العم غوغل

نشر في 11-02-2009
آخر تحديث 11-02-2009 | 00:00
 د. مأمون فندي حقيقة لم أكن أنوي الكتابة في الموضوع، ولكن شجعني مقال الأستاذ حمدي رزق في صحيفة «المصري اليوم» والمعنون بـ«قائمة فيلكا» على أن أضم صوتي إلى صوته، كما يقال. ظهرت هذه الأيام صفحة إنترنتية باسم «فيلكا إسرائيل»، على أنها صفحة إسرائيلية يديرها الأكاديمي إليا بن سيمون الأستاذ بجامعة تل أبيب. نشرت هذه الصفحة موضوع الكتاب العرب الذين طلبت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني نشر مقالاتهم على موقع الخارجية الإسرائيلية، وزادت فيلكا بأن هؤلاء يتقاضون مرتبات من الخارجية الإسرائيلية، وأنه يجب نشر مقالاتهم السابقة واللاحقة، وحملت «اللستة» خليطا كبيرا وغير متجانس من الكتاب العرب ومن المقالات.

ولكن «أبو العريف غوغل» الذي لا يترك شاردة أو واردة إلا و«يجيب آخرها»، يقول إنه لا يوجد أكاديمي إسرائيلي بهذا الاسم. ولو لم نصدق «غوغل» وافترضنا أن هذا الشخص موجود فعلا، فيا ترى لماذا يخصص أكاديمي إسرائيلي كل وقته وصفحته الإلكترونية للشأن اللبناني فقط؟ ولماذا يشن هجومه على قائمة من الكتاب اللبنانيين مثل غسان شربل وجهاد الخازن وحازم صاغية؟ ألا توجد قضايا أخرى تهم الأكاديمي الإسرائيلي، كـ«حماس» مثلا أو «حزب الله»، إذ من المفترض أنهما من ألد أعداء إسرائيل؟ عندما بحثت عن «فيلكا» هذه في غوغل ومحركات البحث الأخرى وجدت أنها صفحة مسجلة في أميركا على الإنترنت، والأهم أن كل روابط الصفحة مع صفحات أخرى تقود كلها إلى طريق واحد لا غيره هو لبنان! وبالعودة إلى ما نشره موقع الخارجية الإسرائيلية، فإن «العم غوغل» يظل هو الحكم. يؤكد «غوغل» أن الخارجية الإسرائيلية لم تنشر لي أي مقال كتبته في فترة الحرب، ما نشرته لي من بين آلاف المقالات التي كتبتها في حياتي، هو مقال واحد مكتوب في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 12 نوفمبر عام 2007/ العدد 10576 بعنوان «مؤتمر أنابوليس: ماذا يريد العرب؟»، أي كُتب قبل الحرب بأكثر من عام، مقال يؤكد ضرورة أن يستفيد العرب بأقصى درجة ممكنة من مؤتمر أنابوليس، وأن يعينوا الفلسطينيين على تحقيق أكبر مكاسب منه، وهذه فقرة منه لم تنشرها الخارجية الإسرائيلية طبعا وتجاوزتها فيما نشرت من المقال: «مؤتمر أنابوليس يستحق منا ولو شيئا من الجدية في التعامل معه... المطلوب من العرب مساعدة الفلسطينيين قانونيا، من خلال طاقم من المحامين الدوليين الذين يستطيعون إنقاذ الفلسطينيين من أي ورطة قانونية أو سياسية أو أي شرك إسرائيلي قد يحدث أثناء التفاوض».

وتساؤل بسيط، لماذا لم تنشر الخارجية الإسرائيلية المقال الذي كتبته في بدايات الحرب على غزة، وهو من أوائل المقالات التي كتبت في هذه الفترة، وهو منشور في الصحيفة نفسها بتاريخ 29 ديسمبر 2008/ العدد 10989 بعنوان «الإسرائيليون.. وحريق المنطقة»، وهذه فقرة منه:

«يجب أن تدرك إسرائيل بأن التوصل إلى معادلة أمن إقليمي، ليس بضرب غزة أو بضرب «حزب الله»، وإنما بالتفكير الجاد في تصور إقليمي ممكن للأمن ينظر للمنطقة كوحدة استراتيجية متكاملة، بما فيها إيران و«حزب الله» و«حماس». وإن بداية هذا التصور تنطلق من محاولة جادة للتعامل مع الطرح العربي القائل بالأرض مقابل السلام».

لا يهمني شخصيا ما تنشره الخارجية الإسرائيلية. المهم في الأمر كله، أن تكون لدينا في عالمنا العربي ثقافة الاختلاف التي تؤهل للمحاكمة المنطقية لما يكتب وينشر ولا تسمح بالتالي بالإرهاب الفكري الذي يمارسه بعضنا على بعض. فليس ضروريا أن نتفق جميعا على سياسات «حماس»، ويجب ألا ترهب الأكثرية منا الأقلية التي تختلف معها، بغض النظر مَن هم الأكثرية... ومَن هم الأقلية؟ كتبت مقالات عدة أنتقد فيها سياسات حركة «حماس» من حيث علاقتها مع الفصائل الفلسطينية الأخرى ومن حيث تداخلها الخطير باللعبة الإقليمية في المنطقة ككل. هذا دوري ككاتب وكمثقف أن أرى الأمور بشمولية أكبر ورؤية قد تكون مختلفة. وليس من المنطقي أبدا، أن نتردد، كتابا ومثقفين، في القيام بدورنا في نقد مجتمعاتنا وحكوماتنا ودولنا وزعمائنا، لأننا نخشى أن تسمع إسرائيل بهذا النقد وتنشره على موقع وزارة خارجيتها أو في أي موقع تريده. بعض الصحف العربية تخصص صفحة لمقالات نشرت في صحف إسرائيلية، مقالات لكتاب إسرائيليين تنتقد الداخل الإسرائيلي. فهل يعني هذا أن هؤلاء الكتاب متواطئون مع العرب ويدافعون عن المصلحة العربية لا عن مصلحة إسرائيل؟

المثقف، كما يراه إدوارد سعيد، مَن لديه ملكة المعارضة ورفض الجمود والرغبة الدائمة إلى الإصلاح والتغيير للأفضل. مهمة المثقف هي الاختلاف الذي يجعل الأفكار أكثر حيوية ونشاطا، وهو في كل ذلك منفتح على الآخر رافض للتعصب والتعميم. عملية النقد التي يمارسها المثقفون والكتاب في مجتمع ما هي الحل الوحيد لتطوير هذا المجتمع. فلندفع جميعا باتجاه هذا التطوير ولنحتكم عندما يتشوش الأمر علينا إلى «العم غوغل» ومحركات البحث الأخرى.

* مدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز الدولي للدراسات السياسية والاستراتيجية IISS

back to top