خيار التسوية السياسية بين واشنطن وطهران 1-5

نشر في 24-07-2008
آخر تحديث 24-07-2008 | 00:00
 د. مصطفى اللباد

أثبتت إيران، على مدار ثلاثة عقود من الزمان، أنها تصبح أكثر عدائية عندما يتم إقصاؤها، وأن الطريقة الأفضل لواشنطن في التأثير بحسابات صانع القرار في طهران تتمثل في دمجها في هياكل المنطقة الأمنية بدلاً من إبقائها خارجها.

تتأرجح احتمالات المواجهة الأميركية - الإيرانية صعوداً وهبوطاً، وقلما يمضي أسبوع من دون إشارات تصعيد أو تهدئة بين الطرفين، فزادت حيرة المنطقة والعالم حول الطريق الذي ستسلكه هذه العلاقات الحاسمة في توازنات المنطقة والعالم. تركز هذه السلسلة من المقالات على خيار التسوية السياسية بين واشنطن وطهران عبر محاولة الإجابة عن أسئلة مفتاحية في معضلة العلاقات الأميركية- الإيرانية مثل: أولاً ما خيارات واشنطن الجدية حيال طهران؟ وثانياً ما الأبعاد الجيوبوليتيكية للتسوية على الصعيد الدولي في ما يخص الصين؟ وثالثاً في ما يخص روسيا؟ ورابعاً كيف تبدو ملامح هذه التسوية؟ وخامساً من الطرف الذي يعرقل خيار التسوية السياسية؟

أثار حضور ويليام بيرنز مساعد وزيرة الخارجية الأميركية في جلسة الحوار الإيراني- الأوروبي الكثير من اللغط والتكهنات بشأن تحول جذري في السياسة الأميركية حيال إيران على الرغم من أن بيرنز حضر مستمعاً للمفاوضات بين سعيد جليلي مسؤول الملف النووي الإيراني وخافيير سولانا منسق السياسة الخارجية الأوروبية، للبحث في سلة المزايا التي قدمها سولانا لطهران بغية حثها على التوقف عن تخصيب اليورانيوم. ويعود الاهتمام الأميركي الفائق بالملف النووي الإيراني إلى حقيقة أن طهران تعرقل مشروع الشرق الأوسط الجديد بالأصالة عن نفسها وبالنيابة عن حلفائها الممتدين من العراق حتى غزة، وهذه العرقلة تجعل لإيران أهمية خاصة في الاستراتيجية الأميركية على الرغم من قطع العلاقات بين واشنطن وطهران منذ عام انتصار الثورة الإيرانية عام 1979. ويتواجه المشروعان الأميركي والإيراني على طول وعرض المنطقة من دون أن يستطيع أي منهما تحييد الآخر وتحالفاته، ولذلك وبالرغم من تنامي مؤشرات التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران وبروز احتمالات القيام بعمل عسكري ضد منشآت إيران النووية في الفترة الأخيرة، فإنه لا يمكن نظرياً استبعاد احتمال وصول كل من طهران وواشنطن إلى تفاهمات تشمل السماح لإيران بدور إقليمي كبير مع ضمان المصالح الأميركية في المنطقة.

يفتح التصادم بين الطرفين مروحة الحلول على سيناريوهات شتى مثل الحسم العسكري المتضمن توجيه ضربات عسكرية محدودة، أو موسعة، لمنشآتها النووية وينتهي عند إسقاط نظامها السياسي بالقوة العسكرية. تقلصت خيارات واشنطن النظرية حيال إيران إلى احتمالين فقط: التسوية السياسية أو العمل العسكري. ويعد سيناريو تغيير النظام الإيراني من الداخل أمراً مستبعداً، لأن حركات المعارضة الإيرانية في الداخل، شخصيات وأحزاب، لا تستطيع بحكم موازين القوى الداخلية الإيرانية استثمار الوضع الإقليمي والدولي للضغط على النظام. كما انهار السيناريو الخاص بالاحتواء المزدوج تجاه إيران والعراق بسبب سياسات الإدارة الأميركية في المنطقة، فقد كانت واشنطن- وليس غيرها- هي الطرف الذي حيَّد الأخطار على حدود إيران الجنوبية عبر الإطاحة بحركة «طالبان» في عام 2001. وكانت واشنطن أيضاً هي الطرف الذي قدم خدمة جليلة إلى طهران بالإطاحة بالنظام العراقي السابق عام 2003، فصار حلفاء طهران يجلسون لأول مرة منذ تأسيس العراق في مقاعد السلطة ببغداد.

سقط خيار الاحتواء من قائمة البحث نهائياً، خصوصاً أن واشنطن اضطرت إلى الدخول في تفاهمات ضمنية مع طهران إبان قيامها بالعمل العسكري في أفغانستان والعراق، فضلاً عن الترتيبات الأمنية في كلا البلدين التي أعقبت الاحتلال. وهكذا كرس احتلال أفغانستان والعراق إيران قوةً إقليمية عظمى في المنطقة، لا يمكن تجاهل مصالحها عند رسم منظومة إقليمية جديدة للمنطقة. أثبتت إيران، وعلى مدار ثلاثة عقود من الزمان، أنها تصبح أكثر عدائية عندما يتم إقصاؤها، وأن الطريقة الأفضل لواشنطن في التأثير بحسابات صانع القرار في طهران تتمثل في دمجها في هياكل المنطقة الأمنية بدلاً من إبقائها خارجها. ولأن تغيير النظام غير ممكن من الداخل، وبسبب فشل سياسة الاحتواء فشلاً مدوياً، لا يملك الموقف الأمريكي من خيارات سوى التأرجح في المفاضلة بين الحل العسكري أو التسوية السياسية. وللبلدين سابقة تاريخية مميزة للعلاقات امتدت من عام الانقلاب على حكومة الزعيم الوطني الإيراني محمد مصدق 1953 حتى قيام الثورة الإيرانية عام 1979. وخلال هذه الحقبة الزمنية تناغمت طموحات إيران الإقليمية إلى حد كبير مع مصالح واشنطن، بحيث ذهبت العلاقات الثنائية بينهما مثالاً على العلاقات بين القوى الدولية والإقليمية. على هذه الخلفية ومع التسليم بحكمة الأمثال الفارسية عموماً ينبغي في ما يختص بالعلاقات بين طهران وواشنطن التشكيك في الصلاحية المطلقة للحكمة الفارسية القائلة: «الحب والبغض يتوارثان».

* مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية - القاهرة

back to top