الدكتاتور موغابي

نشر في 15-12-2008
آخر تحديث 15-12-2008 | 00:00
 د. عمرو حمزاوي السؤال المطروح اليوم هو: هل يترك موغابي في الحكم ليستمر في إبادة شعبه، أم أن تدخلاً خارجياً ما لعزله أضحى مطلوباً لوضع حد للمأساة؟ دون تردد أقول إن التدخل الخارجي يمثل الفرصة الحقيقية الوحيدة لإنقاذ زيمبابوي ومنح مواطنين سامهم الدكتاتور كل صنوف العذاب الأمل في غد أفضل.

منذ 1980 والدكتاتور روبرت موغابي يحكم زيمبابوي بقبضة حديدية، حتى 1987 كرئيس للوزراء ثم كرئيس للدولة لا يُنحى ولا يتنحى إلى اليوم، والحصيلة هي مجتمع مدمر يعاني مواطنوه معدلات فقر وبطالة تتجاوز الثمانين في المئة، ونسب تضخم تصل إلى 10000 في المئة، الأمر الذي دفع المؤسسات الدولية أخيراً إلى التوقف عن رصدها، وتصفية دموية مستمرة للمعارضين وللصحافيين المستقلين لم تتوقف على الرغم من نداءات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية والإفريقية المتكررة، فموغابي يحكم بأدواته القمعية ومؤسساته الأمنية، ومواطنوه في جحيم لا يملكون ذاتياً السبيل إلى تغييره.

كارثية حكم الدكتاتور موغابي توشك أن تتحول إلى إبادة جماعية للمجتمع مع تفشي وباء الكوليرا خلال الأشهر القليلة الماضية، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية فقد 746 من الزيمبابويين حياتهم نتيجة الإصابة بالوباء الفتاك وارتفع عدد حالات الإصابة المؤكدة إلى 16 ألفاً مع توقع أن يصل العدد إلى ما يقرب من 60 ألف حالة خلال الأسابيع المقبلة مع توالي الكشف عن إصابات جديدة.

وعوضاً عن تصدٍّ جاد للوباء الذي بات يهدد الدول المجاورة- بالأمس أعلنت دولة جنوب إفريقيا المنطقة الحدودية بينها وبين زيمبابوي منطقة كوارث تحسباً لتفشي الكوليرا- وطلب مساعدة المنظمات الدولية والإقليمية لمواجهة أسبابه وأهمها المياه الملوثة التي يشربها المواطنون، أوعز الدكتاتور إلى بوق نظامه الشمولي ووزير إعلامه باتهام دول الغرب بالتآمر على بلاده والتسبب في الكوليرا بهدف الإطاحة بالرئيس صاحب المواقف الوطنية المشهودة والمعادية للمصالح الغربية.

أعزائي القراء، بالله عليكم، أهناك ما يفوق مثل هذا العبث رداءةً وقسوةً؟ شعب تتهدده الإبادة والحاكم والطغمة المتحلقة به لا يعنيهم سوى دفع المسؤولية عنهم وتحميلها لآخر متآمر ليس له أن يكون إلا غربياً بحكم الذاكرة الجمعية للماضي الاستعماري والخطاب الديماغوجي الملتبس بشعارات يسارية لنظام موغابي منذ استقلال زيمبابوي في ثمانينيات القرن المنصرم. نحن أمام مشهد مأساوي ليس بجديد تصل به الدكتاتورية إلى نهايتها القصوى المتمثلة في تدمير وإبادة شعب الدكتاتور، تماماً كما رتبت في الماضي دكتاتورية النازي في ألمانيا والنظام الإمبراطوري الياباني دمار المجتمعين مع انتهاء الحرب العالمية الثانية.

والسؤال المطروح اليوم هو: هل يترك موغابي في الحكم ليستمر في إبادة شعبه، أم أن تدخلاً خارجياً ما لعزله أضحى مطلوباً لوضع حد للمأساة؟ دون تردد أقول إن التدخل الخارجي يمثل الفرصة الحقيقية الوحيدة لإنقاذ زيمبابوي ومنح مواطنين سامهم الدكتاتور كل صنوف العذاب الأمل في غد أفضل... المخزي هنا هو أن الاتحاد الإفريقي، منظمة القارة الإقليمية الطامحة وفقاً لنظامها الأساسي أن تستنسخ تجربة الاتحاد الأوروبي إفريقياً، تحمي موغابي وترفض بتوافق رؤساء دولها التدخل سوى بوساطات جزئية لا تقدم ولا تؤخر، من المشروع إذن وحالة العجز الإقليمي هذه بادية وتوقع تغيرها في القريب العاجل ليس بواقعي أن تسعى الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما من الدول الغربية من خلال الأمم المتحدة إلى المطالبة بتدخل دولي ترعاه المنظمة الأممية لعزل الدكتاتور. أما دفع البعض بسيادة دولة زيمبابوي وحتمية حماية استقلالها إزاء هجمة استعمارية جديدة فلا يعدو أن يكون إلا حكماً على شعب بالفناء ودفاعاً عن نظام فاشل لا شرعية لبقائه.

* كبير باحثين بمؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي- واشنطن

back to top