خيارات إيران

نشر في 13-06-2008
آخر تحديث 13-06-2008 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت مع وجود الرئيس بوش في أوروبا لحمل زعماء الاتحاد الأوروبي على الموافقة على تشديد العقوبات المفروضة من قِـبَل الأمم المتحدة على إيران، وفي ظل المناقشة المحتدمة بين جون ماكين وباراك أوباما لتقرير ما إذا كان لزاماً على الولايات المتحدة أن تتحدث مع حكام إيران أم تمتنع عن ذلك، تزداد سخونة قضية البرنامج النووي الإيراني. ولا عجب أن يتابع الإيرانيون هذه المناقشات باهتمام بالغ. إلا أنهم مطالبون بما هو أكثر من مجرد المتابعة والمشاهدة.

الحقيقة أن أهل النخبة السياسية في إيران ينظرون إلى الولايات المتحدة، وليس أوروبا، باعتبارها الند الدولي اللائق بهم. إذ إن الولايات المتحدة وحدها القادرة على منح الجمهورية الإسلامية الضمانات الأمنية التي تلتمسها. والحقيقة أن الولايات المتحدة لابد أن تكون مستعدة لتقديم مثل هذه الضمانات في النهاية إذا ما كانت راغبة في حمل إيران على إيقاف العمل في الأقسام الأكثر إثارة للشبهة من برنامجها النووي.

ولكن يتعين على إيران أن تقوم باللازم من جانبها لإنجاح أي حوار يجري في المستقبل بينها وبين الولايات المتحدة. في محادثاتي مع أعضاء لجنة السياسات في إيران، أذهلني أنهم يرون أن حل النـزاع النووي (أو المشاكل الأخرى التي تشارك إيران بضلع فيها) يقع في الأساس على عاتق الولايات المتحدة وأوروبا وبقية القوى العظمى، وليس على عاتق إيران. الحقيقة أن هذا النوع من السلبية لا يصب في مصلحة إيران. فباعتبارها لاعباً إقليميا أساسياً في الشرق الأوسط، تستطيع إيران إشعال النـزاعات أو تأجيجها، كما تستطيع المساهمة في حلها. بيد أن القليل من القيادات في المؤسسة الإيرانية يدركون أن الاضطلاع بالدور الأساسي في المنطقة كقوة إقليمية يترتب عليه مسؤوليات؛ وذلك السلوك المسؤول وحده القادر على منح إيران ما تلتمسه من الشرعية والقبول. لذا، يتعين على صناع القرار في إيران أن يحاولوا الخروج بأفكار من ابتكارهم فيما يرتبط بالتوصل إلى حلول تفاوضية للقضية النووية وبقية القضايا المتعلقة بالأمن الإقليمي، فضلاً عن التفكير في السبل التي تستطيع بها إيران أن تعيد بناء الثقة في تصرفاتها.

يتعين على قادة إيران أن يبدؤوا هذه المهمة بهجر النبرة الخطابية العدائية. فالتصريحات الملتهبة بشأن إسرائيل تؤدي إلى تفاقم حالة فقدان الثقة في إيران بين شركائها المحتملين، وتزيد من صعوبة الأمر بالنسبة للأوروبيين والأميركيين الراغبين في بناء علاقات أكثر وداً مع إيران. والحقيقة أن إيران تلمح إلى رغبتها في الدخول في حوار عالي المستوى مع الولايات المتحدة في المستقبل غير البعيد. وإذا ما صدقت هذه الرغبة فيتعين على إيران أن تدرك أن إطلاق التصريحات العنيفة فيما يتصل بقضايا حساسة من شأنه أن يقوض أي محاولة جادة للبدء في الحوار.

تستطيع إيران أيضاً أن تعمل على بناء الثقة إذا ما تبنت المزيد من الشفافية، وخصوصاً في ما يتصل بطموحاتها الاستراتيجية. وربما تكون البداية الطيبة في هذا السياق بنشر الوثائق المهمة التي يشير إليها الإيرانيون على نحو ثابت ولكن من دون إظهار أي منها- ولنقل على سبيل المثال، فتوى آية الله خامنئي التي يقال إنها تقضي بتحريم الإسلام لإنتاج وتكديس واستخدام الأسلحة النووية.

وقد يكون من المفيد أيضاً أن تفصح إيران عن رؤيتها الاستراتيجية للمنطقة. ويتعين عليها أن تتقبل المخاوف التي أعرب عنها جيرانها، وأن تسعى إلى عرض أفكارها فيما يتصل ببناء الثقة الإقليمية والأمنية، والمساهمة في الجهود الرامية إلى تأسيس ترتيبات أمنية إقليمية. كما يتعين عليها أيضاً أن تكون إيجابية في الرد على العروض المطروحة عليها من جانب الولايات المتحدة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات بناء الثقة بين المؤسستين العسكريتين في البلدين، وبصورة خاصة قواتهما البحرية.

أما عن القضية النووية، فلابد أن تحاول إيران التخلي عن لغة «الحقوق السيادية» لمصلحة الحلول الأكثر عملية. وهذا من شأنه أن ينـزع الصفة السياسية عن هذه القضية. إن الحق في إجراء الأبحاث النووية المستقلة والتنمية طبقاً لمعاهدة منع الانتشار النووي أمر لا جدال فيه. ولكن بدلاً من الإصرار من حيث المبدأ على تشغيل دورة الوقود النووي على نحو مستقل في ظل السيادة الوطنية، تستطيع إيران إشراك السعوديين في فكرة لإنشاء مشروع إقليمي مشترك، أو استكشاف الخيارات المختلفة لإنشاء اتحاد شركات مع بلدان أخرى. ويستطيع البرلمان الإيراني، الذي يتولى زعامته الآن علي لاريجاني، كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين السابق، أن يقدم إسهاماً قوياً لمحاولات بناء الثقة وحل النـزاع النووي بالتصديق على البروتوكول الإضافي التابع لمعاهدة منع الانتشار النووي.

والأمر يتطلب أيضاً بعض التوضيحات الأخرى. هل إيران على استعداد لقبول التسوية الشافية للمخاوف الأوروبية وغيرها من المخاوف الدولية بشأن برنامجها لنووي، وبالتالي كسب نطاق واسع من التعاون في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية وإنتاج الطاقة؟ إذ إن الطاقة النووية في النهاية تشكل واحدة من بين كثير من التقنيات الأخرى، وهي تكنولوجيا تعود إلى القرن العشرين وليس القرن الواحد والعشرين. وفي النهاية سوف يكون في الشراكة مع أوروبا عوناً لإيران فيما يتصل بمحاولاتها لإبقاء أفضل شبابها داخل وطنهم بدلاً من اصطفافهم أمام السفارات الأجنبية- أو في كثير من الأحيان، أمام قنصليتي الولايات المتحدة في إسطنبول ودبي- طلباً لتأشيرات الدخول.

إن استعداد الدول الكبرى لقبول إيران التي تتمتع بوضع نووي شبيه بوضع اليابان لا يتوقف على إشارة إيران إلى نفسها باعتبارها قوة يفرضها الأمر الواقع فحسب، بل على سلوكها بما يثبت هذه النظرة، أيضاً. وإذا ما كانت راغبة في أن يُـنظَر إليها باعتبارها قوة يفرضها الأمر الواقع، فيتعين عليها أن تتقبل الجهود المحلية والدولية الرامية إلى ترسيخ السلام بين إسرائيل وجيرانها.

وإذا ما كانت إيران راغبة في عقد صفقة كبرى مع الولايات المتحدة، فيتعين عليها أن تتوقف عن دعم المنظمات المقاتلة مثل «حماس» ومنظمة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، التي تقوض الجهود الرامية إلى التوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني يقوم على مبدأ إنشاء دولتين متجاورتين. ولكن حتى من دون مثل هذه الصفقة، فلسوف يكون لزاماً على إيران أن تقدم بعض التنازلات إذا ما كانت راغبة في أن ينظر إليها العالم باعتبارها قوة إقليمية إيجابية بنَّاءة.

كما يتعين على إيران أن تتقبل الدول الأخرى كافة في المنطقة باعتبارها قوى شرعية فاعلة لها مصالحها المشروعة، بقدر ما ترغب في إقرار دول المنطقة بمصالحها الخاصة. ولسوف يكون لزاماً عليها أيضاً أن تتقبل رغبة الغالبية العظمى من الفلسطينيين في التوصل إلى تسوية سلمية مع إسرائيل. والحقيقة أن المسؤولين الإيرانيين يحاولون في بعض الأحيان تفسير التصريحات العنيفة التي يطلقها الرئيس محمود أحمدي نجاد بشأن إسرائيل باعتبارها مجرد دعوة إلى «تغيير النظام». وهذا لا يتفق مع سياسية الأمر الواقع.

من حق إيران أن تسعى إلى الحصول على الضمانات الكافية ضد أي محاولة لتغيير النظام بالقوة من الخارج. ولكن لا يحق لها أن تطلب الضمانات ضد محاولات تغيير النظام من داخل إيران، ثم تروج لتغيير النظام من الداخل في البلدان المجاورة لها.

فولكر بيرتس

* مدير المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين (SWP).

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top