الكويت من الدولة إلى الإمارة - الدكتور أحمد الخطيب يتذكر - الجزء الثاني (12)

نشر في 14-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 14-09-2008 | 00:00
وثيقة أبناء الصباح تشخص الخلل وتحدد العيوب وتؤكد ضرورةَ حيادية الحكم
إهداء إلى شابات وشبّان الكويت الذين يعملون على إعادة الكويت إلى دورها الريادي في المنطقة.

إلى أولئك الذين يسعون إلى بناء مجتمع ينعم فيه المواطن بالحرية والمساواة تحت سقف قانون واحد يسري على الجميع، ويكون هدفه إطلاق إبداعات أبنائه وليس تقييدها باسم المحافظة على عادات وتقاليد هي جاهلية في طبيعتها ولا تمتّ بصلة إلى الدين ولا إلى ما جبلت عليه الكويت منذ نشأتها من تعلّق بالمشاركة في السلطة، ثم الالتزام بدستور 62 الذي قنن هذه الطبيعة الكويتية.

إلى الشابات والشبّان الذين يحلمون بمستقبل مشرق للكويت يعيد دورها الرائد في محيطها، كي تنضم إلى عالم العلم والمعرفة الذي أخذ ينطلق بسرعة هائلة لا مكان فيه للمتخلّفين.

إلى هؤلاء جميعاً أهدي هذا الكتاب.

تحرير الكويت

لقد كان واضحاً أن صدام حسين وقع في الفخ، وأن الأميركان لم يكونوا على استعداد لإيقاف الحرب المتوقعة، وأن أي وساطة في الموضوع يجب القضاء عليها. وهذا ما اكتشفه الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد في محاولته التوسط لحل هذه الكارثة، مما اضطره إلى قطع رحلته والعودة للجزائر. (تفاصيل هذه الوساطة مذكورة في مكان آخر من الكتاب).

بعد ثلاثة أسابيع من احتلال الكويت اتصل بي فريد هاليداي وكان قد رجع لتوه من أميركا وأخبرني أن الأميركان يريدون هذه الحرب لسببين: أولاً لأنهم لا يريدون دولة نفطية في المنطقة تكون لها قوة، وثانيا لأنهم يعتقدون أن العراق سيكون قادرا بعد فترة وجيزة على تهديد أمن إسرائيل. ولهذين السببين ستقع الحرب وليس دفاعاً عن الكويت. وهذا يجعلك تفهم موقف السفيرة الأميركية غلاسبي الغامض عندما قالت لصدام: إن هذه شؤون عربية لا نتدخل بها لكن لا ننصحك. ثم جاء كروكر وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط إلى الكويت بعد زيارة بغداد وتحدث بنفس طريقة غلاسبي. الاثنان لم يهددا صدام ولم يردعانه عن غزو الكويت، وإنما تركا الباب مفتوحاً حتى يدخل للقضاء عليه. لقد كانوا يريدون ضرب القوة العسكرية العراقية وعلى رأسها صدام وهو أهوج لم ير العاقبة. غلاسبي سكتت طويلاً وفي بداية هذا العام أنكرت ما قيل عنها! ولكن هذا الرأي عبّر عنه عدد كبير من الشخصيات السياسية من رؤساء ووزراء تحدّثوا عن تلك الفترة.

وقد دار سؤال بعد الغزو عن سبب رفض السعودية دخول قوات سعودية لتحرير الكويت والتصدي للقوات الغازية، حتى أتى تشيني بالخرائط ليريهم أن الدبابات العراقية متجهة إلى السعودية وأن صدام لن يتوقف عند احتلال الكويت. وحينئذ فقط وافق السعوديون على نزول قوات التحالف في الأراضي السعودية. وكان شرط الملك فهد أن تخرج القوات الأميركية من السعودية فور تحرير الكويت فوعده الأميركان بذلك.

في الثلاثة أيام الأولى لم يكن هناك أي إشارة إلى احتلال الكويت في الإعلام الخليجي. وقد قال لي أحد الصحافيين الخليجيين إنه منع من نشر أي خبر عن الغزو حتى ولو كان نقلاً عن وكالات الأنباء العالمية. ولم تبدأ معظم الصحف الخليجية نشر أخبار احتلال الكويت إلا بعد ثلاثة أيام حين صُرِّح لها بالنشر.

والحقيقة أن غزو العراق للكويت كان صدمة موجعة لأكثر الكويتيين الذين لم يبق شيء في مقدورهم لم يفعلوه لدعم العراق في حربه مع إيران. فقد كان الدعم المالي والأدبي والإعلامي سواء من الناس أو الحكومة قد فاق كل التصورات. كانت الكويت حذرة في التعامل مع القضايا الصدامية بين الأطراف في المنطقة وتتحسب للنتائج بحيث لا تُحسب على طرف ضد آخر. ولكنها في الحرب بين إيران والعراق كانت مندفعة خلف صدام حسين. ولنفترض أن الكويت أخطأت بحق العراق، أياً كان هذا الخطأ، فهذا ليس مبرراً لاحتلال البلاد. فلو أن أي بلدين يحدث بينهما خلاف يقوم أحدهما باحتلال الآخر فإن هذا يصبح كارثة، ويعني هذا أن أي دولة صغيرة تختلف مع أية دولة أقوى أو أكبر منها معرضة للاحتلال، وهذا لا يجوز في أي عرف ولا أي قانون. هذا المبدأ خطير. وكان بإمكان العراق أن يشتكي الكويت إلى جامعة الدول العربية أو الأمم المتحدة أو محكمة لاهاي الدولية أو تكليف وسطاء لحل الإشكال. كان يمكن حل أي إشكال بين الكويت والعراق بالطرق السلمية، ولم يكن هناك مبرر للحرب أبداً. وكما يبدو فإن صدام انفرد باتخاذ القرار من دون مشورة أحد من القيادة. من كان يستطيع معارضة صدام وهو يعلم أن مصيره الإعدام؟

ولو افترضنا أن هناك محاولة لجر العراق إلى دخول الكويت فإنه يفترض ان القيادة العراقية لديها الوعي الكافي لإدراك هذا الفخ، ولكن العنجهية وسوء التقدير اللذين سيطرا على صدام أدخلاه في هذه المعركة الكارثية بتأثيراتها وانعكاساتها. أو ربما يكون قد فهم بطريق مباشر أو غير مباشر أنه لو احتل الكويت فلن يتعرض لأي عقاب. وأعتقد أنه إذ لم يجد من يردعه في حربه مع إيران والكل كان يصفق له وحظي بدعم عسكري ومعلوماتي من أميركا ظنّ بعنجهيته المعروفة أنه يستطيع تكرار العملية في الكويت وهي بالنسبة له عملية أسهل وأدسم. وأي فرد يعترض على خططه الحربية أو توجهاته السياسية كان يعدم وبالتالي فإنه تفرّد بالقرار وجرّ العراق إلى الهاوية.

لقد كان بإمكان صدام بحالة الرعب التي خلقها في المنطقة بعد انتصاره على إيران أن يفرض إرادته على الدول الخليجية من دون اعتراض.

لمّا دعت السعودية إلى اجتماع الطرفين في الرياض لم يكن الشيخ سعد العبدالله مدركاً خطورة ما يحدث، ولذلك بعد الاجتماع الساخن مع الوفد العراقي ترك الاجتماع وذهب لأداء مناسك العمرة. ولولا أن الأمير استدعاه للعودة بسرعة لبقي هناك.

وقد تقدم صدام حسين بعرض للأميركان أثناء احتلاله للكويت حمله ياسر عرفات، وقد اطلعت على تفاصيله من أوساط فلسطينية عندما كنت في لندن. كان صدام عرض أنه مستعد لتنفيذ السياسات النفطية التي يريدها الأميركان في مقابل أن يستولي على الكويت وقد رفض الرئيس بوش تسلم العرض.

بعد دخول قوات التحالف إلى الكويت، تشكّلت ميليشيات حكومية تحت قيادة شباب من الصباح وأشاعت الرعب في البلد، وأعدمت بعض الوافدين والفلسطينيين، ومنهم من قدم خدمات مهمة إلى الكويتيين أثناء الاحتلال من دون أي تحقيق دقيق أو محاكمة. وفي اليوم الثالث من التحرير جرت محاولة فاشلة لاغتيال النائب حمد الجوعان، وقد أصيب على أثر ذلك بشلل دائم. هنا رأت العناصر الوطنية أنها مستهدفة وليست هنالك سلطة مسؤولة عن الأمن، فلجأت إلى قوات التحالف طالبة الحماية من هذه العصابات المسعورة. وكان الهدف من كل هذه الأعمال كسر معنويات الصامدين الذين لم يكن غضبهم على السلطة سراً لمسؤولية هذه السلطة عن المعاناة التي تحملوها تحت الاحتلال. فلما رجع الشيخ سعد العبدالله إلى الكويت بعد أن سبقه بعض الوزراء للاطمئنان على الوضع قابله السفير الأميركي، وكما تسرب من معلومات فقد أنذره وطلب منه حل هذه الميليشيات المنفلتة حالاً وإلا... مما سبب له إزعاجاً شديداً تجلى بوضوح عند حضوره لقاء مع بعض الصامدين كان قد رُتّب من قبل. وقد عقد هذا الاجتماع مباشرة بعد لقائه العاصف مع السفير الأميركي في الكويت.

هذا الاجتماع كان سعد العبدالله قد طلبه عبر جاسم العون من بعض رجالات الكويت من الصامدين ليبحث معهم أمور البلد، وكانوا قد اشترطوا أن يكون الاجتماع خاصاً مختصراً وأن يكون مستعداً لسماع رأيهم الصريح من دون زعل. وافق الشيخ سعد العبدالله على هذا الاجتماع، وحدد أسماء المدعوين عبدالله المفرج، ويوسف النصف، ومحمد العدساني، وخالد السلطان، وأحمد باقر، واستثنى عبدالله النيباري، إلا فاجأهم باصطحاب نحو (40) شخصاً من مؤيديه، وبعد أن هدأ قليلاً قال إن الدستور والديمقراطية لا يصلحان لنا وإنه يريد منهم أن يضعوا صيغة جديدة. هكذا برهن على أن الحديث عن الالتزام بالدستور في مؤتمر جدة كان من باب الخدعة لا أكثر ولا أقل. هنا انبرى بعض الذين أُتي بهم لتأييده ومهاجمة الدستور والديمقراطية والتصفيق له كلما ندد بالديمقراطية. لقد كان ليوسف النصف دور مميز في هذا الاجتماع، فقال إن هذه «الجمعة» الكثيرة لا تصلح للحوار، وقال ما معناه إن الحاكم لا ينصح بالعلن حتى لا تخدش هيبة الحكم إنما بالسر، وطلب فض الاجتماع لأن الوقت رمضان وهم صائمون ومتعَبون، واتفق على اجتماع آخر في اليوم التالي. وفي اليوم التالي استؤنف الاجتماع بالروحية نفسها مما دفع يوسف النصف إلى القول إنه لا داعي لمواصلة المراوغة، مما أزعج الشيخ سعد العبدالله الذي أصر على إلغاء الدستور وقال: «إذن اذهبوا إلى الأمير».

فقام وفد بمقابلة الأمير في ديوان البابطين من دون فائدة. وهكذا تبخّرت كل وعود مؤتمر جدّة.

هنا رأت القوى السياسية أن تصدر بياناً بعنوان «رؤية مستقبلية لبناء الكويت» بتاريخ 31 مارس 1991م تؤكد فيه تمسكها بالديمقراطية ودستور 62 وعقدت مؤتمراً صحافياً في فندق هيلتون لطرح وجهة نظرها هذه، لكن في بداية المؤتمر تم قطع الكهرباء عن الفندق فعقدت الاجتماع في ديوان أحمد السعدون.

أعادت الحكومة الحياة إلى المجلس الوطني المنحلّ (بدل مجلس الأمة) ضاربة عُرْضَ الحائط بكل عهودها السابقة.

وقد جاء الردّ بأن تنادى النواب (30) إلى عودة نشاط ديوانيات الاثنين لمواجهة هذا التعنت الحكومي.

هنا شعرت الإدارة الأميركية بخطورة هذا التحرك لأنه يفضح ادعاءها لشعبها والكونغرس الأميركي أنها قاتلت لتحرير دولة ديمقراطية مستقلة، لا مشيخة قبلية كما يقول صدام، وخصوصاً أن الانتخابات الرئاسية على الأبواب. فطلبت الإدارة الأميركية إجراء الانتخابات لمجلس الأمة قبل انتخابات الرئاسة الأميركية في أوائل شهر نوفمبر وهكذا تمت دعوة الناخبين الكويتيين لانتخاب مجلس الأمّة الكويتي يوم 4/10/1993 أي قبل شهر واحد من الانتخابات الأميركية.

وثيقة أبناء الصباح من الصف الثاني

تفرُّدُ الشيخ سعد العبدالله بالسلطة وتجاهلُه حتى لعائلة الصباح وتدهور الأوضاع في البلد، حمل مجموعة من عائلة الصباح على التحرك.

بتاريخ 13/07/1992 أصدرت مجموعة من أبناء عائلة الصباح وثيقة علنية لخصت فيها وجهة نظرها في الأوضاع الراهنة وحددت مكامن الخَلَل وقدمت برنامجاً لإصلاح شامل. وأهم ما ورد في المذكرة هو الحديث عن الإخلال بالصيغة الكويتية للحكم التي تميزت بالتشاور بين النظام والشعب والتي أدّت إلى وضع دستور 1962 الذي قنن هذه الصيغة. وكيف أن الحكم قد أخلّ بهذه الصيغة وألغى الدستور وحصر ولي العهد ورئيس الوزراء كل الصلاحيات لنفسه متجاهلاً حتى التشاور مع عائلة الصباح، مما كان السبب الأساسي لتدهور الأوضاع في الكويت وتعرضها لكوارث تاريخية متعددة (انظر نص المذكرة).

لقد لقيت هذه المذكرة ترحيباً كبيراً من فئات الشعب التي أغضبها تجاهل النظام للوعود التي قطعها على نفسه في مؤتمر جدة. إضافة إلى الأوضاع الفاسدة. فقامت السلطة، عبر جماعاتها، بحملة في بعض دواوين الكويت متهمة هؤلاء الشباب بالجهالة وبالتطاول على رمز العائلة- رئيس الحكومة. وتصادف أني كنت موجوداً في إحدى الديوانيات حين كان أحد الوزراء السابقين يشن حملة شعواء على هؤلاء الشباب. وقد كان هذا الوزير «حافياً» عند دخوله الوزارة وخرج منها بعد ست سنوات من أصحاب الملايين الكثيرة في الكويت!

تعليق للدكتور أحمد الخطيب

في تعليق للدكتور أحمد الخطيب على ما أثير بشأن ما جاء في الحلقة التاسعة من ذكرياته المنشورة بجريدة «الجريدة» بتاريخ 8/9/2008 جاء ما يلي:

لقد أشرت الى الموقف الوطني التاريخي لنواب قبيلة العوازم بإسقاط محاولة تنقيح الدستور في مجلس 1981، احقاقاً للحق، وشهادة للتاريخ. فنواب هذه القبيلة الكريمة، قد سجلوا لهم ولقبيلتهم موقفاً وطنياً خالداً، بالحفاظ على الدستور وحمايته. وهو المطلب الذي اجمع عليه الكويتيون بكل أطيافهم، وانتماءاتهم، واصولهم. وكان هذا هو بيت القصيد، والهدف الحقيقي من ايراد هذه الفقرة.

وإذا كان قد فهم خطأ ان اسلوب الصياغة قد يفسر على غير قصده في وصف الحال قبل الدستور. فقد كان واضحا ان ذلك كان شاملا للجميع. فقد اكدت بنفس الفقرة: ان تلك كانت هي حال جميع المواطنين العاديين، وسائر ابناء القبائل. ومع ذلك، ورغم ذلك، فقد تم حذف هذه الفقرة من النسخة النهائية للكتاب الماثلة للطبع.

وثيقة أبناء الصباح

بسم الله الرحمن الرحيم

13/07/1992

في الثاني من أغسطس 1990، زحفت الجيوش العراقية لتحتل الكويت، في أكبر كارثة سجّلها تاريخنا منذ نشأة البلاد وتكوينها، وحلَّ بنا ما حلّ خلال سبعة أشهر متواصلة انتهت خلالها الدولة الكويتية الأولى.

فمنذ أن استقر نفر من العتون في أرض بن عريعر بدأت لحظات شروق الأمل في الاستقرار والتوطن وتلمس مواطن الأرزاق في البر والبحر، وبذلك الاستقرار غرس الأجداد نواة تكوين الدولة. نعم، فقد أنست تلك الفترة من الزمن الجماعة مآسي الرحلة الرهيبة اللاهثة وراء الاستقرار والرزق، تلك الرحلة التي فقدنا فيها جدنا الكبير جابر ودُفن، رحمه الله، وهو في طريق البحث عن الوطن. لقد بدأ جدنا الكبير جابر الخطوة الأولى للهجرة العظيمة. وكأنه يقول لأبنائه وأحفاده ومَنْ بَعدَهُ، لقد سرت بكم من التبعية إلى السيادة، ومن التنقل إلى التوطن، ومن الفقر إلى الغنى، ومن التشتت إلى التوحد.

وأدرك والدنا صباح الأول، رحمه الله، هذه الخطوة وفهم معانيها، فأدرك أن المسيرة لا تبدأ بدون رفاق لا تقل رؤيتهم وتطلعاتهم وطموحهم عمّا لديه.

وتعاقب على حكم الكويت أمراء من آل الصباح نذروا أنفسهم لهذه الأمة وصارعوا الأهوال والحروب والغزوات والصراعات الدولية والتكتلات حتى نجوا بالكويت وأهلها ووصلوا بها شاطئ الأمان. وبرز المؤسس الكبير المغفور له الشيخ مبارك الصباح طيب الله ثراه، وهو الذي حمى الكويت من أي غزو خارجي وحفظ الحكم فيها حتى وهو في قبره... وبتعاقب الحكام تأتي تلك الحقبة العظيمة في تاريخ الدولة الأولى بحكم الشيخ عبد الله السالم، رحمه الله، الذي خطا الخطوة الجبارة الثانية لتكملة مسار أسلافه في التطلع إلى الدولة الحديثة المستقرة والتي تُوِّجت بالعقد السياسي والاجتماعي بين الحاكم والمحكوم ليثبت لشعبه وأهله حكماً مستقراً دائماً وعادلاً، تحكمه روح الشريعة وينظمه دستور سنة 1962، حتى أصبحت الكويت في عهده عضواً دائماً وعاملاً في المجتمع الدولي... وأصبحت الكويت في الثلث الأخير من القرن العشرين أغنى دولة في العالم، وعنصراً أساسياً في نموه وازدهار اقتصاده، ناهيك عن النمو الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي، وتكوين احتياطيات الأجيال، وشروق دولة المؤسسات والقانون. لكن هذا الازدهار لم يستمر كثيراً، وسرعان ما بدأ العد التنازلي، ولم تعد الكويت متبوئة مركزها الذي عرفت به في عالم المال، وكثرت تبعية تحمل النظام للأداء الحكومي، واستمر التدهور حتى جاءت فاجعة الثاني من أغسطس.

لكن لطف الله كان كبيراً، ووقف العالم لنصرتنا كدولة حضارية ديمقراطية دستورية، وتمسَّكَ العالم الدولي بنا حكاماً نمثل الشرعية العادلة، وكان موقفه مرآة صادقة تعكس تمسك أهل الكويت بنا قبل كل شيء وتضحياتهم بأرواحهم وأبنائهم وأعراضهم ومالهم... وتحررت الكويت والحمد الله في السادس والعشرين من فبراير، لتعود الشرعية، وكلنا أمل بأن نكون قد استفدنا من تجارب الماضي، وأن نتعاضد سوياً في بناء الدولة الثانية أكثر نضجاً وإنتاجاً وأداءً، وسوف نكون عند حسن ظن العالم الدولي والإنساني الذي ضحى لأجلنا، لكننا وبكل أسف لا نرى مجالاً لهذه الآمال ضمن الطريق الذي يسير فيه نمط التفرد بالسلطة وتحميلنا كأبناء النظام تبعية ذلك.

لقد حاول نفر من أبناء عمنا وإخواننا الاجتهاد ولم شمل الأسرة في إطار منظم دونما نتيجة... فهل يُعقل أن لا يتشاور أبناء النظام في مصيرهم وأمتهم وأن لا يجتمعوا ليبحثوا ذلك في مثل ما مررنا به من تجربة؟ وما هي الدروس التي تعلمناها، وكيف لنا أن ندافع عن قرار أو رأي لأفراد السلطة نحن لم نُسْتَشَر فيه، بل ولم نعرف عنه شيئاً من قبل؟ وهل للحكم فلسفة أو رؤية جديدة وواضحة بعد هذه المحنة؟ وهل علينا دائماً أن نضع النظام درعاً واقياً وساتراً لأخطاء الحكومة بدلاً من أن تكون هي الدرع الذي يقيه؟

إننا كشريحة من أبناء النظام الحاكم مؤمنون بأن التفرد بالسلطة ومركزيتها هما الخطوة الأولى من الطريق المعاكس لمسيرة جدنا الكبير جابر رحمه الله... ونحن مُطالبون أكثر من أي وقت مضى بإصلاح هذا المسار، وتقديم المشورة والنصح والضغط بما يحقق ذلك وضمن الأعراف والمفاهيم الدستورية والقانونية للدولة وفي إطار حقوقنا كمواطنين فيها هدفنا صيانة شرعية الحكم وهيبته والحفاظ عليه بالترفع عن الصغائر، والعدالة، والحيادية، والتطور، والرعاية، ونحن متفقون على:

أولاً: نبذ أي تمييز طائفي، أو عائلي، أو مذهبي، وأن الكويت كلّ واحد فيه المواطنون سواسية كما حدد الدستور ونظمت القوانين.

ثانياً: إننا نرفض التصنيف الفئوي للمجتمع بتمييز الكويتيين إلى درجتين وندعو إلى توحيد الحقوق والواجبات للجميع.

ثالثاً: إننا نؤمن بأن الدستور الذي اتفق عليه أهل الكويت قد أنصف الحاكم والمحكوم ولا بد من التمسك به والحفاظ عليه عقداً يجسد الشرعية والعدالة.

رابعاً: إننا نعيش في عالم متغير متطور، الإنسان محوره والمعاني الإنسانية والحضارية منهجه، ومن ثم فإن الحرية والديمقراطية مسألة تتطلب التواؤم والتلاؤم معها بعقل أكثر انفتاحاً، وبمنهج أكثر انضباطاً وحيادية.

خامساً: إننا متفقون على أن توسعة قاعدة المشاركة الشعبية وتعزيزها هدف من أهداف الحكم الأساسية وهي لا تتأتى بغير تشجيع مبدأ الانتخاب وتعميمه.

سادساً: إن الاتجاه الديمقراطي العالمي المعاصر يتطلب تهيئة واعية لمجتمع واعٍ لحقوقه وواجباته الدستورية وهذا يتطلب وعياً كاملاً لأبناء النظام- بالدرجة الأولى- وكافة الشعب بالدستور والقوانين المتعلقة بالحريات والحقوق والواجبات، وضرورة أن يأخذ الإعلام الرسمي دوراً أكبر في تحقيق ذلك.

سابعاً: ضرورة العمل على بناء دولة المؤسسات التي يحكمها نظام وبناء مؤسسي لا يتغير بتغيير الأفراد.

ثامناً: إن القانون وعدالته وحزمه صمام الأمان للمجتمع، ويجب أن يطبق القانون على الجميع ودونما تمييز أو مفاضلة، ونحن مطالبون أكثر من غيرنا بالتمسك به.

تاسعاً: إننا نطالب بالحفاظ على مدخرات الدولة وصيانتها وتطويرها، ونرفض ما تتعرض له احتياطاتنا من هدر ونزف مع بداية الدولة وندعو إلى ضبط ذلك، فالحفاظ على المال العام جزء لا يتجزأ من الحفاظ على الحكم نفسه.

عاشراً: إبعاد الحكم عن أي نزاعات أو صراعات سياسية أو انتخابية أو عائلية، بل العمل على نبذ الصراعات التي ترتقي إلى البعد العائلي أو الطائفي أو القبلي والابتعاد الكامل عن أي ساحة انتخابية نأياً بالحكم عن أي شائبة، كما أننا لا نرى مبرراً لذلك ولم يكن الحكم مستهدفاً من أحدٍ قط.

إحدى عشر: إننا مؤمنون بضرورة تشاور أبناء النظام مع القائمين على السلطة فيه ومشاركتهم الرأي في المسائل العامة والمهمة من خلال اجتماعات دورية ومنظمة.

ثاني عشر: إننا مؤمنون أن هناك احتياجات مختلفة للأسرة يتطلب بعضها المال وتحسين الوضع الاقتصادي، ولذلك ندعو لإنشاء صندوق معين من المال ليقوم بالأدوار المختلفة لمصلحة الأسرة والمجتمع.

من الموقّعين:

سالم صباح الناصر

جابر مبارك الحمد

علي فهد السالم

مبارك جابر الأحمد

ناصر صباح الاحمد

سالم العبدالله الاحمد

خالد فهد المالك

أحمد فهد الأحمد

عبدالله فهد المالك

محمد محمد السلمان

توضيح وتنويه

منذ أن بدأنا في نشر ذكريات الدكتور أحمد الخطيب في العام الماضي، كنا مدركين لسقف الجرأة والصراحة والوضوح التي تناول بها الدكتور الخطيب سرد تلك الوقائع أو التعليق عليها. وكان نصب أعيننا ما قد يترتب (قانونياً) على نشر بعض تلك الوقائع أو التعليقات، فتجاوزنا نشر بعض الجزئيات التي تضمنها الجزء الأول من كتابه «ذكريات العمل الوطني... الكويت من الإمارة إلى الدولة»، لكنها جاءت كاملة في الكتاب وقد سمحت به الرقابة بعد تردد شديد، وبعد تجنيد فريق من القانونيين لدراسة كل حلقة نشرتها «الجريدة» وإمكان إحالتها الى النيابة.

وفي الجزء الثاني من ذكريات الدكتور أحمد الخطيب مضينا في النهج نفسه، نتجاوز بعض الفقرات أو التعليقات، التي تحتمل تفسيراً قانونياً سلبياً، وهو نشر فيه شيء من التصرف الذي لا يخل بسياق السرد ولا بمضمون الكتاب. ولتباين القانون في رقابة الصحافة واختلافها عن رقابة الكتب ورقابة الكمبيوتر والمدونات كان لا بد من إيضاح هذه الحقيقة للقارئ، وأن هناك بعض الفقرات أو الجزئيات تجاوزنا نشرها لأسباب رقابية بحتة.

الجريدة

 

 

 

غداً:

معركة الانتخابات ومجلس 1992

back to top