محطات في حياة المسافر (19) عمر الشريف: المرأة الغربيّة فشلت في اقتحام حياتي!
في الحلقات السابقة، استعرضنا حياة عمر الشريف التي عصفت بها رياح التغيير، من ابن مدلل لعائلة شامية تعيش في الإسكندرية إلى ممثل توِّج بطلاً من الفيلم الأول بل وتزوج البطلة التي كانت في الواقع نجمة الشاشة العربية وسيدتها وهي الفنانة فاتن حمامة، ثم حملته تلك الرياح بعيداً عنها إلى ضفاف أخرى من أحلامه، حيث أضواء النجومية براقة أكثر، فتتحققت بذلك نبوءة العرافة اليونانية وأصبح الشريف نجماً عالمياً ويعيش غريباً عن وطنه، تجتاحه أحاسيس الغربة الموجعة مع نجاحاته وانتصاراته السينمائية في مزج رائع جعل منه شخصية متفردة، وبدلاً من أن تأسره الوحدة، تحرر هو منها بالقمار والبريدج وحياة السهر و... الحب والنساء.كما أرادت والدته منذ طفولته أن يكون ابنها «أجمل رجل في العالم»، كان الشريف ساحر النساء الذي أجاد لعبة الحب، وحقق فيها انتصاراته من دون أن يخطىء ولو مرة واحدة في إصابة هدفه أو الافلات من اللعبة بلا أية آثار مدمرة أو حتى مجرد الإحساس بالخسارة، فكما عشق القمار وحصل على مكاسب كبيرة من تلك اللعبة حتى أصبح من أحسن أربعين لاعباً للبريدج في العالم، حصل أيضاً على مكاسب كثيرة في لعبة النساء والحب، فهو من أكثر الرجال وسامة في العالم ووقعت في هواه آلاف النساء، وصار معبوداً لهن في أوروبا وأميركا ومصر، وصارت خطوط حياته متقاطعة مع البريدج والحب، فبدا وكأن كل انتصار يحققه في اللعب يساويه انتصار آخر في الحب، بل كانت أكثرية مشاهديه ومتابعيه في مباريات البريدج من النساء.
كانت حياة الشريف مثل ورقة اللعب، وجه للبريدج ووجه للنساء، يلعب كثيراً ويدخل في منافسات شرسة على طاولة القمار، ويحب كثيراً ويدخل في مغامرات عاطفية عنيفة مع أجمل النساء، وكما لا تهمه حسابات المكسب والخسارة في القمار لا يتوقف كثيراً عند نهاية قصة حب، لأنه دائماً كان هناك حب جديد يطرد حباً قديماً... وبالتالي فهو ينسى النساء اللاتي أحبهن سريعاً ما دام دخل في حب جديد، كذلك كان بارعاً في إنهاء علاقاته العاطفية عند نقطة معينة، نقطة اللاخسارة، بحيث يصبح في النهاية هو والطرف الآخر صديقين، وفي اعتراف جريء له يقول «لم أحب أي امرأة عرفتها بدليل أنني لم أتعذب في هواها».رهانيراهن الشريف دائماً على الحب والنساء... لا توجد امرأة أرادها ورفضته، لم يتعذب ولم يعان أو يسهر ويفكر، على العكس كل شيء بالنسبة إليه سهل مثلما يلعب القمار تماماً، وقواعد اللعبة في الحالتين سهلة، فهو يعرف كل مقوماته بالنسبة الى النساء وهي جاذبيته ووسامته وشهرته وموهبته وعطفه وحنانه وعاطفته المتأججة دائماً لهن. يقول الشريف: «لم أقابل النساء اللاتي أحبهن، ثم أحاول أن أعرفهن، ثم أصل معهن إلى ما هو مفروض، دائماً أنجح في الحصول على ما أريد بطريقتي، أحصل على أي امرأة أريدها لأنني أعطي نفسي كلية، ومن هي هذه المرأة التي ترفض هذا الكم الكبير من الدفء الإنساني؟ أن تعطي.. تواسي.. تحمي.. ترشد.. تلك هي مميزات الرجل .. وإلغاء تلك الأمور معناه إلغاء امتياز الرجل».عرف الشريف الذي أحب كثيراً أن هناك فرقاً بين امرأة وأخرى. دائماً كانت تعجبه امرأة معينة، امرأة تشعره بذاته من دون أن تتخلى عنها أو تلغي وجودها لأي شخص حتى لو كان حبيبها، فهذا يسلبها ماهية وجودها ويسرق روحها، وهو أمر يرفضه الشريف ويقول: أحب جداً المرأة التي لها شخصيتها المستقلة، لا تكون تابعا لزوجها، تعتمد على نفسها ويعتمد عليها، أحب في المرأة طريقة تفكيرها والحوار معها، المرأة الذكية التي لها أحلام تسعى الى تحقيقها تجذبني، وفي الوقت نفسه أرفض المرأة عندما تشعرني بضعفها وبأن لا حيلة لها، كذلك أرفضها عندما ينتصر ذكاؤها على حبها وتتعامل معي من منطق قوة الرجل. أحمل ملامح الرجل الشرقي بداخلي مائة بالمائة. يطل هنا المزاج الشرقي لشريف الذي تعجبه وتجذبه المرأة القوية التي تستخدم ذكاءها وأنوثتها، لكنها في الوقت ذاته لا تتعارض وتتناقض معه علانية، بل التي تثبت له ببعض الوسائل التي يفضل ألا يعرفها أنه مخطىء،على ألا تواجهه رأساً برأس على قدم المساواة، فهو يرفضها لأنها هنا تعطيه إحساساً بالعجز.يلعب الشريف مع النساء مثلما يلعب القمار، فهو لا يعرف أوراق خصمه ويعتقد أن الأخير أضعف وأقل مالاً، وعليه فهو دائماً يكسب، وعلى المرأة التي تعرفه أن تكون الخصم الأضعف. يقول الشريف: فشلت المرأة الغربية في أن تحتل حياتي أو تقتحمها بالشكل الذي يجعلني أرتبط بها إلى الأبد، دائما كنت أقارنها بالمرأة المصرية، فأجد أن الفرق كبير بالنسبة إلي، أنا الذي اعتدت على دفء المرأة المصرية وحنانها وتفانيها وشخصيتها التي تحمل القوة والضعف معاً، لذلك لم أستطع الدخول في علاقة حب حقيقية في الخارج على رغم الحكايات كلها التي كتبت عني. يضيف: لا أتفق مع السيدات الأجانب، عقليتي لا تتفق معهن، أسلوب كلامهن وتصرفاتهن فوق قدرة احتمالي.. الأجنبيات شكلهن حلو ولطيف، لكن عاداتهن مختلفة عنا تماماً. لست ممن يقولون إن الرجل أهم من المرأة أو العكس، فأنا رجل متحضر جداً، لكنّ هناك أسلوباً لا بد للمرأة أو بالذات الزوجة من أن تعامل به رجلها، وهو أسلوب الأنوثة، المشاعر، وليس أسلوب القوة والعافية، لست معتاداً أن تكلمني الست بطريقة «مستعفية».عاشق الحرية وقع الشريف في غرام بطلات أفلامه بدءاً بفاتن حمامة وانتهاء بأنغريد برغمان وباربرا سترايسند، وكانت لكل منهن حكاية يعيشها بصدق وقوة ثم ينساها، وكانت تلك طبيعته في الحياة، فالحياة بالنسبة اليه دائماً مجرد لعبة لا يشارك فيها وبالتالي لا يخسر.تزوج الشريف مرة واحدة، ولم يفكر في الزواج ثانية بعد طلاقه من حمامة على رغم أنه أحب عشرات المرات نساء رائعات الحسن والجمال، ومعروف عنه تحفظه الشديد دائماً في كلامه عن حمامة التي يشيد بها ويقول: « كانت فاتن حمامة وستظل سيدة الشاشة العربية بامتياز، حمامة بالنسبة الي والى ملايين من عشاق فنها الجميل فنانة عظيمة بكل ما تعنيه الكلمة، لن يجود الزمان بمثلها، فنانة محترمة حفرت اسمها في صخرة الفن الصلبة لتصنع لنفسها مجداً مشرفاً وتاريخاً طويلاً من الفن الراقي الجميل، والدليل نجاح أفلامها، وأعتقد أن ذلك يكفيها لتظل على القمة مهما مر الزمن، ولا أنسى كم ساندتني تلك الإنسانة العظيمة بالكثير ووقفت إلى جواري في بداية مشواري الفني والذي أثمر عن مشاركتنا سوياً في أشهر كلاسيكيات السينما العربية وأعظمها».يتحدث الشريف بعمومية عن حمامة، فمنذ انفصالهما وزواجها بالدكتور محمد عبدالوهاب يخجل أن يتحدث عنها بخصوصية، على رغم أن بينهما ابنهما طارق وأحفادهما، وعلى رغم صداقتهما التي وصلت إلى أنه يستشيرها في أعماله الفنية في مصر، فمثلا هي التي اختارت له أبطال مسلسله التلفزيوني «حنان وحنين» الذي عرض في رمضان الماضي، ومع ذلك فإن حمامة ستظل المرأة الوحيدة التي اقتنع الشريف بالزواج منها: «عندما كنت متزوجاً من حمامة، لم أكن أشعر بأني أطير في السما وألمس السحاب وأشياء من هذا القبيل، لكني لم أستطع أن أعيش مع امرأة أخرى وأتزوجها، وهي على الرغم من نجوميتها امرأة شرقية على العكس من السيدات اللاتي عاش معهن وأحبهن في الغرب، الحنان لدى السيدة الشرقية هو أهم ما يميزها، ونحن معشر الرجال نهتم بمن يريحنا، «نحن الرجال عقلنا صغير»، «عقلنا عقل أطفال» أي أنه قد نكون أعظم شخصيات العالم، لكن نعود الى الطفولة حينما نشاهد مباراة كرة قدم أو مباراة مصارعة مثلاً».كذلك تعود الشريف أن يحب بطلات أفلامه، كانت تعجبه نساء باريس بالذات، خصوصًا بعد قصة الحب العنيفة التي حدثت بينه وبين الممثلة الفرنسية الشهيرة أنوك إيميه والتي كاد يتزوجها ثم عدل فكرته لأسباب يقول إنه لم يعرفها، لكنه في حقيقة الأمر كان يخاف من فكرة الزواج ويشعر أنها ربما تشكل عليه قيداً، وربما يظلم من سيتزوجها لأنه لا يعيش حياة مستقرة: «أنا رجل يعيش حياة متعبة للغاية لا يمكن أن يكون فيها مكان لامرأة تبحث عن الاستقرار، حياتي غير طبيعية، غير مستقرة في مكان واحد، معظم عمري قضيته في الفنادق، لم تكن لدي مواعيد نوم واستيقاظ ولا مواعيد طعام، لم أستطع أن اتزوج وأرتبط بواحدة تسافر معايا الدنيا من مكان الى آخر».التقت الفنانة الفرنسية آنوك إيميه بالشريف أثناء تصوير فيلمهما «الموعد» إخراج سيدني لوميت، أحبته فأحبها، وتفانت في إظهار الحب الذي أبهره وجعله يتشبث بهذه الفتاة الرقيقة التي اقتحمت وبهدوء حياته فجأة حتى صارت ملمحاً أساسياً فيها لا يمكن الاستغناء عنه، ولهلّ ذلك بقدر ما أسعده أخافه. يُعلق الشريف: «أعطاني فيلم «الموعد» الفرصة لأن أقابل من أعتبرها أكثر النساء غرابة وهي أنوك إيميه، كانت بلا أدنى شك فتاة رائعة الجمال ذات صفات لم أجدها في امرأة أخرى، فهي تعرف بالضبط كيف ترضي الرجل الذي تحبه، توفر له كل الأشياء التي يحبها ويريدها... وفي اللحظة التي يريدها، تُسعده بمجرد جعله يشعر أنها هي الأخرى سعيدة. أنوك رقيقة مثالية، ولقد جاء الوقت الذي فكرت فيه أننا يمكن أن نرتبط في حياة واحدة، لكن القدر فرّق بيننا، لا أعرف كيف حدث هذا. هل كانت غلطتي أم غلطتها؟ لا أدري ولكنني في وقت ما من علاقتنا أردت حقاً أن أتزوجها، لكن الحاجة الى أن احتفظ باستقلاليتي هي التي انتصرت ولقد أثبتت التجربة أنني كنت على حق».هكذا انفصل الشريف عن إيميه، ثم قابلها بعد ذلك في ستوديو «فوكس» مع الممثل ألبرت فيني، كانت تعيش معه قصة حب ثم تزوجته بعدها بينما كان الشريف يفكر في امرأة جديدة، ومثلما صار صديقاً لحمامة وزوجها الراهن، صار أيضاً صديقاً لإيميه وزوجها، حتى أنه استطاع أن يقنع أنوك بالتمثيل في فيلم كانت ترفض العمل به لأن حبيبها فيني كان يعمل في فيلم آخر في بلد آخر وكانت تريد اللحاق به، إلا أن الشريف استطاع الاتصال بصديقها ليقنعه بالاتصال هاتفياً بإيميه كي تنهي عملها، وفعلاً اتصل بها فيني وأقنعها أن تسافر إليه بعد انتهاء تصوير فيلمها. لم يكن الشريف أنانيا طول الوقت فهو لم يغضب حينما يرى حبيبته السابقة في صحبة رجل آخر، بل على العكس فهو يمنحها الحقوق ذاتها التي يمنحها لنفسه.ميراثه من والدتهيؤكد الشريف اليوم أنه عاش أكثر من عشرين عاماً من دون امرأة: «تعودت على الحياة بمفردي، آكل، أنام بمفردي، أشاهد التلفزيون بمفردي، أتكلم مع ابني ساعات وألعب مع أحفادي لأعيش لحظات سعادة خيالية، تعودت على حياة العزوبية». على الرغم من أنه كان عنواناً بارزاً لقصص الحب التي تناقلتها الصحف ولم ينكرها، بل يرى أنها بدت كالحواديت القديمة، أسطورة مبالغ فيها، «هواية الصحافة الفنية إعطاء الأمور أبعادا وأحجاما غير حقيقية للموضوع، أنا رجل أعزب بالتأكيد كنت مادة خصبة للشائعات. أنا إنسان رومنسي جداً كما الشرقيين كلهم، وكان قلبي في فترات ما يسيطر على شخصيتي وربما أكون وقعت ضحية الابتزاز العاطفي نتيجة تلك الرومنسية المفرطة، لكن ربما أدى الاحتكاك بالآخرين في بلاد الغرب والحياة الصعبة هناك إلى اكتسابي مزيد من القدرة على أن أجعل عقلي يسيطر أحياناً على عاطفتي».الرومنسية هي الاسم المرادف لشريف منذ إطلالته الأولى على الشاشة وحتى اليوم، حيث استمر جيلاً بعد الآخر يظهر كأيقونة بارزة للرومنسية وصورة للفارس الأسطوري الذي تحلم به فتيات كثيرات، وهي جزء من سمة خاصة اكتسبها الشريف من والدته التي كانت بالنسبة إليه النبع الصافي للرومنسية والحب، وظلت كذلك في حياته الى درجة أنه كان يشعر بأنها المرأة الوحيدة التي تمنحه الحرية وتجعله يتوغل بجرأة أكثر في الحياة، يقول الشريف: كانت أمي موجودة دائماً في حياتي الى درجة أنني لم أكن أشعر بالحاجة الى امرأة أخرى، وإلى جانب ذلك فأنا إنسان عاشق للحرية، أحب أن تكون لي صديقة أو حبيبة، لكن لا أحب أن أنام في فراش واحد مع أحد، فعندما يحين موعد نومي يجب أن أنام وحيداً».يضيف الشريف: «تفتحت عيناي وأنا طفل على والدتي وبراءة وجهها وحنان قلبها، وبمجرد الجلوس بجوارها أشعر بدفء غير عادي، يتملكني إحساس بالأمان، بفضلها كانت طفولتي مثالية، كنا أسرة سعيدة تعيش في الإسكندرية وسبب السعادة أن أبي وأمي جمعت بينهما قصة حب، لذلك علمتني أمي ماهية الحب منذ نعومة أظفاري... وعندما بدأت أخطو أولى خطواتي في عالم التمثيل كانت أول من قام بتشجيعي بكل جوارحها... لم تبخل عليّ يوماً في إظهار مظاهر الدعم والمساندة في سبيل صقل موهبتي ووضعها على الطريق السليم ... أما من ناحيتي فكنت أستشيرها في كل أدواري قبل موافقتي النهائية عليها وأحكي لها كل ما يحدث لي من مواقف أو يقابلني من أشخاص أثناء التصوير، كانت تذهب إلى السينما لتكون أول من يشاهد أفلامي وتردد بفخر أمام الجميع «كل أفلام ابني جميلة».ثم يصمت الشريف وتدمع عيناه، ويقول: لم أتصور يوماً أن يرحل القلب الوحيد الذي أحبني بصدق، معها عرفت معنى أن يشعر رجل في مثل عمري الآن بأنه ما زال طفلاً، ساعات كثيرة أشعر أنني أريد أن أرتمي في أحضان أمي، لكني أصحو على الحقيقة المؤلمة... ماتت أمي».