هل نكْرَه المعرفة؟

نشر في 30-01-2009
آخر تحديث 30-01-2009 | 00:00
 محمد سليمان يحلم الأعمى بعيني زرقاء اليمامة أو بـ«قُفّة عيون»، كما يقول رجل الشارع المصري، لكي يرى ويرى ويرى ويكتشف العالم وينتقم من الظلام. وكما يحلم الأعمى بهذه العيون كلها، يحلم الكُتّاب، خصوصاً في بلادنا، بملايين القراء الذين يتابعون أعمالهم وينتظرونها ويهبون لوجودهم من ثم القيمة والمعنى والأهمية.

لكن الهوة بين هذا الحلم والواقع تتسع يوما بعد آخر بعد انحسار القراءة وانصراف الناس عن الكتب والكُتّاب وتواضع عدد النسخ المطبوعة والمباعة من الكتب والمجلات رغم جهود بعض الإعلاميين المخلصين، ورغم الهدايا التي تحاول بها معظم مجلاتنا اجتذاب القارئ وإغوائه كالكتب والأشرطة المجانية التي توزع مع المجلة، ورغم الدعم والأسعار الرمزية التي تباع بها.

أثار هذه الخواطر افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب، والسؤآل المحنَّط الذي طرحه علينا بعض الصحفيين بهذه المناسبة، وهو «ما الذي تتمنى أن تراه في معرض هذا العام؟»... وهل هناك ما نتمناه في هذه المناسبة سوى ظهور القراء وبحثهم عن كتبنا ودواويننا؟

كنت طالباً عندما افتتح معرض الكتاب المصري عام 1968 للدورة الأولى. كان الإقبال على القراءة في ذلك الوقت كبيرا، وكان بوسع الطالب أن يشتري بجنيه واحد عشرة كتب أو أكثر وأن يكون مكتبة لا بأس بها بعدة جنيهات.

المناخ العام في ذلك الوقت كان، رغم كارثة يونيو 1967، ثقافيا يحضُّ على القراءة والمعرفة والانشغال بالهم العام ومتابعة المنجزات الفنية والمعرفية في كل المجالات. ولأن الكتاب كان أوسع أبواب المعرفة وأخطرها في ذلك الوقت، تعاظم الاهتمام به والسعي إلى دعمه وتوفيره بسعر رمزي... فكانت هناك سلاسل عديدة للمسرح والقصة والتراث الإنساني تباع أعدادها بقرشين أو بخمسة على الأكثر، بالإضافة إلى برامج إذاعية تقدم الجديد وتسانده «أقلام جديدة- كتابات جديدة»، وأخرى تحث الناس على القراءة والمتابعة.

لكن ذلك الاهتمام تراجع عاما بعد آخر حتى صار نصيب المواطن مما ينشر لا يتجاوز سطورا عدة... ولا مجال هنا للحديث عن تراجع الكلمة المكتوبة بسبب سطوة الصورة وهيمنة الشاشات.

فالشعوب مازالت تبدع وتقرأ، والكتب في الغرب مازالت تطبع وتوزع ملايين النسخ. هل نحن شعب لا يحب القراءة ويكره المعرفة؟ لا أقطع بذلك خصوصا أن ديننا يحضّنا على التأمل والسعي من أجل العلم والتعلم... والفعل «اقرأ» كان أول أمر تلقاه الرسول الكريم وأبلغنا به. والتخلي عن القراءة يعني، في واقع الأمر، نوعاً من العصيان والتكاسل والقعود عن تأمل العالم وملاحقة جديده والرضا بالجهل والضعف والتخلف ومنح الآخرين فرص الاستخفاف بنا والسيطرة علينا.

***

في الأعوام الأخيرة قرر المسؤولون عن المعرض المصري استضافة دولة أجنبية أو عربية سنوياً كضيف شرف يُحتفى به وبثقافته ومنجزاته المعرفية، وقد اختاروا المملكة المتحدة ضيف شرف لهذه الدورة. وهذا التقليد إذا وُظَّف بشكل جيد وجاد يعد إضافة حقيقية لنشاطات معرض القاهرة وإثراءً لحياتنا الثقافية وانفتاحاً على ثقافات العالم ومنجزاته.

كان من المنتظر أن يشكل المسؤولون لجنة تعمل على مدار العام وتضم ممثلين عن الهيئات الثقافية المختلفة ودور النشر القومية لتقديم الضيف بشكل جاد يفيد القارئ المصري والعربي ويراكم سنويا معرفتنا بما يحدث في بلاد العالم المختلفة.

ودعوة ضيف ما يعني تقديم ثقافته وفنونه وأدبه، ويعني أيضا اختيار وترجمة ونشر بعض أهم منجزات مبدعيه ومفكريه في الأعوام الأخيرة وإتاحتها للقارئ والباحث والمبدع، خصوصا أن مصر لديها المركز القومي للترجمة وسلاسل الهيئة العامة للكتاب المهمومة بالترجمة والنشر «سلسلة الجوائز – سلسلة الألف كتاب الثانية»، بالإضافة إلى سلسلة «آفاق الترجمة» التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية وما تصدره أكاديمية الفنون.

واختيار المملكة المتحدة ضيف معرض الكتاب المصري كان يعني ترجمة ونشر عشرات الكتب الحديثة في محاولات الأدب الإنكليزي والفن والنقد والاقتصاد والمعارف التكنولوجية وغيرها، لكن الأمور سارت في الاتجاه الآخر الذي لا يهتم إلا بالمصافحات وخطب المجاملة والارتجال الذي يؤكد انصرافنا عن المتابعة وقلة اكتراثنا بما يحدث حولنا.

***

الكتاب الجيد والمدعوم كان ومازال هدفا لزائري معرض القاهرة، خصوصا أن معظمهم من طلبة الجامعات... لذلك زاد الإقبال على أجنحة دور النشر القومية وبعض الدور العربية التي تعي أن الكتاب كالرغيف بحاجة دائمة إلى الدعم والمساندة.

*كاتب وشاعر مصري

back to top