هل ينفع الخوف حيث أخفق القانون؟

نشر في 24-04-2009
آخر تحديث 24-04-2009 | 00:00
 رزان زيتونة انشغل الإعلام السوري الرسمي وشبه الرسمي أخيرا، بظاهرة ارتفاع نسبة ارتكاب الجريمة المسلحة في مدينة حلب. الجرائم التي ارتكبت خلال الشهرين الماضيين في تلك المدينة، اتصفت بالعنف على الطريقة «الهوليوودية» والتعبير استخدم في الإعلام المحلي أكثر من مرة، كمثل جريمة قتل صائغ اقتُحم محله في وضح النهار من قبل مسلحين يحملون بنادق حربية؛ أو كالجريمة التي اقترفها مراهق بإطلاق النار على خمسة من أفراد عائلته قبل أن يقوم بسرقة المنزل؛ أو قتل نائب سابق في البرلمان وزوجته في منزلهما وفي وقت مبكر من المساء بهدف السرقة.

الوتيرة المتسارعة للجرائم، عنفها الفج وجرأتها، خلقت حالة واضحة من القلق الذي عبرت عنه الصحف والمواقع الالكترونية. الأكثر إلحاحا، كان محاولة استجلاء أسباب انفلات هذا العنف على تلك الشاكلة، وهو ما برره الإعلام المحلي بشكل أساسي، بارتفاع نسبة البطالة نتيجة انعكاسات الأزمة المالية العالمية على الصناعة السورية، خصوصا في حلب عاصمة الصناعة الوطنية، حيث أقفلت عشرات المصانع والورش الصغيرة وطرد عمالها إلى سوق البطالة.

وإن كان الوضع الاقتصادي المتدهور لشرائح واسعة من المجتمع، يلعب دورا ما في ارتفاع نسبة جرائم النشل والسرقة لإشباع الحاجات الأساسية التي لم يعد المواطن قادرا على إشباعها بطرق شرعية، فمن أين تأتي تلك الجرأة في استخدام السلاح علنا وبحد أدنى من الحذر وفقا لما تشير إليه تفاصيل الجرائم التي ارتكبت أخيرا، خصوصا في ظل قبضة أمنية تعرف بالحديدية! لا يوجد ما يشير إلى تراخيها بأي حال من الأحوال.

مرتكبو جريمة قتل الصائغ والسطو على محله، ألقي عليهم القبض بعد ساعات، وأحيلوا قبل أيام إلى المحكمة الميدانية العسكرية؛ محكمة استثنائية، بل إنها استثناء على الاستثناء، فإجراءاتها بالغة السرية، ولا يسمح للمتهمين بتوكيل محامين وأحكامها غير قابلة للطعن فضلا عن أن أحكام الإعدام فيها شائعة. هذا مع أن ما أثير من تفاصيل الجريمة، حتى الآن على الأقل، لا يمت بصلة إلى الجرائم المفترض أن تندرج تحت عنوان الجرائم ضد أمن الدولة. ومع ذلك، فالإجراء ليس بمستغرب. المحكمة نفسها، أصدرت أحكاما بالإعدام ضد خمسة مجرمين في المدينة نفسها، قبل أكثر من عام، ويومها، نفذت الأحكام علنا في ساحة عامة تغص بالحضور.

من الواضح أن مثل تلك الإجراءات تهدف إلى إعادة الهيبة لمشاعر الخوف والردع التي من شأنها أن تكبح مثل تلك الجرائم العنيفة والفجة، ولو كان الهدف إعادة الهيبة لقانون تجري استباحته علنا وفي وضح النهار من قبل عصابات مسلحة «ازدهرت» بسبب ظروف آنية معينة، لكان أصحابها أحيلوا إلى القضاء العادي، وكان الإعلام قام بتغطية وقائع المحاكمة بشكل مكثف وكانت الرسالة قد وصلت إلى المواطنين لإرساء الشعور بالطمأنينة في ظل سيادة القانون وعدالة القضاء.

مثل تلك المعادلة غير ممكنة عمليا. انتشار الفساد كالسرطان في الأجهزة العقابية يذهب بأي عامل ردعي للقانون الذي يستباح في كل حين، واللجوء للمنطق الأمني وإجراءات الاستثناء المطبق دائما، فيما يتعلق بقضايا الفساد والجرائم الجنائية جنبا إلى جنب مع قضايا الحريات العامة وحقوق الإنسان، يذهب بآخر ما تبقى للقانون من سلطة واحترام على السواء.

الملفت للنظر، أن دور القانون يتقهقر باستمرار، ليس فقط أمام الإجراءات الأمنية وإجراءات الاستثناء كما جرى الأمر دائما، إنما أيضا أمام التشكيلات والمظاهر الأكثر بدائية في المجتمع، كما شهدنا في «المصالحة» التي غطتها أخيرا وسائل الإعلام المحلية، بين عائلتين من مدينة حلب تحولت خلافات بينهما إلى مشاجرات وإطلاق نار وقتلى. المصالحة حصلت بمبادرة من أحد وجهاء المدينة وبرعاية من مفتي الجمهورية ومفتي حلب، و مع إتمام المصالحة وتبادل القبل، أسقط المدعون حقوقهم في القضاء!

القبضة الأمنية، استطاعت دائما وعلى نحو صارم، أن تضبط المجتمع على إيقاع رتيب تحكمه الرهبة من الخروج على النص؛ الاستثناءات على ذلك قليلة ونادرة وأخضعت لعقوبات أمنية قاسية ولاتزال، لكن إلى أي مدى يمكن لحالة الضبط تلك أن تكون فاعلة إزاء أزمات اقتصادية واجتماعية وثقافية بدأت تعبر عن نفسها بشكل منفلت وفج، وبحيث توحي أنها لم تعد فقط غير مبالية بالقانون وسلطته، بل أيضا ببدائله المطبقة على أرض الواقع منذ زمن.

* كاتبة سورية

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top