السياسة الأميركية الجديدة تتجه إلى «الميكافيلية»... على حساب «المعتدلين»
المئة يوم الأولى للرئيس الأميركي باراك أوباما لم تكن محض اختبار أميركي داخلي للتعرف على سياسات الرئيس المنتخب فحسب، بل يمكن قراءة أبعادها الخارجية، التي حظيت بمساحة كبيرة ولافتة، وكشفت أن السياسة الأميركية الجديدة ليست براغماتية فحسب، بل تتجه بقوة نحو "الميكافيلية"، لدرجة تجعلها مزعجة لحلفاء الولايات المتحدة والقريبين من سياساتها.ليس مفهوما انفتاح إدارة أوباما على من تصنفهم الولايات المتحدة "أعداء"، ومن وضعتهم في "محور الشر"، وتصدروا التقارير السنوية لوزارة الخارجية الاميركية في الإساءة إلى حقوق الإنسان في بلادهم؛ يأخذون الأولوية في اهتمامات الإدارة الجديدة، وترسل إليهم اشارات "الغزل" يوميا، ابتداء من ايران وكوريا الشمالية الى كوبا وفنزويلا، وتتبعها بريطانيا بالضرورة والعادة، بأنباء "انفتاحها" على حزب الله، الذي لم تنفك تعتبره "منظمة إرهابية".
في الأسبوع الحالي قدمت الولايات المتحدة أكثر من إشارة عن تحول سياساتها بصورة منفرجة، ووجهت رسائل في كل الاتجاهات، لاستجداء دول "الممانعة"، وهي في معظمها دكتاتوريات، وتمثل ذلك باعتراف أوباما بأن سياسة بلاده تجاه كوبا خلال العقود الأربعة الماضية "فشلت في تعزيز الحرية للشعب الكوبي" وتعهده في الجلسة الافتتاحية لقمة الأميركيتين بتدشين "بداية جديدة" لعلاقات البلدين، وقوله: "لا يمكن أن نسمح لأنفسنا بأن نكون أسرى خلافات الماضي". وكانت القمة قد شهدت أجواء وصفت بأنها إيجابية خاصة بين الرئيس الأميركي وزعماء دول أميركا اللاتينية وفيهم شافيز، الذي قال إنه سيعيد سفير بلاده إلى واشنطن بعد سبعة أشهر من طرده السفير الأميركي في كراكاس، تضامنا مع بوليفيا. وفي منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا عربيا، هنالك حرب مستعرة بين رؤيتين، واحدة يمثلها "محور الممانعة" الذي تقوده ايران وسورية بالتعاون مع حزب الله والإخوان المسلمين وكل المتطرفين في المنطقة، مقابل دول "الاعتدال" بقيادة مصر والسعودية التي تتفرج على "الحفلة" الأميركية وانفتاحها بلا حدود على "محور الشر"، بل ان ايران أخذت "تتغلى" على "الغزل" الأميركي، وبعثت برسائل قوية، صدت بها محاولات التقارب "المستميتة" من إدارة أوباما."الجريدة" سألت الأسبوع الماضي السفيرة الأميركية في الكويت عما يحصل، وهل تتبنى بلادها مقاربة جديدة في سياستها الخارجية بتقليل التدخل الأميركي المباشر، أو معالجة الأزمات الدولية بواسطة القنوات الدولية؟ فأوضحت أن السياسة الخارجية الجديدة "لا تعني التقليل من التدخل المباشر في الأزمات الدولية، بل تستند الى تحقيق الأهداف بطرق مختلفة"، وقالت: "ليس المهم حجم التدخل والمساهمة، إنما سبل الوصول، عبر التعامل مباشرة مع الآخرين، والعمل معاً لمعالجة الأمور وصولاً إلى الأهداف المشتركة".يبدو جيدا مصطلح "التعامل مباشرة مع الآخرين"، وهي سياسة مطلوبة لمواجهة الجمود في العلاقات الدولية، والتصدي للمشكلات التي تنشأ في العالم، لكن هذا لا يعني "مكافأة" الإرهاب، وإعطاء رسائل الى المتطرفين، الذين فهموا أنه "لا يفيد مع الأميركيين سوى المشاكسة والممانعة والارهاب والتحرش بالمصالح الأميركية"، وهذا لا يعني أن المطلوب هو "الانبطاح" أمام السياسات الأميركية، وهي ليست جميعا على صواب، لكن ما تفعله إدارة أوباما هو صناعة دكتاتوريات جديدة، أو على الأقل التهليل للإرهابيين، والتعامل مع القيادات الانتهازية.هل هذه هي "الإشارات" التي تريد الولايات المتحدة إرسالها الى العالم؟ وهل تتخلى عن حلفائها "المعتدلين" وتتحالف مع الانتهازيين والطغاة من أجل مصالحها؟