حزب الإحسان والأعمال الأمنية الخيرية

نشر في 15-04-2009
آخر تحديث 15-04-2009 | 00:00
 بلال خبيز «حزب الله» يملك فائضاً في كل شيء، في العتاد والمال والرجال وفي الهفوات، بل قد يكون فائض السلاح والمال والرجال بعض الأسباب غير المباشرة في تحقيق هذا الفائض من الهفوات، فالسيد حسن نصرالله في خطابه الذي جدد فيه القول إن «حزب الله» لبناني قيادة وقاعدة وإنه لا أعداء له غير إسرائيل وأميركا إذا لم تغير سلوكها، لا يرى في تهريب السلاح من قطاع غزة تطاولاً على مصر السيدة. ذلك أن ما يحاول قوله أمين عام الحزب الذي يملك فائضاً في كل شيء، أنه لا يستهدف مصر، ولا يريد زعزعة أمنها، ولو كان يستهدفها فعلاً لكان الأمن المصري اليوم في حال يرثى لها.

فالحزب الذي يملك فائضاً في السلاح والمال والعتاد لا يستخدم، على ما يوحي خطاب السيد نصرالله نفسه، كل إمكاناته في مساعدة الفلسطينيين على إيصال السلاح إلى غزة. إنه يساعد الفلسطينيين كواجب وليس كفرض، أي أنه يعمل في الأمن لوجه الله ولا يريد جزاء لعمله في السياسة.

«حزب الله» يملك فائضاً في كل شيء، ومن يتابع الخطب والتصريحات التي يطلقها قادته، سواء في ما يتعلق بالقضية المصرية، أو بقضايا أخرى، يدرك أن الحزب يتصرف حيال خصومه كما لو أنه قوة عظمى، حتى في حربه ضد إسرائيل في العام 2006 لم يقصف تل أبيب، وأوحى أنه قادر على ذلك. أي أنه حتى الآن وفي حروبه ومغامراته كافة لم يستخدم جميع قوته، واكتفى ببذل النزر اليسير منها عوناً لحلفائه وتضامناً مع أصدقائه وحروباً مع أعدائه.

في القضية المصرية يخفي خطاب «حزب الله» أيضاً شعوراً عميقاً يفيد بأن النظام المصري ليس قوياً بما يسمح له الصمود في مواجهة حرب مفتوحة مع «حزب الله». فالحزب بحسب أمينه العام أرسل شخصاً واحداً وليس مجموعة، وتعامل هذا الشخص مع عشرة أشخاص وليس خمسين، وكانت مهمته لوجستية وليست سياسية. وهو ورغم صدور بلاغ النائب العام المصري «المضخم» و«المبالغ فيه»، إلا أنه يعتبر أنه لا يخاصم مصر سياسياً وعسكرياً، وأن ثمة خلافات بين الطرفين، لكن «حزب الله» لم يقرر حتى اللحظة أن يلجأ إلى الهجوم أو الاستهداف.

على أساس من هذه البينات، يرى «حزب الله»، وجمهوره طبعاً، أن من حق العنصر في «حزب الله» سامي شهاب أن يعمل وينشط أمنياً على حدود دولة سيدة، لمساعدة الإخوة الفلسطينيين في محاولة رفع الحصار عنهم. لكن الإخوة الفلسطينيين أنفسهم مازالوا يعتبرون القاهرة محجتهم في الحوار الذي يجرونه والهادف إلى إنهاء حال الانقسام الفلسطيني. إنما، هذا لا يفت في عضد «حزب الله». فهو يكرر أنه لا يستهدف مصر سياسياً ولا إيديولوجياً، وإنه إنما يقوم بعمليات موضعية ليس من شأنها أن تنال من الحق المصري بالسيادة على كامل أراضيها.

وهذا كلام لا يقع في السياسة ولا يتصل بها من أي باب، كما لو أن خطاب «حزب الله» يريد الإيحاء أنه ينشط في مصر كمثل ما تنشط مؤسسات المجتمع المدني التي لا تتوخى الربح في مساعدة المعوزين والمحتاجين، فهو يساعد إحساناً وتضامناً من يريد أن يقاوم إسرائيل من أرض غزة. يمدهم أو يساعد على إمدادهم بالسلاح من دون أن يتوخى من هذا الإمداد ربحاًً سياسياً، كما أنه في مصر، كما في غيرها من بلاد العالم مؤسسات خيرية تعمل علناً لمساعدة الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، اجتماعياً وتربوياً واقتصادياً، فإن مساعدة الفلسطينيين عسكرياً وأمنياً تصبح والحال هذه أمراً مشروعاً ولا تتصل بخرق السيادة المصرية من أي باب. وهو يعتب على النائب العام المصري لأنه صوّر للعالم أن ثمة استهدافاً سياسياً وأمنياً لمصر من قبل «حزب الله»، في حين أن الأمر لا يتعدى خرقاً بسيطاً يجدر بالدولة المصرية أن تغض الطرف عنه.

طبعاً من حق مصر أن ترفض مثل هذا الخطاب جملة وتفصيلاً. بل إن من واجبها رفضه. ذلك أن «حزب الله» ليس جمعية خيرية، وليس ثمة في السياسة جمعيات خيرية، وفي السياسة يجب أن يدرك «حزب الله» الذي أدمن الهفوات والأخطاء أن العمل السياسي يخضع لمعايير دقيقة، وأن حزباً يتصرف كما لو أنه منزه عن كل غرض في السياسة والأمن لا محل له في عالم السياسة أصلاً. ليس «حزب الله» منزهاً عن كل غرض، وهذا ما يعرفه الجميع، ولا يحق له تالياً أن يطالب مصر بالتعامل معه على أساس من صفاء نيته ونقاء سريرته.

«حزب الله» يملك فائضاً في المال والسلاح والرجال والهفوات، والأرجح أن الهفوات تعادل في أثرها السلبي كل ما يملكه من فوائض على المستويات الأخرى، بل إن الهفوات باتت كفيلة وحدها بجعل الفائض معادلاً للنقص في كل شيء.

* كاتب لبناني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top