ديوانيات الاثنين: الحدث ليس بعيداً ولا يمكن نسيانه (10)

الشعب يحرر أحمد الشريعان في مسيرة شعبية انطلقت من الفيحاء إلى الجهراء

نشر في 16-02-2009
آخر تحديث 16-02-2009 | 00:00


منذ تسعة عشر عاماً وتحديداً في الرابع من ديسمبر 1989، حين كانت الكويت تعيش زمنا مأزوماً بلا دستور، بدأت «الحركة الدستورية»، وهي تحالف شعبي موسع قاده 30 نائباً في مجلس الأمة الذي حُلَّ عام 1986، وفعاليات مبدعة من مختلف قطاعات الشعب الكويتي، المطالبةَ بإعادة العمل بالدستور الذي تم الانقلاب عليه وتعليق بعض مواده وفرض الرقابة المسبقة على الصحافة وقمع حرية التعبير في الثالث من يوليو 1986.

وبما أننا نعيش هذه الأيام في أجواء تأزيمية وحالة احتقان سياسي ملحوظ، وتتردد أقاويل هنا وهناك عن أن النية قد تتجه إلى انقلاب ثالث على الدستور، فإنه من الضرورة بمكان التذكير بما جرى في البلاد آنذاك عسى أن تنفع الذكرى.

على مدى هذه الحلقات تروي «الجريدة» قصة التحرك الشعبي بين عامي 1986 و1990.

في الساعة الثالثة والنصف من عصر الأربعاء 10 يناير 1990 وصل عضو مجموعة الـ45 المحامي مشاري العصيمي إلى مخفر الفيحاء قبل قدوم أحمد نصار الشريعان، الذي كان في طريقه إليه من الجهراء بعد استدعائه «لأمور إجرائية وتقارير بسيطة» كما قيل له. فوصل الشريعان في الساعة الرابعة قادماً من منزله في الجهراء. ودخل الاثنان إلى غرفة محقق المخفر.

وفي الخارج وصل النواب حمد الجوعان وأحمد الربعي ومبارك الدويلة الذين كانوا مجتمعين كلجنة ثلاثية ظُهر ذلك اليوم للتجهيز لتجمع الاثنين القادم عند فيصل الصانع بكيفان، ووصل بعدهم بقليل أحمد السعدون الذي أجرى العديد من الاتصالات التي أدت إلى حضور بقية النواب وأعضاء مجموعة الـ45 التي كانت تعقد اجتماعاً هي الأخرى في ذلك الوقت.

في غرفة التحقيق، بدأ المحقق بأسئلة روتينية للشريعان. فطلب اسمه وسنه وعنوان سكنه، ثم سأله عن مهنته، فتدخل مشاري العصيمي بصفته محامي الشريعان، قائلاً: «عضو مجلس أمة»، وهو ما كرره الشريعان بعده.

طرد المحامين

بدا أن المحقق لم تعجبه إجابة الشريعان، فنظر إلى العصيمي نظرة كشفت عن ضيق نفسه بوجود المحامي في غرفة التحقيق، فقال له: «لو سمحت، تفضل برة». فاستغرب العصيمي وامتثل لطلب المحقق على مضض، طالباً إثبات طرده من غرفة التحقيق في المحضر، وهو ما تم، ليبدأ بعد ذلك مسلسل طرد المحامين من غرفة التحقيق، إذ دخل بعد العصيمي النائب والمحامي عبدالله الرومي، الذي طلب إليه الخروج بعد 5 دقائق من دخوله، ليتوالى بعد ذلك دخول 14 محامياً هبوا للدفاع عن الشريعان الذي بدا هادئاً أثناء التحقيق، ورافضاً الإجابة عن أسئلة المحقق بحكم أنه نائب في مجلس الأمة، ولا يجوز استجوابه والتحقيق معه إلا بعد رفع الحصانة التي تتطلب انعقاد مجلس الأمة.

خارج المخفر، بدأ العديد من المواطنين في التوافد، بينما بدأ الظلام يخيم في ذلك الأربعاء البارد، ثم حضرت سيارة عُرف أن من بداخلها هو مدير إدارة التحقيقات يعقوب يوسف المهيني، الذي حضر لتولي التحقيق بنفسه. توقف التحقيق فترةً أتاحت لبعض النواب الدخول للحديث مع الشريعان، فعلموا أنه رفض الإجابة عن أي سؤال، وظل متمسكاً بذلك، إلا أن المحقق هدده بالقول إن عدم إجابته عن الأسئلة سيؤدي إلى احتجازه 21 يوماً على ذمة التحقيق، فرد الشريعان: «فدوة للي ساندوني».

كفالة

كان التحقيق يتركز على الدعوة إلى «تجمع الجهراء» قبل يومين، والذي كان مقرراً أن يقام في ديوانية الشريعان، فكان رد المحامين أن الشريعان ليس صاحب الدعوة، بل كانت الدعوة موجهة من قبل الجميع، سواء مجموعة النواب أو مجموعة الـ45، مبينين أنه إذا تم احتجاز الشريعان فسيبقى الجميع في المخفر معه.

جرت بعض المشاورات بين المحامين ومدير الإدارة العامة للتحقيقات، دعت إلى إخلاء سبيل الشريعان، واستقر رأي المدير على إخلاء سبيله بكفالة قدرها 500 دينار. فرفض الشريعان دفع الكفالة مُصراً على خروجه دون كفالة ودون شروط، كونه نائباً في مجلس الأمة، وأمام هذا الإصرار تواردت أنباء لدى الموجودين خارج المخفر بحضور شقيق الشريعان مطلق عارضاً دفع كفالة أخيه، إلا أن أحمد الشريعان اعتذر عن ذلك، طالباً إما إخلاء سبيله دون كفالة أو احتجازه على ذمة التحقيق، الأمر الذي قوبل بإصرار الجماهير التي بدأت تتزايد خارج المخفر من مواطنين ونواب وأعضاء لجنة الـ45 على أن يبقوا جميعاً خارج المخفر إلى حين إخراج الشريعان، حتى لو عنى ذلك بقاءهم طوال مدة احتجازه. ثم عرض على الشريعان الخروج بكفالة 200 دينار، إلا أنه أصر على موقفه السابق، مبيناً هو ومحاموه أن المسألة ليست مسألة أموال بل مسألة مبدأ.

وفي التاسعة والنصف من مساء تلك الليلة، أُقفل محضر التحقيق مع النائب أحمد نصار الشريعان، وتم الإفراج عنه دون كفالة بعد أن اتضح أن لا طائل من وراء التحقيق وسط تمسكه بحصانته البرلمانية، فكان الإفراج عنه بمنزلة اعتراف ضمني من جانب السلطة بشرعية امتناعه عن الإدلاء بأية أقوال استناداً إلى حصانته البرلمانية كعضو في مجلس الأمة.

الزفة

خرج الشريعان من المخفر ليواجه المئات من المواطنين الذين حضروا منتظرين لحظة الإفراج عنه، فرفعوه على الأكتاف في أجواء احتفالية بددت أي شعور آخر موجود عند أي من الحضور بعد أحداث الجهراء قبل يومين. حمله الجمع من باب المخفر إلى سيارة مرسيدس كانت تنتظر، في حين تعالت الصيحات من كل جانب «هذا انتصار ما صار... تسلم يا أحمد نصار»، وركب معه رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون ونائبه صالح الفضالة وخرجوا جميعاً من فتحة السيارة العلوية يلوحون للجماهير الذين حاصروا السيارة مشياً على الأقدام وهي تخرج من الفيحاء في اتجاه الجهراء.

وفي الطريق إلى الجهراء، أحاط بسيارة الشريعان العديد من سيارات المواطنين في مسيرة احتفالية أخذت تتباطأ عند دوار نادي الجهراء القريب من ديوانية الشريعان، وهو الموقع نفسه الذي تجمع فيه المواطنون يوم الاثنين الماضي، فأوقف الناس سياراتهم في ذلك المكان وترجلوا ليحيطوا بسيارة الشريعان من كل جهة لدرجة لم تتح لها التحرك. وبينما كان الشريعان يرد على تحيات المواطنين واقفاً من فتحة السيارة، حاول بقية النواب إفساح المجال للسيارة كي تتحرك. ولم تتوقف الصيحات من كل جانب، وضحكات ابتهاج من الجميع تفصح عن الشعور بانتصار كبير، وإنْ كان رمزياً، في التاريخ القصير للحركة الدستورية.

فلاشات بعض الكاميرات تضيء الليل، بينما يواصل المتجمعون هتافاتهم الموجهة إلى الشريعان، ويضيفون عليها «نواب المجلس يحكون... تسلم يا أحمد سعدون» فيرد السعدون من على سقف السيارة التحية مبتسماً. وفي خلفية كل هذه الضجة الاحتفالية، برزت زغاريد النساء وتصفيقهن من منزل الشريعان، فكان العشرات منهن واقفات عند الباب ليشهدن هذه اللحظة التاريخية، فتوجه إليهن الشريعان رافعاً عقاله لتتعالى الزغاريد والصفقات وضحكات الابتهاج.

الديوانية رجعت

كان الآتون مبكراً إلى ديوانية الشريعان يراقبون من نوافذها ما يجري في الخارج من تظاهرة احتفالية، إلى أن بدأ الحدث يقترب. فدخل مجموعة من النواب، فذاك أحمد الربعي مبتسماً وعلى رأسه «التشريمبة»، وهذا حمد الجوعان يدخل الديوانية وقد وقع عقاله فهو يعدل الغترة في حين تعلو وجهه ابتسامة كبيرة، ويدخل أحمد السعدون مبتسماً فيقبل الربعي ويحتضن الجوعان ويبارك ليعقوب حياتي وناصر صرخوه وبقية النواب فرداً فرداً، فيسأل الربعي منبهاً «بو شريعان وينه؟»، ويأتيه الجواب من بوابة الديوانية التي دخلها الشريعان مصحوباً بصيحات الجماهير. ويجلس بجانب الربعي وعباس مناور، فينهض الربعي من مكانه مرة أخرى ليقول للموجودين: «الديوانية رجعت يا شباب! الديوانية ردّت!» فيضج المكان بالتصفيق بعد أن لاحظ الجميع أنهم في نفس المكان الذي منعوا من دخوله قبل يومين.

واستمع النواب إلى فاصل من الجمهور يطلق صيحاته باسم كل واحد منهم، فيشير السعدون إلى الجمهور مبتسماً «لا تنسون عباس مناور»، فيرتجل أحد الحاضرين صيحة ويردد الجمهور وراءه «شعبنا ثابت ما يناور... تسلم يا عباس مناور»، وينهض مناور من مكانه المجاور للشريعان ويلوح للجماهير ببشته ابتهاجاً. ويسود الهدوء في الديوانية التي غصت بالحضور، بينما تسلق العشرات نوافذ الديوانية من الخارج محاولين الاستماع ومشاهدة ما يدور داخلها، ويقف الشريعان مخاطباً الجمهور شاكراً «كل خطوة خطيتوها هذا اليوم»، شاكراً زملاءه النواب والمحامين والمواطنين الذين ساندوه، وذكر أنه قال للمحققين: «أمتنع عن الإدلاء بأي أقوال في التحقيق حتى ينعقد مجلس الأمة وترفع عني الحصانة البرلمانية بحكم أني عضو في المجلس، لذلك أبشركم بأنني خرجت من دون شروط أو كفالة، ما يؤكد صفتي الدستورية كنائب.» فتعالى التصفيق والهتافات.

كلام خطير

ثم خاطب رئيس المجلس أحمد السعدون الجمهور قائلاً: «قبل 48 ساعة فقط منعنا وبقوة السلاح من دخول هذه الديوانية، وقد ووجهنا بآلاف من قوات الأمن على الرغم من أننا لم نتجاوز الألف شخص نصفهم من المارة حسب تصريح وزير الاعلام، ولكن تشاء إرادة الله وإرادة الناس أن يلتقي هذا الجمع الآن ويتحدث عن عودة الديمقراطية والدستور والمجلس في نفس المكان الذي منعنا منه». وأشار السعدون إلى لقاء وزير الاعلام الشيخ جابر المبارك مع وكالة رويترز الاخبارية، الذي لم تنقله الصحف المحلية، بينما نقلته جميع وسائل الإعلام العالمية والخليجية، فقال: «لقد ورد في حديثه كلام خطير ولم تسمح الحكومة بنشره في الصحف المحلية، فقد ألغى الدستور عندما قال لا عودة لمجلس الأمة بتلك الصيغة، وهو يعلم أن لا عودة للمجلس إلا بصيغته الدستورية، الدستور باق»، لافتاً إلى أن الوزراء كافة قد باشروا أعمالهم في هذه الحكومة بعد أن أقسموا على احترام الدستور، مضيفاً «نقول للأخ الفاضل وزير الاعلام لقد تلفظت بما لا تملك، وأعلنت إلغاء الدستور وأنت لا تملك ذلك.» مشيداً في الوقت ذاته بما قام به الشريعان في التحقيق، مبيناً أن الشريعان حاولت السلطة اعتقاله «وحرره الشعب»، فضجت القاعة بالتصفيق.

ورد الديموقراطية

وفي غمرة الهتافات نهض النائب حمد الجوعان من مكانه والتقط باقة ورود وجدها أمامه وأخذ يلقي الورود على المتجمعين قائلاً: «هذا ورد الديموقراطية»، ليطلق بعدها صيحة حماسية ويردد الجمهور من ورائه «وحدة وحدة وطنية... مجلس أمة وحرية». ثم شكر السعدون جمعيات النفع العام التي وجهت برقيات إلى رئيس الوزراء تستنكر أحداث الجهراء قبل يومين، لافتاً إلى برقية محمد المرزوق إلى وزير الداخلية، قائلاً: «نحن كنواب أو جمعيات نفع عام دورنا أن نرسل برقيات ونستنكر، لكن أن يقوم مواطن بذلك فهذا الغير متوقع». وتلا حمد الجوعان برقية المرزوق على الحضور، فغصت القاعة بالتصفيق ووصفه البعض بالبطل، فنهض المرزوق من مكانه وطلب منه النواب أن يأتي ناحيتهم ليراه الجمهور ويحييه. ثم شكر السعدون الموجودين، مذكراً بلقاء الاثنين المقبل في ديوانية فيصل الصانع بكيفان، فانصرف الجمهور في الحادية عشرة مساءً بعد ليلة احتفالية لم يعش مثلها منذ سنوات.

صيحات ديوانية الشريعان

بعد التجمع في ديوانية الشريعان عقب الإفراج عنه، سادت أجواء احتفالية شهدت صيحات متواصلة من قبل جموع المواطنين الموجودين، فراحوا يهتفون بأسماء النواب بصيحات ارتجلوها في تلك اللحظات:

هذا انتصار ما صار ... تسلم يا أحمد نصار

وحدة وحدة وطنية ... مجلس أمة وحرية

لا شرطة ولا حراس ... يطقون عيال الناس

أعضاء المجلس يحكون ... تسلم يا أحمد سعدون

هذا الكويتي يدافع ... مجلس الأمة راجع

لا ظلم لا جور ... عاش عاش الدستور

عدو المجلس يا ويله ... تسلم يا مبارك الدويلة

الكل للمجلس ولهان ... تسلم يا حمد جوعان

المجلس ياي يا ربعي ... تسلم يا أحمد الربعي

المجلس خير من يشهد ... تسلم يا محمد المرشد

مطلبنا مطلب سامي ... تسلم يا بن قطامي

أحمد أحمد يا خطيب ... مجلسنا هو الطبيب

مجلسنا راجع باكر ... تسلم يا أحمد باقر

المجلس راجع يا قومي ... عاشوا عيال الرومي

مجلس رابح مو خسران ... يسلم خالد العجران

مجلس رابح مو خسران ... تسلم يا ابن حجيلان

شعبنا ثابت ما يناور ... تسلم يا عباس مناور

ناصر ناصر يا صرخوه ... مجلسنا وين ودوه

البرقية تأتي تأتي ... عاش دكتور حياتي

مطلبنا نافع نافع ... تسلم يا فيصل صانع

لجنتنا ما ننساها ... وكل الشعب وراها

بوشريعان يا بوشريعان ... انت عزيز لا ما تنهان

من أشعار ديوانيات الاثنين

تقول الشعب عزويتي وهمي من .... همه

وصديت عن مطلبه ما بديت لك ..... همه

كل شي وضح واتضح ما همكم ... همه

دستوره لما انكتب محد رفض أو .... ثار

صدر الشعب يحضنه ويصير حقه اد ... ثار

احذر شباب الوطن لمعزته لو ... ثار

حتى الرضيع بالوطن يرضع لبن ... همه

«غير معروف»

(يتبع)

شاهد ملفات فيديو توثيق حلقات ديوانيات الاثنين على يوتيوب

الشريعان يمتنع عن الإجابة عن أسئلة المحقق الذي هدده بالحجز 21 يوماً فقال «فدوة للي ساندوني»

صيحات الجماهير وزغاريد النساء استقبلت الشريعان في نفس المكان الذي مُنِع الناس من دخوله قبل يومين

14 محامياً تناوبوا للدفاع عن الشريعان بعد أن طردهم المحقق واحداً تلو الآخر

ديوانية الشريعان غصت بالحضور فتعلق البعض على النوافذ لمتابعة ما يجري في الداخل

وزير الإعلام ألغى الدستور وهو لا يملك ذلك ويعلم أن لا عودة للمجلس إلا بالصيغة الدستورية أحمد السعدون
back to top