غياب السياسة

نشر في 24-10-2008
آخر تحديث 24-10-2008 | 00:00
 د. عمرو حمزاوي مازالت نخبة الحكم في مصر تنظر إلى المشهد السياسي بمعادلة صفرية تعمل باستمرار على الإقصاء والتهميش المستمر لقوى المعارضة الحزبية وغير الحزبية وتحول دون مشاركة شعبية فعالة في تحديد المصلحة العامة.

من بين التداعيات الكارثية لهيمنة العسكر والتكنوقراط ورجال الأعمال على المشهد السياسي العربي يبرز الغياب شبه التام للسياسيين ومن ثم لاستراتيجيات وأدوات العمل السياسي كإشكالية ضاغطة لا حل سريع لها. للسياسة حين تستقر ممارستها كمهنة سلمية هدفها إدارة الصراع بين قوى المجتمع وصولاً لتحديد معاني ومضامين المصلحة العامة وصناعة توافق حولها، نسق أخلاقي ومنظومة قيمية وأدوات تحفز مجتمعة على المساومة والبحث عن مساحات المشترك بين المتصارعين وترفض التعامل الإطلاقي بنزوعه المعهود نحو الإجهاز على الآخر وإلغاء تعددية المجتمع.

ففي مصر على سبيل المثال وعلى الرغم من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة والطاقة الاحتجاجية المتصاعدة، مازالت نخبة الحكم تنظر إلى المشهد السياسي بمعادلة صفرية تعمل باستمرار على الإقصاء والتهميش المستمر لقوى المعارضة الحزبية وغير الحزبية وتحول دون مشاركة شعبية فعالة في تحديد المصلحة العامة. الغريب والمفجع هنا هو أن بإمكان العسكر والتكنوقراط ورجال الأعمال المهيمنين على نخبة الحكم، ودون أن تتعرض سيطرتهم على المجتمع لتهديدات حقيقية، تخفيف القيود المفروضة على حركة المعارضين، بما فيهم جماعة «الإخوان المسلمون»، وإشراكهم على نحو جدي بالحياة السياسية، وهو أمر كفيل بإنهاء لحظة الاحتقان الراهنة.

فلماذا الإصرار على الاحتفاظ بما يفوق الثمانين في المئة من مقاعد مجلس الشعب والاحتكار شبه الكامل للمقاعد كلها بمجلس الشورى علماً بأن أغلبية الثلثين بمجلسي البرلمان كافية لتمرير الموازنة العامة ومشاريع القوانين والقرارات كافة، بل وتعديلات الدستور إن دعت الحاجة إليها؟

ولماذا يحول الحزب الوطني الحاكم بين أحزاب المعارضة المسجلة والمستأنسة كحزب الوفد الجديد وحزب التجمع وبين الفوز بما لا يتجاوز نسبة العشرة في المئة من مقاعد المجالس المحلية التي أجريت انتخاباتها أخيراً في أبريل 2008؟

ولما الزج بقيادات «الإخوان» في محاكمات عسكرية تنتهي بأحكام قاسية لا مردود لها سوى خطر افتقاد الجماعة لبوصلتها الاستراتيجية وتماسكها التنظيمي وتفتح الباب أمام مزيد من التوتر في علاقة الجماعة بالنخبة وتدفع بالقيادات المتشددة داخل الجماعة إلى الواجهة؟

لا تفسيرا مقنعا هنا سوى هيمنة لغة المعادلات الصفرية الرافضة للمساومة والتفاوض مع قوى المعارضة على إدراك نخبة الحكم واعتمادها المستمر والكسول بالمعنى الاستراتيجي على القيود القانونية والأدوات القمعية كضمانات نهائية لاستمرار سيطرتها على السياسة والمجتمع.

وللأسف لا يعكس تعامل النخبة المصرية مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية المصيرية سوى الجوهر نفسه. ملفات إصلاح الاقتصاد واستراتيجيات التنمية والأوضاع المعيشية للمواطنين تدار دون نقاش مجتمعي حقيقي، ولم يلتفت المسؤولون التنفيذيون، وهم أيضاً خليط من العسكر والتكنوقراط ورجال الأعمال، بجدية لاستغاثات متتالية إزاء اتساع نطاق الفقر والغلاء وتآكل الطبقة الوسطى وتحذيرات من انفجارات وشيكة بدأت تحدث الآن.

هل من أمل في التغيير؟ لا أدري.

* كبير باحثين في مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي- واشنطن

back to top