«منشية ناصر»: قاع مصر المهزوم …وعرش الكوارث
صنعتها «النكسة»... ويقطنها 55 ألف شخص وربع مليون خنزير
قد تكون أزمة "إنفلونزا الخنازير"، ومن قبلها حادثة انهيار أجزاء من هضبة "المقطم"، التي أودت بحياة العشرات، صعدتا بمنطقة "منشية ناصر" إلى صدارة مشهد الأزمات في مصر، لكنهما كشفتا عن واقع أليم دام عقودا طويلة.وقد لا يعرف كثيرون أن تلك المنطقة المسماة "منشأة ناصر" ويتداولها العامة باسم "منشية ناصر" ظهرت إلى الوجود بفعل كارثة سياسية وإنسانية نسجت خيوطها نكسة يونيو 1967، بعد تهجير الآلاف من سكان محافظات قناة السويس عقب احتلال إسرائيل لسيناء. ومنذ ذلك الحين والمنطقة تعيش على هامش الحياة، يحترف سكانها التعامل مع الموت، ويدفعون فاتورة قرارات حكومية مرتبكة تعتبرهم "عالة" على المجتمع المصري، ومصدرا للمشكلات، دون أن يتأنى أحد قبل أن يصدر حكمه بإعدام تلك المنطقة ليتأمل الواقع الذي يعيشه أكثر من 55 ألف مصري معظمهم من الأقباط، ونحو 230 ألف خنزير يعيشون على بضعة كيلومترات، على حافة "هاوية" المقطم.
وجاء الصدام الذي شهدته المنطقة بين قوات الشرطة ومربي الخنازير الرافضين لتنفيذ قرار ذبح قطعانهم، في أعقاب انتشار "إنفلونزا الخنازير" بين البشر، ليضيف أزمة جديدة إلى رصيد الأزمات ويضاعف السخط الحكومي على السكان.وفي المقابل يزيد هذا الصدام حدة غضب سكان "منشأة ناصر" تجاه السلطات التي يتهمونها بالتعامل معهم على أنهم "نفايات" بشرية، فهذه المنطقة لا توجد فيها مياه شرب نقية، أو خدمات للصرف الصحي، كما أن الكهرباء لا تصل إلى البيوت إلا ساعات معدودة يوميا، ويمثل نشاط جمع وفرز القمامة وتربية الخنازير مورد الرزق الوحيد للأغلبية الكاسحة من السكان.ولا يرى سكان "منشية ناصر" سلطات الحكومة المصرية إلا لتنفيذ "كارثة" على حد تعبيرهم، فقوات الأمن لا تدخل المنطقة إلا لإخلاء المنازل -أو بعبارة أدق "عشش الصفيح"-، حتى إن لم يكن هناك بديل، أو لانتزاع قطعان الخنازير من مزارع "الزبالة" لذبحها دون تعويض، أو بمقابل هزيل. وهم يتهمونها بعدم التدخل مطلقا لحماية مئات المواطنين الذين يتعرضون لاعتداءات شبه يومية من جانب الخارجين على القانون، والمجرمين الذين يتحركون كيفما أرادوا في غياب أي وجود أمني، ويأخذون على السلطة عدم مد يدها إليهم، إلا وهي تحمل "عصا أو بندقية".