنائية طائفية لإدارة شؤونها، بل مناقشة كل ما يتعلق بالحل بعيدا عن كل وسائل الضغط وتحديد ما يهم مصالح تركيا أكثر من مصالح الطرف الشمالي في الجزيرة، ومصيره بالالتحاق بالقطار الأوروبي، والخروج من الوضع الاقتصادي السيئ والعزلة والحصار.

مازال النقاش مستمرا حول تقسيم الحقوق السياسية والمدنية للطرفين في إدارة شؤون الدولة وتسطيرها دستوريا، ومواصلة ترسيم الحدود الجديدة للطرفين، وبعدها تتم إزالة كل معالم التقسيم، فتصبح الجزيرة الفدرالية موحدة من حيث وثيقة السفر ومعالم أساسية أخرى ينتظرها الشعبان والعالم أجمع.

لا بد أن يتم أثناء الحوار التنازل والتضحيات من أجل مبدأ أساسي وهو إما توحيد الجزيرة وإما تقسيمها إلى دولتين، فقد تعب العالم من مشاكل معلقة دون حل، فهناك مساع حثيثة في الاتحاد الأوروبي لإعطاء كل الإثنيات حقوقها كاملة، ومن ثمة دمجها بالاتحاد، إما في إطار فدرالي لدولة واحدة وإما لدولتين مستقلتين ستصبحان في نهاية المطاف عضوين في الاتحاد الأوروبي، ولهذا قرر القبارصة بطرفيهما الدخول بدولة موحدة وقوية متكاملة في شؤونها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهناك من يتابع عن قرب مدى اهتمام الأحزاب جميعها بخنق مفاتيح التطرف والكراهية القومية والدينية، فهناك دائما مجموعات وكتل متطرفة لم ولن يعجبها أي حل، ومن المهم تقطيع كل خيوط الكراهية التي تعمقت داخل شعب تم تقسيم بلده واحتلاله، وظلت لغة الكراهية والتشنج طوال هذه المرحلة هي الأكثر تعزيزا في الشارعين الشمالي والجنوبي.

إن أجمل ما نراه هو سعي منظمات المجتمع المدني في الطرفين لتوثيق العلاقات الإنسانية والاجتماعية وتقطيع جذور الماضي المشؤوم، لهذا نسمع أصواتا مستمرة تنادي بـ «ضرورة النظر للمستقبل ولكل ما يهم أطفالنا من سعادة وأمان».

* كاتب بحريني

back to top