لئلا نندم
تشهد الأجواء الانتخابية المقبلة أجواء نفسية مختلفة عن باقي الانتخابات التي مرت بها البلاد، فحالة اليأس والقنوط والاحباط هي السائدة لدى السواد الأعظم من الناس، وأجواء الزهد بالممارسة البرلمانية والديمقراطية، أو بالأحرى «الكفر» بها هي التي تخيّم على الوضع العام، وعلينا الاعتراف بأن الذين سعوا وعملوا على تكفير الناس بالتجربة قد نجحوا في ذلك الى حد كبير بمساهمة من بعض أعضاء المجلس أو بمساعدة بعضهم.
في هذا المشهد الذي يعتريه اليأس وتخيّم عليه أجواء الاحباط، نحن أمام تجربة انتخابية جديدة ومختلفة عن باقي التجارب، اذ تحمل تحدياً لقراءة مؤشر مهم وهو ادراك المرشحين للأولويات الوطنية وتراتبيتها وحجم المسؤولية في التعامل معها. هؤلاء المرشحون الذين يشكل اغلبيتهم نواب ومرشحون سابقون يتحملون مسؤولية الانحراف، وما آلت اليه الأمور، هم الذين اعتادوا على تحريض الشارع وحشده وتأليبه. هذا السلوك السياسي الذي خطف الأجواء وطار بها ليصور الناس كأنهم حرامية أو كفار وأن النائب وحده حامي حمى المال العام وحافظ الدين والمحافظ عليه، ليس خطاباً سياسياً انتخابياً فلا يقوم على برامج وأهداف محددة بقدر ما يعتمد على انفعالات وعواطف، القصد منها تحقيق مكاسب شخصية او انتخابية على حساب مصالح الوطن وأولوياته. ولعل ما شهدته آخر تجربتين انتخابيتين يدلل على ذلك، فمحاربة الفساد لم تخفف منه، بل زادته لأنهم قدموا المهم وأهملوا الأهم. هؤلاء المرشحون الذين يهددون بالاستجواب ولم يصلوا بعد الى مقاعد البرلمان يضعون الحصان أمام العربة، ويؤكدون المثل الشعبي القائل «لا طبنا ولا غدى الشر» وكأن شيئاً لن يتغير، بل هم يؤكدون استمرارهم في نهج سوء استعمال الأدوات الدستورية بغير أغراضها وأهدافها الحقيقية، وهو السلوك الذي تسبب في شل الحياة السياسية والاقتصادية والتنموية في البلاد خلال السنوات الماضية، اضافة الى أولئك الذين ينادون بالقانون، وهم أول من يخرقه ويقفز عليه لمصالحه، فضلا عمن ينادي بعدالة القانون وهو أول من يطالب بتمييز جماعته أو قبيلته أو طائفته. فإذا ما بقيت الساحة الانتخابية كما كانت في آخر تجربتين، فإن ذلك لا يبشر بخير لأن الاستمرار في التشكيك في ذمم الناس وأخلاقياتهم ودرجة تدينهم خلق شللا في المؤسسات انعكس على الوطن كله، وخلق يأسا واحباطا عند الناس انعكس على أدائهم وتفاؤلهم، ولم تؤد حالة خطف الأجواء التي مارسوها الى ايجابيات ولم يتغير شيء، بل زادت الأمور سوءا، والذين استفادوا من تلك الأجواء أكثر من الذين خسروا منها. فهل يتعلم المرشحون درسا من تلك التجارب؟! أم ستكون هذه الانتخابات هي آخر انتخابات؟! الجريدة