بعد منع كتابيه الرماد والموسيقى و سورة الرياض الروائي السعودي أحمد الواصل: عذر الرقيب جهله والقارئ صاحب القرار!

نشر في 18-03-2009 | 00:00
آخر تحديث 18-03-2009 | 00:00

الشاعر والروائي السعودي أحمد الواصل، أحد الأسماء الشابة التي طرحت نفسها عبر مؤلفات عدة، ما بين دواوين شعرية أولها «جموع أقنعة» (2002)، وآخرها ملحمة شعرية «تذكارات المغني الضرير» (2009)، وروايات الأولى منها بعنوان «سورة الرياض» (2007)، متخذاً خط الأنثربولوجيا الموسيقية أو ما أسماه ترجمة «الإناسة الغنائية» في كتبه النقدية في الدراسات الثقافية والتي بدأها بـ{الصوت والمعنى» (2003) مروراً بـ{سحارة الخليج» (2006) الذي لا يزال يلاقي أصداء كبيرة، وأخيراً كتابه الجديد «الرماد والموسيقى: حفريات في ذاكرة عربية غنائية» الذي مُنع في معرض الكتاب بالرياض خلال مطلع مارس (آذار) الجاري. وهنا حوار معه حول الرقابة ومشروعه النقدي.

لماذا مُنع كتابك «الرماد والموسيقى» (دار الفارابي) في معرض الرياض الأخير؟

ذكر لي المسؤول عن «دار الفارابي» قاسم بركات أن موظفاً من إدارة المطبوعات أبلغه بإبعاد الكتاب وعدم عرضه على اعتبار أنه مستفز من خلال سؤال طرحته ضمن الدراسة: «ما الداعي الذي جعل محمد عبده، يغني من قصيدة ملحمية الطابع وطافحة بدلالات أسطورية وتاريخية وإبداعية، تغازل خيوطاً في السياسة والدين، والمجتمع والفرد؟» وهي قصيدة «أنشودة المطر». اختار عبده بعض الأبيات وأعدّها للتلحين والغناء، ما حرّف معانيها إلى ما يخالف الأصل تماماً. ففي التحليل ورد: «... رسم المشهد الطفولي، عن طفل يخفى عنه خبر وفاة أمه، وبنفس الوقت كان ترتيب القصيدة الجديد راعى توجيه الخطاب إلى مؤنث، يوهم بأنه امرأة فقط، من خلال الضمائر المتصلة: عيناكِ/ أتعلمين/ مقلتاكِ، إلا أن هذا الخطاب يتصعد نحو معادلات طبيعة، الأم والوطن، المرأة والمدينة، فهي غابت في ما اختاره محمد عبده، وإن كانت ماثلة في النص كاملاً، إنما تعبر من خلال توجيه الخطاب إلى المؤنث مفارق عن الحبيبة والمعشوقة إلى الأم، لهو رغبة في الأم التي يغلب حنوها على قوتها، بدلاً من الأب ذي البأس المَحْض، وحنين إلى طمأنينة الماضي الذهبي المرشح دائماً للبعث بدل الحاضر السلطوي العاري» (25).

روايتك {سورة الرياض» مُنعت أيضاً؟

لم أتفاجأ بمنعها، فحين تنفد 300 نسخة في غضون يومين بمعرض الكتاب في عام 2008 ثم تباع في مكتبات تجارية، وتمنع في المعرض الراهن، فإن في ذلك دلالة واضحة على فوضى الرقابة الإدارية في إدارة المطبوعات، والتناقض بين عمل قطاعات الوزارة، بين وكالة الشؤون الثقافية المنظمة للمعرض وإدارة المطبوعات المدمرة له!

ماذا تقول للرقيب، وهل تعتبر ضجة المنع مفيدة لكتابك؟

أقول له عذرك جهلك. أما أن يمنع أي كتاب فهو يقدم، على جهله، دعاية مجانية تمنح الكتاب تسويقاً ولو جاء على غير هوى الرقيب والقارئ!

كيف رأيت معرض الكتاب لهذا العام؟

يبدو لي أن وكالة الوزارة للشؤون الثقافية في السعودية اقتنعت بأن مدينة مثل الرياض، أحد أبسط حقوقها المهدورة توافر معرض كتاب تتضمنه نشاطات ثقافية من محاضرات وندوات ولقاءات بين الناشرين والقراء، والمثقفين والمبدعين والصحافة.

استطاع المعرض أن يجد له مقراً جاهزاً بالإمكانات كافة من صالة عرض الأجنحة وقاعة الندوات، وربما لاحقاً السينما والمسرح، ومكاتب خدمات معلوماتية للإعلام والصحافة. كذلك توافرت مطاعم ومقاهٍ وآلة سحب للصرافة. وهذا كله من حسنات تواصل معرض الكتاب، مثلاً لن تستغرب وصول مبيعات رواية «الحمام لا يطير في بريدة» للروائي يوسف المحيميد إلى 1200 نسخة إذا عرفت أن حصيلة إحصاء زوار المعرض تجاوزت الـ 800 زائر وزائرة!

ثمة أمر ملتبس في عنوان الكتاب، لماذا الرماد والموسيقى وليس الموسيقى والرماد؟

الرماد ختام أو نهاية والموسيقى استعادة أو بداية...

في كتابك مغامرة من خلال اهتمامك بأبحاث عن فنانين جدد. لماذا كتبت عن فلة مثلاً وليس عن وردة أو عن أغاني «الراي» الجزائرية، ألا تجد بأن الأخيرة وغيرها أقرب الى الفكرة التي تطرحها وهي حفريات في ذاكرة غنائية عربية؟

أصل أطروحة الكتاب حول أزمة هوية لدى كل ملتبس في صورته إزاء ما يتحكم في مسيرته من المكوّن الاجتماعي الضاغط، وأما الراي فهي أحد الفنون الغنائية الجزائرية (نشأة وتكريساً) الموجودة ضمن الإطار الإيديولوجي، أو هي غناء اليسار في ديار المغرب، أما السيدة وردة فلا تعبّر عن أزمة هوية، بل هي عروبية صميمة هضمت أصلها الجزائري من الأب واللبناني من الأم، والمصري من المعيشة. إنها عمارة بابلية كما أسماها محمد عبد الوهاب.

في مواضيعك اهتمام كبير بالواقع السياسي المحيط بالموسيقى، ما النتائج التي توصلت إليها؟

المكوّن السياسي - الإيديولوجي يحكم حياة شعوب كاملة، فكيف بفنان يحمل القيم ويمثل منها الكثير؟ وآفة الفنان أن يكون أحد عبيد الإيديولوجيا أو ضحية المكوّن الاجتماعي السالب لشخصيته والفارض عليه سلوكاً خارج إرادته.

قضت حرب 1948 على الموسيقار واصف جوهرية مثلما قضت على كثيرين بالموت، لكنه لم يتأقلم مع نهضة كبرى كانت في لبنان على صعيد الموسيقى والغناء في ما يسمى تطوير الأغنية الريفية عند عفيف رضوان ونقولا المني وسامي الصيداوي. كذلك لم يتأثر بنهضة أعمق لدى جيل الحداثة أمثال زكي ناصيف وتوفيق الباشا والأخوين رحباني، فظل جوهرية يتذكر ما كان لا يجعل منه فناناً. أما محمد عبده فبقي يعاني من أسر العبد والسيد، ورجاء بلمليح انقلبت على نفسها من أغنية القيم (اليسار) إلى أغنية الشجن (اليمين) أما فلة فهي أشد تعبير عن قلق الهوية السالب، فهي لا شرقية ولا غربية بل «روتانية» بامتياز!

هل فكرت بأن مواضيع كتابك بمثابة مجموعة كتب، بإمكان مروان خوري أن يحظى بكتاب ومحمد عبده بآخر مثلاً؟

بالتأكيد كل كتاب فيه ولادة كتب أخرى. أنهيت الكتاب بمروان على اعتبار أنه سيبقى بين حالتي الملحن والمغني، فيخسر الإثنين من دون صالح لهما لديه، ولا أظن أن عبده ومروان، مع الفارق الكبير بينهما، لا يستحقان كتباً ربما أؤلف أحدهما مستقبلاً.

أي «إناسة غنائية» تتبعها في تحديدك الغناء والموسيقى؟

إنها الإناسة الغنائية، التي تتبع المنهج الوصفي والتحليلي لشخصية الفنان على اعتبار أنه إنسان يمثل طباعاً وتقاليد وسلوكاً وعادات مختلفة في الملبس والكلام والشكل، والمزاج والحنجرة والجسد والملامح والعرق، ويستخدم وسائل للتعبير عن مكنوناته وتجاربه عبر الإنتاج الثقافي في الفنون والآداب، معبراً ومتماهياً مع مجتمعه وبيئته وتاريخه وثقافته، ومثله الرسام والممثل.

أي رماد وأي ذاكرة تجمع بين فلة من الجزائر ومروان خوري من لبنان، ومحمد عبده من السعودية؟

رماد فلة هو اللاهوية بين عربية مشرقية ولا مغربية، واللاذاكرة بين ما هو جزائري – قبايلي (أمازيغي) إزاء تعريب غير مكتمل وغير ناجز، ومروان رماده المسطرة التي يقيس فيها المغني والملحن – على رغم أن الثاني فيه هو الأبقى والأقوى، وذاكرته أنه يريد أن يكون الأخوين رحباني وفيروز دفعة واحدة! ورماد عبده أنه أينما يضرب عصاه يلقى عصا، فلا ذاكرة إلا اللحظة والرماد هو ما يتبقى له.

لماذا القفز من فكرة الى أخرى في الكتاب، أو ما تسميه أنت الصعود والهبوط؟

كل دراسة لها شروطها. ثمة خيط قوي كصورة بوليفونية أي خط متواز غير متقاطع بين المواضيع، يختفي قليلاً ثم يظهر في كل انتقالة. أضف إلى ذلك أن النقد وليد الحالة وليست الحالة وليدة النقد!

ألا تشعر بالتشتّت بين كتابة الرواية والنقد الموسيقي والشعر والصحافة؟

لا أشكو من ذلك. ولم أخطط له، فلكل شيء وقته. الإبداع شعراً وسرداً يأتيان من حيث لا أعلم. أما النقد فأعرف كيف يأتي وكيف لا يأتي، فيما أن الصحافة الثقافية عمل احترافي تستطيعه أو لا تستطيعه. ولا أظنني وحدي في هذا... ماذا عن الرسم والفكر والشعر والمقالة لدى جبران خليل جبران وأدونيس؟ والصحافة والشعر والمسرحيات والترجمة والأبحاث لدى أنسي الحاج وبول شاوول؟ لا أعتقد أن هؤلاء مشتتون!

back to top