آمال الخطابة والدهاء بين البدو والحضر

نشر في 05-05-2009
آخر تحديث 05-05-2009 | 00:00
 محمد الوشيحي المرشح أحمد الشحومي هو خطيب الكويت الأول، صدقوني، ويا رب أنام ولا أصحى من نومتي أبدا إلا بعد عشر ساعات عقاباً لي إن كنت أكذب. عودوا إلى كلماته في استجوابَي وزير الصحة الأسبق الشيخ أحمد العبدالله ووزير النفط الأسبق الشيخ علي الجراح، واحرصوا على وجود المناديل بجانبكم وأن تكون بطونكم فارغة وأنتم تتابعون أداء الشحومي وكلامه الموجه إلى الشيخ علي كي تتأكدوا من قدرته الخطابية، وأكرر تحذيري "لا تنسوا المناديل والتأكد من خُلوّ بطونكم وأنتم تتابعون كلامه"، وقد أعذر من أنذر.

النائب السابق والمرشح الحالي أحمد الشحومي تحمس في دفاعه عن الشيخ علي الجراح، لكنه انقلب عليه حتى خشينا أن يقفز عليه قفزا مجردا وهات يا بكسات وعض في الفخذ اليمنى، لكن الله سلّم، ونجا الشيخ علي الجراح، لكن واحدة تصيب والثانية توديك الطبيب، ولو تم استجواب الجراح مرة ثانية لزرناه في مستشفى الرازي للعظام.

وإن كان الشحومي مثالا رائعا للخطابة التي تورد المهالك وتودي في ستين داهية مما تعدون، فهناك الخطباء المفوهون السحرة، أحمد الربعي رحمه الله، الذي استطاع بصوته الخفيض هزهزة القشرة الأرضية واشغال ذهن ريختر وإقلاق منام المياه الجوفية، وهناك مبارك الدويلة الذي يمسك المايكروفون من هنا فينبري الخصوم لعد ضحاياهم من هناك، جثث بعضها فوق بعض، وهناك الدكتور سعد بن طفلة، وهو مفوه لا تدري وهو يخطب هل تصفق أم تلقي السمع أم تبتسم أم تتمايل طربا، موهبة من الله قلّ مثيلها، وهناك مسلم البراك، مالئ الدنيا وشاغل الناس، وحفيد الحجاج بن يوسف الثقفي في الخطابة، وكم حاول البعض تقليده فاصطدموا بجسر الدائري الخامس (أرجو العودة إلى مقالة الزميل صالح الشايجي في الأنباء يوم الأحد الماضي)، وهو خطابي "مسجل خطر"، ويجب أن يخطب بعيدا عن متناول أطفال السياسة المقلدين له بغباء حاد.

والخطابة ليست القدرة على مواصلة الصراخ كما يظن البعض وكما كان يفعل جعفر النميري، رئيس السودان السابق، الذي يخطب خمس ساعات يشرب خلالها أربعة لترات من الماء، بينما تسترق الجماهير، وهي تستمع إليه، النظر إلى ساعاتها اليدوية خوفا وطمعا، خوفا من غضب الرئيس وطمعا في النوم، ولا كما كان يفعل سيد المايكروفونات الأول على مستوى العالم الرئيس الكوبي فيدل كاسترو. لا يا صاحبي، للخطابة أهلها ورجالها.

واللافت للنظر أن أغلب الخطباء في الكويت هم من أبناء القبائل، وأنا هنا أتحدث عن عصرنا الحالي، وهو ما أربطه بالفصاحة والقدرة على نظم الشعر، كما ذكرت في مقالة قديمة، اللتين يتفوق فيهما أبناء القبائل تفوقا كاسحا على أبناء العوائل، لأسباب يطول شرحها، ولتتأكد اقرأ قصائد القبليين وقصائد الحضر في الكويت وستجد فارقا يسد عين الشمس اليسرى، لمصلحة القبليين طبعا.

والخطابة تختلف عن الدهاء، هذه صفة وتلك صفة أخرى، والمثال الأوضح هو الثنائي "هتلر وغوبلز"، الأول خطيب أرعن، والثاني داهية صامت. وأبرز دهاة الكويت النائب السابق أحمد المليفي الذي لن تجد خلفه أي آثار تعتبرها خيطا أول يكشف ما قام به، مع يقينك بأن ثمة حدثاً تم هنا، فالمليفي يتفقد المكان قبل دخوله ويتأكد من خلوّه من كاميرات التجسس، ثم يغسل المكان قبل مغادرته بالديتول ويتأكد من إحكام اغلاق النوافذ والأبواب، بعكس ناصر الدويلة الذي ينسى ساعة يده وبطاقة الماستر كارد على الكوميدينة... هي مواهب لا تأتي بالدراسة ولا بالتقليد.

والدهاء صفة يتفوق فيها أبناء العوائل على أبناء القبائل، والفارق يسد عين الشمس اليمنى. هي أرزاق يا صاحبي، للقبائل الفصاحة والخطابة والشعر والقدرة على الاستعراض، وللعوائل الدهاء والقدرة على التخطيط واستشراف النتائج.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top