تركيا إذ تسترخي!

نشر في 30-10-2008
آخر تحديث 30-10-2008 | 00:00
 د. مصطفى اللباد تتابع تركيا باسترخاء مجريات الانتخابات الرئاسية الأميركية، وذلك لأن العلاقات الأميركية-التركية تتميز بمتانة لا يجعلها عرضة للتقلب بمجرد وصول أي من المرشحين المتنافسين جون ماكين أو باراك أوباما إلى المكتب البيضاوي. يترقب الأتراك نتيجة الانتخابات من دون كثير من أمل أو توجس منها، فالعلاقات الأميركية-التركية تعد الأمتن مع القطب العالمي الأوحد في المنطقة بعد «إسرائيل». ولئن صمدت العلاقات بين أنقرة وواشنطن طيلة عقود تغير فيها شكل النظام الدولي وتحولت فيها التوازنات الإقليمية في المنطقة الجغرافية التي تضم تركيا، فإن ذلك يتم الآن مع مفارقة كبيرة مفادها أن الأتراك هم من أكثر شعوب الشرق الأوسط نفوراً من سياسة الولايات المتحدة الأميركية. وهنا تتبادل تركيا وإيران المواقع، إذ إن الأخيرة تتواجه مع واشنطن في حين تتحالف تركيا معها منذ عقود، إلا أن الإيرانيين العاديين يتعاطفون مع الولايات المتحدة الأميركية أكثر بكثير مما يفعل الأتراك المتحالفون سياسياً واستراتيجياً معها وهي مفارقة تستحق التأمل.

تعود العلاقات الأميركية التركية إلى عصر الحرب الباردة (1945- 1991)، حيث لعبت تركيا الدولة العضو في حلف الناتو دوراً كبيراً في النتيجة النهائية التي وصلت إليها الحرب الباردة بسبب موقعها الجغرافي الفارق ودوره الكبير في محاصرة الاتحاد السوفييتي السابق. وبعد نهاية الحرب الباردة استمرت العلاقات الأميركية-التركية على درجة عالية نسبياً من المتانة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، ولكن في هذه الفترة تحديداً بدأ الحديث عن تراجع الأهمية النسبية الاستراتيجية لتركيا وغيرها من حلفاء واشنطن في المنطقة بسبب سقوط الاتحاد السوفييتي السابق. ثم عادت رياح التغيير لتعصف بتوازنات الشرق الأوسط مع احتلال العراق عام 2003، وأدى الموقف التركي بعدم المشاركة في العمليات العسكرية بسبب عدم رغبة واشنطن في تلبية المطالب والشروط التركية، إلى طفور جديد لدور الأكراد في شمال العراق بعد احتلاله. ويعتبر الكثير من المحللين الأتراك أن التحالف الأميركي-الكردي في شمال العراق ترك تداعياته العميقة على العلاقات الأميركية-التركية وبحيث لا يمكن معالجتها في غضون سنوات قليلة، فحالة تركيا حيال الولايات المتحدة الأميركية تشبه حالة من وجد عشيقته في حالة تلبس مع طرف آخر.

ستكون الإدارة الأميركية القادمة مستعدة –على الأرجح- للتعاون مع تركيا في إطار سياسة واقعية أكثر مرونة في التعاطي مع قضايا المنطقة مقارنة بفترتي حكم الرئيس جورج دبليو بوش، في حال فوز أوباما المتوقع أن يتبنى سياسات إقليمية للتهدئة والحوار دون التنازل عن تحالفات بلاده الأساسية مع أنقره وتل أبيب. أما إذا فاز جون ماكين الراغب في ممارسة المزيد من الضغوط على دمشق وطهران فلن تختلف النتيجة كثيراً من المنظور التركي. ولما كانت الحال كذلك فمن الطبيعي أن تكون الإدارة الأميركية القادمة في وارد استيعاب الأهمية الكبيرة لتركيا في المنطقة، خصوصاً أن «إسرائيل» لن تستطيع ضمان المصالح الأميركية وحدها، وذلك بسبب تدني قدراتها البشرية والجغرافية وبالرغم من الردع النووي الذي لا يحقق وحده الهيمنة التي تخدم المصالح الأميركية.

يبقى في هذا السياق ملاحظة أن تركيا أفلحت على مدار العقود الماضية في تكوين «لوبي تركي» في الولايات المتحدة الأميركية، إلى جوار مجموعات الضغط القائمة تاريخياً في المجلسين التشريعيين الأميركيين الشيوخ والنواب مثل: اللوبي الصهيوني، واللوبي الأرميني، واللوبي الإيطالي، واللوبي اليوناني، واللوبي اللاتيني.

يعد «مجلس الصداقة التركية الأميركية» ATFC الذي تأسس عام 2005 وترأسه منى دايموند، من أقوى مجموعات الضغط التركية في الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن هناك مؤسسات مشتركة أميركية-تركية لها وجود تاريخي في القارة الأميركية مثل «اتحاد الأميركيين الأتراك»، وذلك بسبب الهجرات التركية إلى الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الأولى على الأقل. وتعد «الجمعية الأميركية التركية ATS» التي تأسست عام 1949، وتضم في عضويتها أكثر من 400 شخصية مؤثرة في عالم المال والأعمال الأميركي، وهي من أقدم الجمعيات التركية الأميركية في الولايات المتحدة. وهكذا ينزع «اللوبي التركي» في الولايات المتحدة الأميركية الطابع الوقتي والمرحلي عن التعاون التركي-الأميركي، ذلك الذي يتأسس على مصالح موضوعية متبادلة بين الطرفين، ولا يتعلق فقط بميول أيديولوجية للأحزاب السياسية الحاكمة في كل من واشنطن وأنقرة، أو حتى بنتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية على أهميتها الفائقة.

* مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية-القاهرة.

back to top