الأمل

نشر في 23-07-2008
آخر تحديث 23-07-2008 | 00:00
 د. مأمون فندي «ياما خبيت في الجوارح، كل قول قاسي وجارح، اسمعه، واصفح واسامح»... بصوت السيدة أم كلثوم العذب المنساب في أغنية «الأمل»، يمكنك أن تلمس شيئا ما من قصة مرشح الرئاسة الأميركي ذي السحنة السمراء، وابن المهاجر الكيني الفقير الذي يطمح في أن يكون سيد البيت الأبيض. من عالم السود القاسي حتى ستينيات القرن الماضي، لم يكن أمام فئة عريضة من المجتمع الأميركي سوى الصفح والسماح لسماع كل قول جارح، متعلقين بقارب النجاة الوحيد في الحياة، وهو الأمل. وكما تقول «الست»: «ولو يروح عمري أنوح، دا محتمل، ولا أعيش من غير أمل. أنا عندي... أنا عندي أمل». كل شيء هو الأمل... والقدرة على الأمل هي ما يميز بعض الشعوب عن بعض.

باراك أوباما، مرشح الرئاسة الأميركية الأسمر، هو ذاك الأمل لكل أطفال هذا العالم ممن عانوا ويعانون، ولكنهم يواصلون المشوار، لا سيارات مفخخة ولا عمليات انتحارية... أدمنوا، ليس المخدرات، وإنما أدمنوا الأمل. أوباما، ليس مجرد رئيس مقبل للولايات المتحدة الأميركية، هو بارقة أمل لأي إنسان يريد أن ينجح رغم قسوة الحياة، فهذا الكيني ابن المهاجر الذي تزوج امرأة بيضاء فقيرة، لم يكن أبوه يملك عندما ترك قريته البائسة في كينيا إلى آخر الدنيا، سوى الأمل. مهما يقال عن أميركا، فإنها تبقى بلد الآمال غير المحدودة لكل إنسان وأي إنسان، بغض النظر عن لونه أو دينه أو أصوله الاجتماعية... لا يمكن أن يحدث هذا، في المدى المنظور، إلا في أميركا.

رحلة أميركا ورحلة أوباما مع الأمل لم تكن سهلة، إنه مجتمع اعترف بخطيئته الكبرى، وهي العبودية، ثم تحرَّك لتلافي نتائجها السيئة وتبعاتها، مجتمع لم يدفن رأسه في الرمال ولم يئد تطلعاته إلى الغد الأفضل، بدعوى أنه لا وقت لديه للأمل، لأن عدواً خارجياً يتهدده ليسلب الأغلبية والسواد الأعظم من الشعب حقوقهم.

المصريون، مثلاً، لا يتمتعون بربع هذا الأمل، ومع ذلك فهم يرون في بلدهم مناطحاً لأميركا في كل شيء، ولا أدري من أين جاء هذا الإحساس؟! فهم لا يناطحون أميركا في الحريات التي يتمتع بها أبناؤها، ولا يناطحونها في استقلالية القضاء الذي يحاسب الرئيس، ولا يناطحونها في مستوى دخل الفرد، ولا يناطحونها بالطبع في الأمل.

أعرف أن معظم رؤساء جمهورياتنا قد أتى من القرى والمناطق البعيدة ومن أسر كادحة متواضعة، ولكن طريقه للحكم كان المؤسسة العسكرية. ما أتمناه هو أن يكون الطريق إلى قمة الهرم السياسي مفتوحاً للجميع ومن كل مؤسسات المجتمع، ولا يقتصر على مؤسسة بعينها لمجرد أنها تمتلك القوة العسكرية. كل ما أقصده هنا، هو الأمل المطلق الذي حتى لو لم يتحقق فإنه يبقى وهجاً للحياة.

إن مهمة العالم العربي كله اليوم هو أن يزرع أمل زرع أخضر مورق يظلل الأرواح التي أرهقها «حَر» التمييز واللاعدالة. وزراعة الأمل ليست مهمةَ وزارةِ زراعة ولا مهمة حكومة فقط، إنها مهمة وطن، مهمة كل أب وكل أم، وكل قرية وكل نجع، وكل مدينة. الأمل يحتاج إلى مناخ يساعد على نموه وإلى تربة صالحة لزراعته.

مناخنا الثقافي اليوم لا ينتج أملاً... تربتنا، المتمثلة في التعليم والإعلام، لا تنتج أملاً... لذا يجب أن نضرب أولَ فأسٍ في تربة الإحباط، ونقلبها حتى تشتمَّ الهواء النقي، لا الهواء الفاسد. «الفهلوة» التي تسود مجتمعاتنا وتمجدها ثقافتنا تلتهم أي أمل كما الدودة بالنسبة للقطن، تقضي تماماً على أي بارقة أمل في نجاح المحصول.

وأخيراً، رغم أن التنبؤات الواقعية لا تبشر كثيراً بفرص أوباما في الفوز بالانتخابات المقبلة، فإنني أتمنى له النجاح، لا لشخصه، وإنما إحياءً للأمل... وساعتها نغني له كما غنت (الست): «يا شبيه البدر وحدك في ارتفاع برجه وسعده، يشبهك هوه في دلالك وأنت في نوره وبعده»... ونستطيع وقتها أن نحلم بدورنا باليوم الذي يكون لدينا فيه ألف أوووووووباااااااااااااما.

* مدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز الدولي للدراسات السياسية والاستراتيجية «IISS»

back to top