إلقِ بدلوك حيث أنت

نشر في 26-10-2008
آخر تحديث 26-10-2008 | 00:00
No Image Caption
 ناصر الظفيري قبل أن أبدأ هذه المقالة، اسمحوا لي أن أشيد بالدكتور ساجد العبدلي الذي أحرص على متابعته في كل ما يكتب، وأن أذكّر بمقولة للياباني آكيو موريتا صاحب «سوني»: اذا كنت تعتقد أن طريقك دائما هو الحق، فلقد فاتك الكثير من الأفكار الجميلة.

ضلّت احدى السفن طريقها في المحيط ونفد ماء الشرب من بحّارتها لأيام، ومن بعيد شاهدت السفينة سفينة صديقة فرفعت اشارة استغاثة تقول «ماء، ان العطش يقتلنا»، فرد قبطان السفينة الصديقة بإشارة تقول «إلقِ بدلوك حيث أنت»، لكن السفينة لم تفهم الاشارة فرفعت مرة أخرى نفس الاشارة «اننا نموت من العطش»، لكن الجواب كان هو نفسه «إلقِ بدلوك حيث أنت».

وبعد أن تكررت الاستغاثة والاستجابة، انتبه قبطان السفينة وألقى دلوه ليجد الماء عذبا، وكانت السفينة قد دخلت فم نهر الأمازون من دون أن يدرك قبطانها ذلك.

هذه الحكاية استخدمها المفكر «بوكر ت. واشنطن» عام 1901في محاضرة مشابهة لما أريده هنا.

كان الرجل في ذلك التاريخ يخاطب الأميركي الأبيض لكي ينتبه إلى هؤلاء المهمشين من السود، وسأقتبس منه سطراً لا أزيد «ألقوا بدلوكم بين أفراد شعبنا، علّموا عقولهم وأيديهم وقلوبهم لتخضرّ حقولكم وتعمل مصانعكم ويزدهر مستقبلكم، بفعلكم هذا ستجدون حولكم أناسا محبين مؤمنين ومطيعين للقانون».

لولا هذا الرجل الذي سميت الفترة من 1895 حتى 1915 وهو تاريخ وفاته بعصر بوكر واشنطن، لما استطاع بعد قرن من الزمان «باراك حسين أوباما» أن يضع قدمه خطوة أقل على عتبة البيت الأبيض ويختار رجلا أبيض نائبا له ليقود أمة تقود العالم.

والآن أقول لكم، لقد أضعتم الكثير من العقول الجميلة ومن رجالكم المخلصين. عقول أنتم رعيتموها وأنفقتم عليها وتذكر لكم جميلكم ولا تجد طريقا كي ترد هذا الجميل، أناس لم يعد لهم من طموح سوى العمل الكريم والمعاملة الطيبة. اعرف وتعرفون أنكم خلال نصف القرن الذي قاسموكم به ملحكم وخبزكم لم تجدوا منهم إلا الاخلاص في العمل والتفاني في الخدمة والحرص على مقومات الدولة.

الآن أقول لكم: لا تفرطوا بطبيب ومهندس ومدرس وجندي وعامل ومزارع من نسيجكم، اختلطت دماؤه بدمائكم وعاش سرّاءكم وضرّاءكم، صاهركم وصارهتموه لتستوردوا طبيبا ومهندسا وجنديا وعاملا ومزارعا من غير نسيجكم لن يبقى لكم ولن تبقوا له مهما كانت الحسبة الاقتصادية، لقد زرعتم ليحصد غيركم وأنفقتم ليجني سواكم.

كم كويتية تعيش غربتها مع زوجها البدون في المنفى، من دون أن تفسر لأولادها سبب غربتها؟ كم طفلا من البدون في الغربة يرفع علم الكويت حين يرفع أبناء الجاليات الأخرى أعلام بلادهم؟ كم رجلا من البدون يعلّم أولاده أن وطنهم الكويت كي لا يخون تاريخه؟ لماذا يقول الفلسطيني الذي ولد فى الكويت وهاجر منها دكتورا أو مهندسا إنه فلسطيني وكذلك يقول المصري واليمني والعراقي، ولهم الحق في ذلك، ويقول البدون إنه كويتي؟

الآن أعود إلى أستاذي ساجد العبدلي، مع حفظ اللقب، تقول يا سيدي إنك نشأت بين إخواننا السلف وشاركتهم ميولك منذ نشاطك الطلابي، وفاجأوك بتصويتهم ضد الحقوق الانسانية للبدون، أقول لك إنني نشأت بينهم مختلفا معهم منذ النشاط الطلابي ولم يفاجئني تصويتهم، وأعتقد أنها كانت ستشكل مفاجأة لي لو فعلوا العكس.

عتبي الكبير على المثقف والمؤسسات الثقافية والاجتماعية في بلدي، لاعتقادهما أن الثقافة شعر ورواية ومسرح وليست مشاركة في هموم الناس وحقوقهم.

بقيت كلمة أقولها لرجال الحكمة في وطني وصانعي هذا الوطن الجميل الذي نفاخر ونفتخر به رغم الجراح: «لقد شاب آباؤنا وشبنا وأرى الشيب في رؤوس أبنائنا، فألقوا بدلوكم حيث أنتم».

back to top