الكويت من الدولة إلى الإمارة - الدكتور أحمد الخطيب يتذكر - الجزء الثاني (7)

نشر في 08-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 08-09-2008 | 00:00
العنصر الأهم الذي أسقط التعديلات على الدستور هو وجود د. خالد الوسمي والنواب العوازم السبعة في المجلس
إهداء إلى شابات وشبّان الكويت الذين يعملون على إعادة الكويت إلى دورها الريادي في المنطقة.

إلى أولئك الذين يسعون إلى بناء مجتمع ينعم فيه المواطن بالحرية والمساواة تحت سقف قانون واحد يسري على الجميع، ويكون هدفه إطلاق إبداعات أبنائه وليس تقييدها باسم المحافظة على عادات وتقاليد هي جاهلية في طبيعتها ولا تمتّ بصلة إلى الدين ولا إلى ما جبلت عليه الكويت منذ نشأتها من تعلّق بالمشاركة في السلطة، ثم الالتزام بدستور 62 الذي قنن هذه الطبيعة الكويتية.

إلى الشابات والشبّان الذين يحلمون بمستقبل مشرق للكويت يعيد دورها الرائد في محيطها، كي تنضم إلى عالم العلم والمعرفة الذي أخذ ينطلق بسرعة هائلة لا مكان فيه للمتخلّفين.

إلى هؤلاء جميعاً أهدي هذا الكتاب.

وضع السلطة التنفيذية

لنبدأ بالسلطة التنفيذية أي مجلس الوزراء. نحن في الحقيقة ليس عندنا مجلس وزراء بمعنى الجهة الحاكمة التي ترسم سياسة الدولة وتعمل على تنفيذ هذه السياسات المتعلقة بشؤون البلد المتعددة، كما ينص على ذلك الدستور في المادة (123) التي تقول: «يهيمن مجلس الوزراء على مصالح الدولة ويرسم السياسة العامة للحكومة ويتابع تنفيذها ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية».

فعندما يكلف أحد أفراد الصباح بتشكيل الوزارة ودائماً من أسرة الصباح - مع أن الدستور لا ينص على هذا الاحتكار- فإنه يستدعي من يراه مناسباً له ويعرض عليه الدخول في الوزارة من دون أن يتفاهم معه على خطة الوزارة ولا على أسماء الوزراء الذين سوف يتعاون معهم ولا على الوزارة التي سوف تسند إليه. ويفاجأ الوزير بزملائه عند أداء القسم. ويُفهم الوزير أن صلاحياته لا تتعدى وزارته ولا يتعرض للوزارات الأخرى، وعليه كذلك أخذ الإذن من رئيس الوزراء في القرارات المهمة. وفي هذا الصدد أروي حادثة حصلت معي: «مرة فوجئت باسم شخص صديق وعزيز عليّ يرد اسمه في وزارة أُعلن تشكُيلها. التقيته وأعربت عن استغرابي لدخوله الوزارة فقال: كنت دائماً أعتذر عن عدم التوزير إلا أنني هذه المرة قبلت بعد أن أُنذرت بأن رفضي المتكرر هذا يعتبر موقفاً معادياً للصباح، وسوف تتحمل العائلة كلها مغبة ذلك. فلم أستطع مقاومة ضغوط العائلة علي. المهم أني قلت له: ما دام الأمر كذلك فإن أمامك مهمة تطرحها في مجلس الوزراء وإن لم تكن وزيراً للتربية، لكني أرى أنها في غاية الخطورة وهو الوضع المتردي في التعليم. فالتقصير في خدمات الدولة ممكن إصلاحه في المستقبل ما عدا التعليم، فكل زمن يمر لا يمكن تعويضه والعالم يتقدم بسرعة مذهلة وأخشى أن يفوتنا القطار فندمر حاضرنا وندمر كذلك مستقبل أبنائنا وأحفادنا وهذه جريمة سيكون من الصعب تدارك نتائجها.

فإذا كان لا بد من دخولك الوزارة فأرجوك أن تعمل على إيجاد سياسة تعليمية بديلة لسياسة التجميل المتبعة في هذه الوزارة. وعدني خيراً ولكنني لما التقيته بعد مدّة وسألته ماذا عمل. قال لي إن ذلك غير ممكن لأنه ليس من صلاحيات الوزير أن يتدخل في وزارة غيره!

لم أستطع تصديق كل ما كان يقال عن العلاقات والضغوط في مجلس الوزراء إلا بعد أن أخبرني وزير سابق بما حدث له. يقول هذا الوزير: «حصل تعطل كبير في مرفق أنا مسؤول عنه. فشكلت لجنة فنية من الوزارة وطلبت إليها التحقيق في ما حدث، لكن في اجتماع مجلس الوزراء قرر رئيس مجلس الوزراء انتداب شركة عالمية للتحقيق في الموضوع وكان له ذلك. بعد مدة أنهى الفريق الفني في الوزارة تقريره وقدمه إليّ وانتظرت حتى قدم الفريق الأجنبي تقريره. كان التقريران متطابقين. في مجلس الوزراء عرضت التقريرين وتركت الاجتماع وقدمت استقالتي من الوزارة فوراً. استدعاني رئيس مجلس الوزراء وطلب إليّ سحب الاستقالة. فقلت له: أنا كنت أعتقد أن هنالك تضامناً في مجلس الوزراء وهذا لم يحصل فالحكومة تخلت عني ولم تثق بي وطلبت من جهة أجنبية أن تحقق في الموضوع من دون استشارتي. فقال لي: إذا لم تسحب استقالتك فسوف تتعرض مصالحك للخطر. أغضبني هذا التهديد وقلت له: أنا أعلم منك بمصلحتي. وذهبت إلى الوزارة وأخذت كل أوراقي وودّعت المسؤولين وذهبت إلى البيت».

وفي أوائل السبعينيات سألت أحد الوزراء الأصدقاء عن اجتماعات مجلس الوزراء وقلت له، في كل يوم أحد يقابل وزير الدولة الصحافيين ويعرض عليهم ما تم إنجازه في الجلسة من قرارات وقوانين كثيرة مع أن المجلس اجتمع ساعة ونصف أو ساعتين، فكيف يمكنكم إنجاز كل هذا في هذا الوقت الضيق؟. فضحك وقال لي: «دعني أعطيك صورة عما يجري في مجلس الوزراء. يوم السبت يذهب رئيس مجلس الوزراء إلى رئيس الدولة ويعرض عليه جدول أعمال الوزراء. وهو الذي يقرر كل شيء ما عدا بعض الأمور البسيطة التي يترك القرار فيها لمجلس الوزراء. ويوم الأحد، يوم الجلسة، يستعرض رئيس الوزراء وأحياناً وزير الدولة جدول الأعمال قائلاً إن هذا الموضوع الرأي فيه هو كذا، وكذلك معظم البنود ويطلب مناقشة ما تبقّى من البنود المتروكة لتقرير المجلس». ويضيف هذا الوزير: «مرة كان هناك قرار لدعم سعر الأرزّ، وترك لمجلس الوزراء تحديد الكمية الشهرية لكل شخص وطلب منا أن نقرر ذلك من دون أن تقدم إلينا أرقام بعدد الأشخاص الذين يجب مساعدتهم ولا كمية الأرزّ المتوافرة شهرياً. وكان خط التلفون مفتوحاً بين رئيس الوزراء ورئيس الدولة لنقل ما يدور من نقاش، وفجأة قال رئيس الوزراء إن الكمية ستكون كذا حسب رغبة رئيس الدولة، وهكذا كان».

هذا الوضع داخل مجلس الوزراء جعلني أقول في إحدى جلسات المجلس: «إن الوزراء عندنا هم موظفون كبار عند رئيس مجلس الوزراء»، وحينئذ تظاهر رئيس الوزراء بالغضب، واعتبر ذلك إهانة للوزراء فقام وانسحب من الجلسة وتبعه كل الوزراء مما عطل جلسة مجلس الأمة.

بعد مدة التقيت أحد الوزراء الأصدقاء وكنا في إجازتنا الصيفية وقلت له: «الحقيقة أنني لم أقصد إهانتكم بل كنت أحاول أن أثير الموضوع وأحرّضكم على انتزاع حقوقكم». فقال لي: «يا دكتور ليس في كلامك إهانة لنا، أنت مدحتنا. فالفراش الواقف عند باب مكتبي في الوزارة أحسن مني لأنه إذا لم يعجبه العمل قدّم استقالته وذهب. وأنا مريض لا استطيع الدوام وممنوع عليّ الاستقالة. الاستقالة ممنوعة لأنها تعتبر موقفاً عدائياً من النظام. فالنظام هو الذي يعيّنك وزيراً وهو الذي يستغني عنك حين يشاء».

والأدهى والأمرّ أنه أحياناً تتخذ قرارات باسم مجلس الوزراء من دون أن يعلم الوزراء بذلك. فعندما عُيِّن الصديق جاسم العون وزيراً للشؤون الاجتماعية والعمل طرحت عليه موضوع الحل التعسفي لنادي الاستقلال فوعدني بإلغاء هذا القرار. ولكنه بعد أسبوع قال لي إن قرار الحل جاء من مجلس الوزراء وليس من الوزير وبالتالي عليكم أن تتظلموا لدى مجلس الوزراء وسوف أدافع عن حقكم في عودة النادي. بعد مدّة حوّل رئيس الوزراء الطلب إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لينضمّ إلى الطلبات الكثيرة النائمة في أدراج الوزارة في انتظار رفع قرار مجلس الوزراء بعدم الترخيص، وذلك من دون عرض هذه العريضة على مجلس الوزراء! وهكذا يتضح أن رئيس الوزراء يتخذ بعض القرارات بنفسه دون الرجوع للمجلس أو حتى إخطار الوزراء بذلك. ومرة أثرت هذه التصرفات في مجلس الأمة، فقال مشاري العنجري وكان وزيراً للعدل إنه سوف يستقيل حالاً من مجلس الوزراء لو تأكد من ذلك. لم أردّ عليه، وكان الشاهد موجوداً في المجلس، وأقصد جاسم العون، لأنني لو رددت عليه لقدّم استقالته وخسرناه كوزير ممتاز أخذ يعمل بجد لتعزيز استقلالية القضاء التي هي أمر أساسي لأي نظام ديمقراطي.

هذا ما اكتشفه يوسف النصف عندما دخل الوزارة وهو ما جعله يستقيل بعد بضعة أيام من مزاولته العمل.

أما السلطة التشريعية فقد تمّ تشويهها بشكل يكاد يكون كاملاً، فعَمِلَ النظام بتخطيط محكم على إفساد هذه المؤسسة وجعلها مسرحاً لنواب الخدمات التابعين للنظام، وأجج النعرات القبلية والطائفية وأصبح لها التأثير البالغ في الانتخابات بالرغم من توسعة الدوائر الانتخابية. كل ذلك حصل بعد أن تمكن النظام من شل كل مؤسسات الدولة حتى أصبح المواطن عاجزاً عن تحقيق أبسط حقوقه ليقع أسيراً لقوى الظلام والفساد، وهو مما سوف يتم تناوله في هذا الجزء من الذكريات.

أين أصبح الدستور اليوم؟

بعد تعطيل دستور 1962 جاءت المحكمة الدستورية لتضع لنا دستوراً آخر في منتهى الخطورة. فعندما طلب بعض الأعضاء في مجلس 1981 تقديم كل القوانين التي صدرت في فترة العطلة لعرضها على المجلس، رفضت الحكومة ذلك وأحيل الموضوع إلى المحكمة الدستورية للبتّ في هذا الموضوع. وهنا كانت الفاجعة. فالمحكمة مع أنها أقرّت بأن هذا الأمر لا يخضع لولايتها لأنه خارج على الدستور وقانون المحكمة الدستورية فإنها أقرّت حق الحكومة غير الدستورية في أن تشرّع ما تشاء، وهذا لا يتطلب موافقة المجلس حين انعقاده كما يحصل للتشريعات التي تصدر أثناء عطل المجلس المعتادة.

فهناك قوانين أقرّت أثناء تعطيل الحياة الدستورية كما تنص على ذلك المادة (71) من الدستور، وهي سارية المفعول وتفعّلها الحكومة حسب الحاجة. وهناك دستور آخر فرضته الأحزاب الدينية بالتعاون مع النظام الذي يشاركها العداء لدستور 1962. وهو دستور يستند إلى جعل الشريعة -كما تفهمها هذه الأحزاب- الدستور الوحيد لهذا البلد. لقد وصل الأمر إلى أن القوانين التي تقدم إلى المجلس بدل أن تعتمد على مواد الدستور والقوانين تكون في ديباجتها مستندة إلى الشريعة وكأن شريعتهم موافق عليها. وشريعتهم هذه متناغمة مع شريعة الجاهلية المعادية للمرأة والديمقراطية والحرية. بل إنه قد بلغ الحد من استباحة الدستور وتهميش دور المجلس بقراره أخيرا بإنشاء لجنة برلمانية دائمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب المفهوم المعتمد في أماكن أخرى، وهو المفهوم الذي جعل هذه الهيئة في المملكة السعودية تمنع الفتيات الصغيرات من الهروب من الحريق الذي شبّ في مدرستهن، ومنع رجال الإطفاء من دخول المدرسة لإخماد النيران لأنّ هؤلاء الفتيات لا يلبسن ملابس شرعيّة، مما أدى إلى وفاتهن حرقاً، وهو تصرّف ينافي المفاهيم الدينية والإنسانية وأدّى إلى تشويه صورة المملكة السعودية بل صورة الإسلام. وبالرغم من فداحة ما حصل لاتزال هذه الهيئة تتصرّف كما لو أنها سلطة فوق المجتمع وفوق كل سلطة ولم تُتخذ الإجراءات اللازمة بحقّ من قام بهذا العمل الشنيع.

وصرنا نرى أفرادها يتدخلون في مراقبة برامج التعليم والإعلام والكتب، ويحرمون كل نشاطات رياضية أو فنّية في المدارس، لتحويل الكويت إلى حكومة طالبان كويتية تحت رعاية وتشجيع النظام.

هنا أريد أن أناقش ما يطرح عن شعبية الأحزاب الوطنية والقومية على الساحة العربية. لأني أعتقد أن في ذلك تشويهاً للواقع، فالشارع العربي الديمقراطي الوطني موجود إلا أنه يفتقر إلى القيادة الشعبية الديمقراطية الوطنية. وهو يظهر قوته في كثير من المناسبات. ولكي لا أتهم بالتنظير والمبالغة، سوف أستعرض الواقع الكويتي لأدلل على ذلك وعلى ضحالة تحليل بعض المراقبين.

انتخابات مجلس (81) ظروفها معروفة كما سيرد في هذا الكتاب. وقد كتب ميشال أبو جودة في عموده المشهور بجريدة النهار البيروتية يعلن فيه قدوم العدسانية في الكويت وهزيمة الخط القومي. وهو يشير إلى سقوطنا في الانتخابات ونجاح التيار الإصلاحي الحكومي في إيصال محمد العدساني رئيساً لهذا المجلس. وهو كما يبدو لا يعرف محمد العدساني جيداً. هذا الرئيس معروف عنه وطنيته واستقلاليته ونزاهته وهذه صفات ملاصقة لهذه العائلة الكريمة في جميع المواقع التي احتلتها، سواء في سلك القضاء أو في البلدية وكذلك في بقية مرافق الدولة. ومعروف عن محمد العدساني أنه مستقل لا يحب الارتباط بأية مجموعة. ولا يجوز أن يحمل هذا الموقف تفسيرات تسيء إليه. هذا التحليل سقط كلياً في انتخابات مجلس 85. فالأحزاب الدينية تقلص وزنها بشكل كبير ولم يوفق محمد العدساني في هذه الانتخابات ولا أستبعد أن يكون ذلك لسبب دوره في عرقلة خطة الحكومة لتعديل الدستور. ولعله من المفيد أن أذكر حادثة تدلل على سطحية معظم الصحافيين عندنا مقارنة ببعض الصحافيين العالميين. لقد كانت انتخابات (1981) مهمة للمراقبين الدوليين لمعرفة مزاج الشارع العربي. فالكويت هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تتمتع بحرية نسبية تساعد المراقبين على معرفة نبض الشارع العربي. لذلك كانت التغطية الإعلامية كبيرة وتدفق على الكويت مجموعة كبيرة من الصحافيين وجاء معظمهم إلى مقرنا في مجلة «الطليعة» ليسمعوا وجهة نظرنا في ما حصل. أحدهم طلب إلينا أن نعطيه الأرقام التي حصلنا عليها في الانتخابات ومقارنتها بالأصوات التي حصل عليها منافسونا الذين فازوا. ولما رأى أن الفارق كان ضئيلاً (محمد مساعد الصالح سقط بسبب أربعة أصوات فقط) نهض مغادراً القاعة معلقاً: إن القول بأن الحركة الوطنية قد انتهت كلام فارغ. كذلك فإن الحركة الوطنية عندما تصدت لحل المجلس عام 1986 بعد عودتها مظفّرة في انتخابات مجلس (85)، استطاعت أن تجند الشارع الوطني بشكل رائع مما أجبر الأحزاب الدينية على محاولة تسلق هذه الموجة العارمة بعد أن رفضت ثم تردّدت في المشاركة كما هو موضح في موقع آخر.

وها هو الشارع الشبابي يحقق الانتصار تلو الآخر عندما بدأ ينظم صفوفه كما هو مفصل في آخر الكتاب.

الشارع العربي الوطني الديمقراطي موجود، وهو بحاجة إلى قيادة شابة جديدة تنظم عمله ليحقق الانتصارات التي تطمح إليها هذه الأمة، وتحمي هذا الشباب من الوقوع في شرك الأحزاب التي تجرّه إلى الوراء وتمنعه من التقدم ومواكبة التغيرات الهائلة التي يشهدها العالم.

مجلس 1981

انتخابات مجلس 1981 كانت في منتهى الصعوبة لنا بسبب عوامل عدة:

أولاً: التقسيم الجديد للانتخابات وتفتيت جهودنا في حملتنا الانتخابية. فبدل التركيز على مناطق قليلة محددة أصبح لزاماً علينا التحرك في مناطق انتخابية عدة، وتحديد منطقة لكل مرشح من مرشّحينا.

ثانياً: الحرب العراقية- الإيرانية وما سببته من انقسام طائفي بغيض وموقفنا غير المؤيد لهذه الحرب المدمرة، مما سبب تصادماً بيننا وبين الكثيرين الذين اعتبروها حرباً طائفية ضد السنّة وآخرون اعتبروها حرباً قومية عنصرية فارسية ضد العرب. وهكذا اجتمع الطائفيون والعنصريون وأعداء الديمقراطية في حلف مقدس ضدنا يقوده حارس البوابة الشرقية «الزعيم الفذ صدام حسين»، وكانت الأغلبية من الكويتيين يتبارون في دعم صدام مادياً وإعلامياً وأصبحت بغداد كعبتهم الجديدة، متحدّين بذلك الشعب العراقي الذي لاقى كل أصناف العذاب من قتل جماعي وإرهاب وانتهاك أعراض لم يعرف التاريخ المعاصر له مثيلاً. كذلك أثير موضوع مسجد شعبان في نسخته المشوهة الظالمة كدليل على تنكّرنا لقوميتنا ومذهبنا.

ثالثاً: نزول الأحزاب الدينية إلى الساحة الانتخابية لأول مرة تحت شعار محاربة الكفار الملحدين أعداء الإسلام الذين هم نحن كما يؤكدون من دون خوف من الله أو تأنيب ضمير، معتبرين أننا سبب كل المصائب التي حلّت بالكويت مستغلين المساجد والإذاعة والتلفزيون ومناهج التعليم، وكل هذه وضعها النظام تحت تصرفهم، حتى أن زعيمهم خطيب مسجد كيفان لم يتردد في شتمي شخصياً في خطبة الجمعة واتهامي بأنني ربيت الشحم الذي على جسدي من الأموال التي سرقتها من الفقراء الذين يترددون على العيادة للعلاج! كل ذلك بدعم ومباركة من النظام!

رابعاً: مسرحية سوق المناخ والهستيريا التي صاحبت فورة سوق الأوراق المالية والأرباح الخيالية التي حققها البعض، فاندفع الجميع إلى هذا السوق تاركين أعمالهم ووظائفهم بعد أن رهنوا كل ما عندهم من ممتلكات. وكلما بدأ السوق بالاهتزاز قام رئيس الوزراء بزيارة السوق المبخّر بأطيب أنواع البخور لتطمين المتداولين، وضخت الحكومة ما عندها من مال في هذا السوق لإخراجه من غرفة الإنعاش. وصارت الدعاية الانتخابية تركّز على أن نجاحنا في الانتخابات سوف ينهي هذا العرس الجميل. لذلك لا بدّ من منعنا من الوصول إلى المجلس. بالطبع النهاية الكارثية لهذه المسرحية أصبحت معروفة للجميع.

خامساً: الرشاوى التي دفعها حرامية المال العام، والتي أغرقت الدوائر الانتخابية، سواء أكانت هذه الأموال عامة عن طريق تلبية بعض مطالب المنطقة من الدولة أو خاصة لشراء الأصوات.

سادساً: وسائل الترغيب والترهيب التي يمارسها النظام في كل مناسبة.

سابعاً: أمراض الحركة الوطنية المزمنة في التفتّت والصراع ووقفة الخواطر بيننا وبين مجموعة التجار الوطنيين. فلأول مرة تجنّد جريدة «القبس» من خلال مقالاتها الافتتاحية مدة (14) يوماً في مهاجمتنا بشدة لتقول إننا المسؤولون عن كل مصائب البلد بما في ذلك رداءة الخدمة في وزارة الصحة!! ذلك بالطبع لم يكن بإجماع كل أصحاب الصحيفة المختلفين في أمزجتهم السياسية.

كل هذه العوامل ساعدت في إبعادنا عن المجلس، ود. خالد الوسمي هو الوحيد الذي نجح بأعجوبة.

لقد اعتقد النظام أنه حقّق الانتصار الذي يريده لتعديل الدستور في مجلس النواب، فقد اتضح له أنه حصل على (44) نائباً وهو العدد المطلوب لتعديل الدستور، أي لإلغائه، بعد أن فشلت كل مشاريعه السابقة. ولكن «تجري الرياح بما لا تشتهي السفن».

هذا المجلس لم يكن طيّعاً كله كما توقّعه النظام، ففي الأسبوع الأول أثير موضوع المراسيم التي صدرت أثناء فترة الحل، ولما طالب أحمد السعدون بعرضها على المجلس كما ينص الدستور على ذلك رفضت الحكومة هذا الطلب، فنشأت مشكلة وأدت إلى حل وسط هو تحويل مراسيم معيّنة إلى المجلس لأهميتها واحتفظت الحكومة بحقها برفع الأمر إلى المحكمة الدستورية، كما تم التغاضي عن الأمر الأميري بتولية الشيخ سعد العبدالله ولاية العهد مع أن الدستور يلزم عرضه على مجلس الأمة للموافقة عليه حتى يكون هذا الأمر الأميري نافذاً بعد أدائه القسم الدستوري أمام المجلس.

الحكومة من جهتها رأت أن هذه المراسيم ليست كالمراسيم العادية التي تصدر خلال عطلة المجلس أو حل المجلس دستورياً وبالتالي ليس هنالك نص دستوري يلزمها بذلك.

كان حكم المحكمة الدستورية في هذا الموضوع غريباً ومتناقضاً. فالمحكمة تقول إنها مقيدة بالدستور وبقانون المحكمة الدستورية، ولأن هذا الإجراء جاء من خارج الدستور وقانون المحكمة الدستورية فهي أي المحكمة ليست لها ولاية على هذا الموضوع لأنه خارج عن سلطاتها. وهذا هو الكلام الصحيح المقبول إلا أنها للأسف الشديد لم تكتف بذلك بل أضافت أن هنالك حكماً قائماً له الحق بإصدار ما يراه مناسباً من قوانين، وهي بذلك قد خرجت عن وظيفتها واتخذت موقفاً سياسياً لا يسمح به. فكان عليها أن تقول إن هذا موضوع سياسي تحله السلطات السياسية في البلد. قرارها هذا أعطى الشرعية لقوانين غير دستورية ونحن ما زلنا نعاني من جراء ذلك، فالحكومة إلى هذا اليوم تستند إلى هذا القرار بتطبيق هذه القوانين الشائنة في الوقت الذي تراه مناسباً.

لكن رغم أن العناصر الوطنية كانت قليلة في هذا المجلس فقد قاومت هذا التعديل للدستور حسب إمكاناتها عندما اتضح لها أن هذه التعديلات هي في معظمها التي قدمت إلى لجنة تنقيح الدستور والتي تم رفضها شعبياً ومن لجنة تنقيح الدستور التي قُدّمت إليها.

 

غداً: انتخابات 1985 وعودة الوعي

back to top