من بوش إلى أوباما أميركا تستعيد ألقها

نشر في 06-08-2008
آخر تحديث 06-08-2008 | 00:00
 بلال خبيز ربما كان سوء حظ الرئيس جورج دبليو بوش أنه تسلم الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية في لحظة فاصلة بين تاريخين. فالرئيس الأميركي الحالي وصل إلى البيت الأبيض محاطاً بفريق عمل باهر، لكن فريق العمل هذا سرعان ما غلبته الأوضاع الداخلية والخارجية بحيث أخذ أفراده ينسحبون تباعاً، من كولن باول، إلى دونالد رامسفيلد، وصولاً إلى ريتشارد بيرل وبول وولفويتز وجون بولتون. وبصرف النظر عن الدعاية اليسارية- «العالمثالثية» التي تناصب هؤلاء العداء، فإن العالمين بتاريخ الإدارة الأميركية يعرفون أن كل واحد من هؤلاء كان يضطلع بأدوار مميزة في الإدارات السابقة التي تعاقبت على البيت الأبيض منذ ريتشارد نيكسون وحتى اليوم. بل إن معظم هؤلاء كان لاعباً يُحسب له حساب في إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الأب، الذي مازالت إنجازاته الكبرى على مستوى أميركا والعالم تطبع العالم بطابعها حتى اليوم.

الأميركيون خذلوا بوش الأب في فترة ولايته الثانية لمصلحة رئيس كبير آخر هو بيل كلينتون، الذي استطاع في فترة ولايتيه الرئاسيتين أن يجعل الولايات المتحدة الاميركية عملاقاً أوحداً في العالم، بعدما كان الأميركيون في الثمانينيات يخشون من مارد صيني يستفيق من عقاله، ويحسبون لليابان والاتحاد الأوروبي ألف حساب. أحسن كلينتون وفريقه إدارة موارد أميركا على خير وجه، وفي عهده بدت أميركا مارداً لا يقاوم في أنحاء العالم كلها.

مع جورج بوش الابن، بدأت مصاعب فائض القوة الأميركية بالظهور، وبات أمر استعمال هذا الفائض على المستويات كافة خطيراً على الولايات المتحدة نفسها، مثلما يكون العجز المتمادي والمتنامي خطيراًً على أي بلد من بلدان العالم الثالث. ففي السياسة والاقتصاد والحروب، غالباً ما يكون الفائض خطيراً على مالكه مثل النقص والعوز تماماً. والأرجح أن معضلة بوش الابن تمثلت منذ البداية في رده المباشر على الهجمات التي تعرضت لها أميركا في 11 سبتمبر من عام 2001. إذ تصرف الرئيس الأميركي وفريق الإدارة اللامع والنبيه رداً على تلك الحرب كما لو أن اميركا تحولت فجأة إلى دولة كبرى، في وقت كانت تبدو في عهد كلينتون كما لو أنها اكبر من أن تكون دولة. لهذا حاول كلينتون أن يسبغ عليها صفة الحكم، فاتسم تدخله في البلقان بسمة من يقدم خدمة للعالم لا مصلحة لأميركا فيها، وأتى الدعم المالي للمكسيك إبان انفجار أزمة السيولة فيها ليظهر أميركا كما لو أنها مخلص العالم من أزماته. والسلوك نفسه كان متبعاً في معالجة موضوع الفوضى الروسية. لكن بوش الابن عاد بأميركا إلى ما قبل حقبة الحرب الباردة، بل ربما إلى ما قبل «بيرل هاربور»، حيث بدت أميركا تحت قيادته دولة عادية من الدول الكبرى.

لكن الموارد الأميركية كانت تكذب اتجاه بوش الابن على الدوام. فلم تتحول أميركا إلى دولة كبرى بين دول كبار، بل استمرت تحرك العالم بحسب اتجاهاتها. والأرجح أن الرئيس بوش وفريقه فشلوا في فرض منطقهم على العالم أجمع، لأنهم قدموا مصالح أميركا الآنية على مصالحها الجوهرية والبعيدة المدى. كان على أميركا أن تنقذ العالم في عهد كلينتون، وصار لزاماً عليها أن تنقذ نفسها في عهد بوش.

لكن موارد أميركا استمرت في التعاظم، وبات العالم من دون أميركا السابقة أكثر خطراً على أميركا نفسها وعلى العالم برمته. هكذا كان لابد من بروز شخصية باراك أوباما بأبعادها الرمزية كلها، ليعيد لأميركا ألقها وغابر وزنها المعنوي. ذلك أن أوباما يمتلك من المواصفات الشخصية ما يتيح لأميركا مرة أخرى أن تعبر عن وزنها الحقيقي. فهو أول رئيس أسود لدولة كبرى، وهو أيضاً أول رئيس لم تتقطع أواصر النسب بينه وبين البلاد التي هاجر منها، وهو أيضاً من أصول اسلامية، مما يجعله فعلاً رئيساً لأميركا التي يجدر بها أن تقود العالم.

هذا كله، لم يكن ليتحصل لأوباما نفسه، لولا أن الولايات المتحدة، شعباً ومؤسسات، أدركت أنها لا تستطيع مواصلة سياسة جورج بوش الابن، بوصفها أكبر دولة في العالم. بل إن أميركا أدركت باختبار المحن أنها أكبر من أن تكون دولة كبقية الدول، وأن مشروعها شاءت أم أبت يطاول زوايا الكرة الأرضية كلها.

لهذا كله يجدر بالمعترضين على سياسة جورج بوش اليوم ألا يفرحوا كثيراً بوصول أوباما إلى البيت الأبيض، فهذا رئيس سيكون ساحقاً لأعدائه، مثلما كان سلفه كلينتون، بل وسيكون مطلب التدخل الأميركي المعترض عليه اليوم، مطلباً شعبياً في البلاد التي تقاتل الجيش الأميركي اليوم وتستعد لمقاتلته غداً.

* كاتب لبناني

back to top