الأمم المتحدة: حل الأزمة بحزم إنعاش مالية ضخمة منسقة دولياً دعت إلى مزيد من الخفض في أسعار الفائدة

نشر في 05-02-2009 | 00:00
آخر تحديث 05-02-2009 | 00:00
No Image Caption
قد تدخل الدول المتقدمة في حالة من الركود الاقتصادي العميق هذا العام، مع انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي إلى 5 في المئة، كما سيتباطأ النمو الاقتصادي للدول النامية إلى معدل 2.7 في المئة، وهو معدل خطير للانخفاض.

يغوص الاقتصاد الدولي في وحل أسوأ أزمة مالية منذ الكساد الكبير، بدأ الأمر لأول وهلة وكأنه شرخ في سوق الائتمان العقاري الثانوي بالولايات المتحدة الأميركية خلال صيف عام 2007، واتّسع خلال عام 2008 محدثا تصدعات أعمق على مدى الساحة المالية الدولية، مؤديا في النهاية إلى انهيار مؤسسات مصرفية رئيسية، وتراكم انهيار أسواق الأسهم على اتساع المعمورة وتجمد الائتمان، وفجرت موجات الصدمات المالية الناتجة أزمة اقتصادية كاملة مع دخول أغلب الاقتصادات المتقدمة في حالة ركود فعلي وتوقع تدهور الاقتصادات البازغة والنامية الأخرى بمعدلات متسارعة، حتى مع الوضع في الاعتبار سجلها الاقتصادي الحديث الذي اتسم بالقوة.

تتوقع الأمم المتحدة وفقا لسيناريو خط الأساس أن يبلغ نمو الناتج الإجمالي الدولي معدلا ضعيفا نسبته 1 في المئة خلال عام 2009، وهو ما يمثل تباطؤا حادا مقارنة بنسبة نمو 2.5 في المئة التي كانت مقدرة لعام 2008، وأقل كثيرا من نسب النمو القوية للأعوام السابقة، كما يتوقع أن ينخفض متوسط دخل الفرد في العالم خلال عام 2009 وفقا للتقدير الحالي لمعدل النمو الدولي، كما يتوقع أن ينخفض ناتج الدول المتقدمة بنسبة 0.5 في المئة خلال عام 2009، وأن يتباطأ معدل النمو لدى الاقتصادات المارة بمرحلة تحول إلى 4.8 في المئة خلال عام 2009، مقارنة بمعدل 6.9 في المئة خلال عام 2008، بينما يتباطأ نمو ناتج الدول النامية من معدل 5.9 في المئة عام 2008 إلى 4.6 في المئة خلال عام 2009.

يوجد احتمال لتحقق سيناريو أكثر تشاؤما في ضوء حالة عدم اليقين السائدة حاليا، فإذا ما استمرت حالة التجمد في أسواق الائتمان الدولية، ولم تتم استعادة الثقة بالقطاع المالي بسرعة، فقد تدخل الدول المتقدمة في حالة من الركود الاقتصادي العميق خلال عام 2009، مصحوبة بانخفاض مجمع في الناتج المحلي الإجمالي يبلغ حوالي 1,5 في المئة، كما سيتباطأ النمو الاقتصادي للدول النامية إلى معدل 2,7 في المئة، وهو معدل خطير للانخفاض في ضوء تأثيره السلبي على قدرات تلك الدول في الحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي لديها، وسيحدث أيضا انخفاض حقيقي في حجم الاقتصاد الدولي خلال عام 2009 في حالة تحقق السيناريو الأكثر تشاؤما، وهو وضع لم يشهده العالم منذ عقد الثلاثينيات من القرن الماضي.

وتوصي مطبوعة الوضع الاقتصادي الدولي الراهن والتوقعات لعام 2009 (WESP 2009)، بتفعيل حزم إنعاش مالية ضخمة يتم التنسيق بشأنها على المستوى الدولي بصورة متجانسة ومتعاضدة ومتماشية مع أهداف التنمية المستديمة، ويجب أن يؤدي ذلك إلى درء خطر حدوث ركود اقتصادي دولي عميق، كما يجب أن يتزامن تفعيل حزم الإنعاش المالية مع اتخاذ إجراءات لإعادة ضخ رأس المال وتوفير السيولة، وهي الإجراءات التي اتبعتها دول بالفعل في إطار الاستجابة والتعامل مع الأزمة الاقتصادية.

وتقدر مطبوعة «الوضع الاقتصادي الدولي الراهن والتوقعات لعام 2009 (2009 WESP) في إطار سيناريو أكثر تفاؤلا - ومع الأخذ في الاعتبار تنفيذ حزم مالية مؤثرة من قبل اقتصادات رئيسية تتراوح بين 1.5 و2 في المئة من الناتج الإجمالي، بالإضافة إلى المزيد من الخفض في أسعار الفائدة - أن تنمو الاقتصادات المتقدمة بمقدار 0.2 في المئة خلال عام 2009، وأن يتجاوز معدل النمو لدى الدول النامية نسبة 5 في المئة بمقدار بسيط.

التنبؤ بالأزمة المالية

كشفت عملية التنامي المتسارع للاضطرابات في سوق رأس المال الدولي خلال شهري سبتمبر وأكتوبر من عام 2008، طبيعة خلل قائم في عمل المنظومة، وأدت إلى تزايد المخاوف من حدوث انهيار مالي كامل على المستوى العالمي.

ورغم أن جذور المشكلة نبعت لدى الدول المتقدمة، فإن الوضع المالي الذي أصبح هشا بصورة متزايدة كان وثيق الصلة بنمط دولي للنمو تولد مع بدايات الألفية الثانية، وهو الخطر الذي حذرت منه مطبوعة (WESP) في أعداد سابقة، وتمثلت القوة الدافعة للنمو إلى حد كبير -كجزء من هذا النمط- في معدلات قوية للطلب من قبل المستهلك بالولايات المتحدة الأميركية، حفز عليه الائتمان السهل وارتكز على أسعار العقارات المنتعشة، بالإضافة إلى معدلات الطلب المرتفعة للاستثمار والنمو القوي في الصادرات لدى بعض الدول النامية خصوصا الصين، وتم تمويل نسب العجز المتزايدة لدى الولايات المتحدة عبر تلك الفترة من خلال الفوائض المتزايدة مع الصين واليابان وبعض الدول الأخرى التي حققت تراكمات كبيرة في الاحتياطي النقدي، وكانت على استعداد لشراء أصول مقيمة بالدولار.

وتزامن كل ذلك مع تزايد عملية رفع القيود المنظمة لعمل الأسواق المالية، إلى جانب حدوث فورة في استحداث الأدوات المالية وأساليب جديدة لإدارة المخاطر (أوراق مالية مدعمة بضمانات، والتزامات ديون معززة بضمانات، ومقايضات للعجز عن الوفاء بالتزامات الائتمان وما شابه ذلك).

ساهم كل ذلك في حدوث تراكم كبير في الأصول المالية المدعمة بمستويات متنامية من المديونية لدى كل من القطاع العام وقطاع الشركات والقطاع المعيشي، وتضاعفت نسبة المديونية المالية الداخلية لدى بعض الدول المتقدمة والنامية بمقدار أربعة أو خمسة أضعاف كنسبة من الناتج القومي الإجمالي من أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، ولقد تم التوصل إلى هذا الانفجار في المديونية من خلال التحول في النموذج المصرفي المتبع، مما يمكن توصيفه بالنموذج التقليدي المعروف «بالشراء والاحتفاظ»، إلى نموذج تجاري يمكن توصيفه بديناميكية الإنشاء من أجل البيع (أو بعملية التحويل إلى أوراق مالية)، وارتفعت في هذا السياق قدرة بعض المؤسسات على توليد موارد إضافية إلى نسب بلغت 30 في المئة، أعلى بكثير من نسبة السقف المسموح به بصفة عامة على ودائع المصارف والبالغة 10 في المئة.

أدت العملية السائدة حاليا من التخلص من الديون وإسالتها وتفكيك المنزل المشيد من أوراق اللعب، إلى انهيار مؤسسات مالية راسخة وحدوث حالة من التبخر السريع للسيولة الدولية، وتهديد أوجه العمل التقليدية للاقتصاد الحقيقي.

واستفادت جميع الأطراف من حالة الانتعاش الناتجة حتى الماضي القريب، خصوصا اللاعبين الماليين الرئيسيين لدى الاقتصادات الغنية، بينما تواطأ الجميع في إغفال المخاطر القائمة، وذلك رغم التحذيرات المتكررة، بما في ذلك تلك التحذيرات التي تناولتها مطبوعة (WESP)، فالمديونية المتراكمة من قبل القطاع المالي والقطاع العام والقطاع المعيشي لدى الولايات المتحدة وأنحاء أخرى لم تكن قابلة للاستدامة مع مرور الوقت، بينما انتقلت الضغوط الناشئة في أسواق العقارات الأميركية إلى القطاع المالي الأوسع، وتصاعدت المخاوف من حدوث عملية انصهار مالي، وانتشرت تلك المخاوف إلى باقي أنحاء العالم.

تأثير السياسة في الاقتصاد

هدفت الإجراءات السياسية المتبعة إلى استعادة الثقة وفك حالة التجمد في أسواق الائتمان والمال، من خلال إعادة ضخ رؤوس الأموال في المصارف من خلال أموال عامة، وضمان عملية إقراض لدى المصارف وتأمين ودائع المصارف.

بدأت أسعار فائدة عملية الإقراض بين المصارف في التراجع بعض الشيء عقب بدء عمليات الإنقاذ على نطاق واسع خلال الربع الرابع من عام 2008، لكن حالتي الاحتقان والخلل الوظيفي استمرتا في بعض القطاعات الرئيسية من سوق الائتمان مع حلول شهر ديسمبر من عام 2008، وسيستغرق الأمر وقتا طويلا في كل الأحوال حتى تثمر الإجراءات المتبعة نتائج فعالة، حيث ستستغرق عملية استعادة الثقة بين الأطراف العاملة في أسواق رأس المال وعودة الائتمان إلى مستويات العرض السابقة شهورا، إن لم يكن عدة سنوات، إذا كانت هناك دروس يمكن الاستفادة بها من الأزمات السابقة.

كما سيستغرق الأمر بعض الوقت، خصوصا قبل أن تنعكس مشاكل الأسواق المالية على الاقتصاد الحقيقي، وبالتالي، يبدو أنه لا مفر من أن تشهد الاقتصادات الرئيسية انكماشا اقتصاديا حادا في المستقبل القريب، وأن عملية التعافي قد لا تحدث في المستقبل القريب، حتى ولو نجحت حزم الإنعاش والإنقاذ، كما أن التكلفة المالية الكبيرة للإجراءات الطارئة ستكون ضخمة، ومن غير الواضح المدى الزمني الذي قد يمكن من خلاله استعادة تلك التكاليف سواء من الأطراف الفاعلة في السوق أو من خلال عملية استعادة الانتعاش الاقتصادي، ويمثل كل ذلك تحديا إضافيا للاقتصاد الكلي.

الآثار في التجارة الدولية والتمويل

أثرت الأزمة فعليا بصورة حادة في أسواق السلع الأولية الدولية مع آثار بعيدة المدى للتوقعات.

بالنسبة الى الدول النامية بصفة عامة، كانت أسعار السلع الأولية متأرجحة بشدة خلال عام 2008، وارتفعت أغلب الأسعار بشدة خلال النصف الأول من عام 2008 في سياق نمط للتصاعد بدأ منذ عام 2003، وبدلت الأسعار اتجاه تغيرها بشدة خلال منتصف عام 2008، لكن أسعار البترول انخفضت بشدة بما يتعدى نسبة 60 في المئة من قمة الارتفاع الذي وصلت إليه في الفترة من شهر يوليو إلى شهر نوفمبر، وانخفضت أسعار سلع أخرى بصورة حادة بما في ذلك الحبوب، ويتوقع أن تواصل معظم أسعار السلع الأولية انخفاضها حتى تتساوى مع الاعتدال الحادث في مستويات الطلب الدولية.

إحجام عن الإقراض

بدا أن النظم المالية لدى أغلب الدول النامية في مأمن من أي آثار مباشرة للأزمة المالية الدولية في بداياتها، وذلك في ضوء الانكشاف المحدود لأسواق تلك الدول لمشتقات سوق الرهن العقاري التي أدت إلى انهيار بنوك رئيسية لدى الولايات المتحدة وأوروبا، لكن تزايد عناصر المخاطرة ظهر من خلال قنوات أخرى، حيث بدأ المستثمرون سحب الموارد من الأسواق البازغة والأسواق النامية الأخرى كجزء من عملية إسالة الديون والتخلص منها من قبل المؤسسات المالية لدى الدول المتقدمة، استتبع ذلك أن ارتفعت بحدة تكلفة تقديم التمويل للأسواق البازغة والنامية، وذلك في ضوء القيود المتولدة على سوق الائتمان الدولي، وفقا لقياسه عن طريق التفاوت في أسعار الفائدة لمؤشر سندات الأسواق البازغة، فخلافا للسنوات السابقة عندما كانت أسعار الفائدة تتفاوت بصورة كبيرة وفقا للمنطقة والدولة المعنية، بما يعكس تفرقة المستثمرين بين المخاطرة لدى كل دولة وفقا لظروفها، فإن الزيادة الكبيرة الأخيرة كانت متناسقة بما يعكس حالة العدوى وتجنب الاستثمار لدى الأسواق البازغة التي ألمت بالمستثمرين.

يتوقع في هذا السياق أن يستمر التفاوت الكبير في أسعار الفائدة خلال عام 2009، حيث تستمر الضغوط على أسواق الائتمان، وذلك في نفس الوقت الذي يتوقع فيه المزيد من الانخفاض في مستويات تدفق رأس المال إلى الأسواق البازغة. ارتفعت بحدة الذبذبة في أسعار صرف العملات مع تزايد عمق الأزمة المالية الدولية، وانخفضت قيمة الدولار الأميركي بحدة في مواجهة العملات الرئيسية، وبصفة خاصة أمام اليورو، خلال النصف الأول من عام 2008، لكن الدولار عكس ذلك الاتجاه بصورة أكثر حدة.

أما في ما يتعلق بعملات العديد من الدول النامية، التي رافقت التوجه الأول بارتفاع قيمتها مقابل الدولار، فقد عكست توجهها أو حدث تباطؤ في معدلات ارتفاع قيمتها مقابل الدولار، وانخفضت قيمة العملة لدى العديد من الدول النامية مقابل الدولار منذ منتصف عام 2008، وبصفة خاصة عملات الدول المصدرة للسلع الأولية، وأدى ارتفاع رغبة المستثمرين الدوليين في تجنب المخاطرة إلى «الهروب إلى الأمان»، كما هو واضح من انخفاض العائد على سندات الخزانة الأميركية القصيرة الأجل إلى ما يقترب من الصفر، لكنه من المتوقع أن يكون الارتفاع الحادث في سعر صرف الدولار ظاهرة مؤقتة، إذ مازالت هناك مخاطر حقيقية متمثلة في احتمالات حدوث انهيار حاد في قيمة الدولار خلال عام 2009، أو ما بعد ذلك التاريخ، فعلى الرغم من أن الخلل في الموازين الدولية قد قلت معدلاته بعض الشيء خلال عام 2008، ويتوقع أن يستمر التراجع في نسب الخلل القائمة في الموازين الدولية خلال عام 2009 مع الركود في الدول المتقدمة، لكن مازال وضع المديونية الخارجية للولايات المتحدة في تزايد.

يعد ذلك، بالإضافة إلى العجز في ميزان المعاملات الجارية الأميركي والانطباعات بأن وضع المديونية الخارجية للولايات المتحدة يقترب من مستويات غير قابلة للاستدامة، من العوامل الرئيسية التي تقود تيار انخفاض قيمة الدولار الأميركي منذ عام 2002، وتدفع عملية الهروب إلى الأمان، من خلال زيادة الطلب على الدولار الأميركي في إطار الأزمة المالية الدولية، بمستويات المديونية الخارجية للولايات المتحدة إلى آفاق جديدة، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تجدد الانزلاق في قيمة الدولار بمجرد أن تنتهي عملية إسالة الديون والتخلص منها، ويجب أن يتنبه صانعو السياسات في هذا السياق إلى أن مخاطر احتمالات حدوث انهيار حاد في قيمة الدولار تعد أحد العوامل الكامنة التي قد تؤدي إلى تجدد الاضطرابات في أسواق المال الدولية خلال عام 2009.

الآثار في الدول النامية

تقود الدول المتقدمة عملية تراجع النمو على المستوى الدولي، لكن حالة الضعف العامة انتشرت بسرعة إلى الدول النامية والاقتصادات المارة بمرحلة تحول، متسببة في تزامن انخفاض النمو على المستوى الدولي خلال عام 2009.

تسير دول رابطة الدول المستقلة (CIS) من بين الاقتصادات المارة بمرحلة تحول، نحو انخفاض، ملموس في النمو خلال عام 2009، ويجرها نحو هذا الطريق آثار الركود الدولي وعملية انخفاض أسعار السلع الأولية لدى الدول الكبيرة منها، مثل كازاخستان والاتحاد الروسي وأوكرانيا وستشعر المنطقة أيضا بانخفاض في معدلات استثمار قطاع الأعمال، وبصورة أقل انخفاضا في معدلات استهلاك القطاع المعيشي، أما في منطقة وسط وشرق أوروبا فمن المتوقع أن يحدث المزيد من التواضع في معدلات النمو. بالنسبة الى الدول النامية، سيتباطأ النمو في إفريقيا خلال عام 2009، بينما تنتشر الآثار المعدية للتباطؤ الاقتصادي الدولي على الدول النامية والمنطقة، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى ضعف الطلب على الصادرات، وانخفاض أسعار السلع الأولية، وانخفاض تدفق الاستثمارات إلى المنطقة. يتوقع أيضا أن تنخفض معدلات النمو بصورة ملموسة في شرق آسيا خلال عام 2009، حيث ستتباطأ الصادرات بصورة كبيرة. ستعاني كذلك بعض الاقتصادات الكبيرة في شرق آسيا خسائر مالية كبيرة كنتيجة لانكشاف أسواقها بصورة كبيرة للأسواق المالية الدولية. هذا، وتعاني منطقة جنوب آسيا انخفاضا عاما في معدلات النمو لدى كل من القطاع الصناعي وقطاع الخدمات، ويتوقع أيضا أن يتباطأ النمو بصورة كبيرة في غرب آسيا خلال عام 2009 نتيجة للانخفاض السريع في أسعار النفط، كما يتوقع أن ينخفض الإنفاق الاستثماري عبر المنطقة. ينتظر أيضا أن ينخفض النمو لدى منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي بصورة كبيرة نتيجة لانخفاض أسعار السلع الأولية والقيود المتولدة على الائتمان.

الأزمة تمثّل تراجعاً لعملية مكافحة الفقر

ستؤثر الأزمة المالية بصورة ملموسة في الأغلب على مسيرة تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، خصوصا أنها تأتي في أعقاب أزمتي الغذاء والطاقة، إذ ستؤدي عملية التضييق في الحصول على الائتمان والنمو الضعيف إلى تراجع في الإيرادات العامة، وستضع قيودا على قدرات حكومات الدول النامية في تمويل الاستثمارات اللازمة للتعليم والصحة والأهداف الإنسانية التنموية الأخرى. إذا لم يتم وضع شبكات ملائمة للضمان الاجتماعي، فسيكون الفقراء الأكثر تأثرا بالأزمة.

لقد تم الدفع بحوالي 125 مليون نسمة إلى حدود الفقر المدقع منذ عام 2006، بسبب الارتفاع الحاد دوليا في أسعار الغذاء. إن الدروس المستفادة من الأزمات السابقة تؤكد أهمية تأمين استثمارات عامة في البنية التحتية والتنمية الاجتماعية حتى يتم تفادي أي تراجع في التنمية البشرية، ولتمهيد الطريق نحو تحقيق انتعاش ونمو اقتصادي بجودة عالية في الأمد المتوسط.

توقّعات قاتمة

تباطأ النمو في التجارة الدولية إلى 4.3 في المئة في أوائل عام 2008، وذلك أقل من نسبة 6.4 في المئة المتحققة خلال عام 2007، بسبب الانخفاض الحاد في واردات الولايات المتحدة. تقدر واردات الولايات المتحدة بحوالي 15 في المئة من حجم التجارة الدولية، وسجلت تلك الواردات انخفاضا ربع سنوي على مدار كل ربع سنة بدءا من الربع الرابع من عام 2007، وانخفضت تلك الواردات بحدة بمقدار 7 في المئة خلال الربع الثاني من عام 2008، وتراجع أيضا معدل النمو في التجارة الدولية إلى نسبة 3 في المئة خلال شهر سبتمبر من عام 2008، وهو معدل يبلغ ثلث معدل نمو التجارة الدولية في العام السابق، ويتوقع المزيد من الضعف في معدلات نمو التجارة الدولية خلال عام 2009.

إجراءات غير مسبوقة

بدأ صانعو السياسات في الاستجابة بصورة جزئية للأزمة، حيث فشلوا في رؤية المخاطر القائمة للمنظومة أو في الأخذ في الاعتبار التوابع العالمية للإضرابات المالية في صورتها الشاملة، وتضمن هذا التناول عملية ضخ سيولة ضخمة في النظام المالي وإنقاذ بعض المؤسسات المالية الرئيسية، بينما تم قبول عملية انهيار بعض المؤسسات الأخرى، وتحول صانعو السياسات مع استفحال الأزمة بحلول شهر سبتمبر عام 2008 إلى أسلوب أكثر شمولا وأكثر تنسيقا على المستوى الدولي في إدارة الأزمة، وأعادت الإجراءات المتخذة صياغة شكل عمل أسواق رأس المال التي سبق أن تم رفع القيود المنظمة لعملها عنها، وبدأت عملية توفير قدر كبير من الموارد العامة لعملية إعادة ضخ رؤوس الأموال في المصارف، مع الاستحواذ بصورة جزئية أو كلية على ملكية المؤسسات المالية المنهارة، وتوفير عباءة من الضمانات الحكومية لودائع المصارف والأصول المالية الأخرى، وبدأت الحكومات لدى الدول المتقدمة والنامية في وضع حزم إنعاش مالية ونقدية في محاولة لمنع الأزمة المالية من التحول إلى كارثة إنسانية عالمية.

back to top