الغناء لـ علي... من مارسيل خليفة إلى الملاهي الليليّة
حين قدم مارسيل خليفة أغنية «يا علي نحن أهل الجنوب» كلمات الشاعر اللبناني عباس بيضون، ظن كثيرون أنه يغني للإمام علي، خصوصا أن هذه الكلمة مستعملة كثيرا في الأوساط الجنوبية، فحين يريد المواطن أن يصعد السيارة يقول «يا علي».
انخرط عباس في العمل السياسي، وتوقف خلاله عن كتابة الشعر ست سنوات وسجن مرتين، الثانية في معتقل إسرائيلي، قبل أن يعود ويكتب قصائد سياسية وتحريضية أشهرها «يا علي»، تقول كلماتها: «يـــا عـلي.../ نحن أهل الجنوب...حفاة المدن نروي سيرتنا/ على أصفى البرك والأودية/ إن حطام أبنائنا وأسلحتهم يغطي السفوح!/ ونحن نرى ذلك بصمت/ بصمت بصمت بصمت». وقد غنّاها مارسيل خليفة وذاع صيتها وأحبّها كثيرون، إلا أن عباس تبرّأ منها، وما زال يرى أنها مكتوبة في مديح شخص قام بعمل إرهابي.كتب عباس بيضون بتأثير المرحلة الثورية إذ استمدها من مناخات الشاعر بابلو نيرودا، وتبرأ منها بعد خروجه من «الشرنقة الثورية»، هذا لا يعني أن الاغنية اندثرت من الذاكرة، يعتبر أحد الشعراء الشباب أن قصيدة «يا علي» أجمل ما كتب عباس بيضون بالنسبة اليه، وفكر أحد المهتمين بالارشيف اللبناني كثيراً في نشر قصيدة عباس بمفردها، وكان يتقصّى في أعماله الشعرية لمعرفة ما اذا تخلى عنها فعلاً. وحين نشر رامي الأمين نصوصاً إجتماعية عن الشيعة اختار أن يسميها «يا علي لم نعد أهل الجنوب»، لأن الأغنية راسخة في ذاكرته.لا نعرف ماذا تعني أغنية «يا علي» لمارسيل خليفة الآن، هو الذي يبالغ في ادعاء «الالتزام الثوري» و{الأممية العالمية» و{ضد الطائفية» و{ضد الرأسمالية» وما الى هنالك من كليشهات تتردد في قاموس بعض اليساريين.«يا علي» و{أبو علي» و{علي» لفظة يسهل استعمالها في الأغاني الثورية والفولكلورية والراقصة، ومع الفنانات والمرابع الليلية وحتى في المهرجانات الطائفية، ربما لسهولة نطق كلمة «علي» التي تتألف من ثلاثة حروف فحسب. آراء المغنية اللبنانية كارول سماحة بعد مشوار في الغناء وبعد زوبعة رقصة التانغو في المارينا مصر، وبعد اغنية «مجنونة» التي ارتدت في كليبها تنورة قصيرة حتى الوركين، أصدرت أغنية «علي» من كلمات اللبناني سليم عساف والمصري عبد العزير عمار. «علي» في الاغنية مجرد اسم لا يرمز إلى شيء كما في اغنية مارسيل خليفة، ولا يدل على طائفة، بل إيقاع مناسب مع كلمات اخرى. انضمت كارول سماحة في اغنيتها الجديدة، التي شارك فيها فريق عمل كبير، الى المغنيات اللواتي يخترن الاسم في الاغنيات من «رجب حش صحبك عني» لهيفاء وهبي، الى «مصطفى يا مصطفى» لريدا بطرس، وغيرها من الأغاني. والسؤال: كيف ستكون ردة فعل الجمهور على اسم اغنية بات مستهلكاً أكثر من اللازم، خصوصا في المرابع الليلية؟كلمات سهلةكلمة علي في الاغنيات الراقصة والشعبية مثل كلمة «العيون السود» و{السمرة» و{بحبك وبتحبيني» و{مشتاق أنا مشتاق»، وسائر الكلمات السهلة الإستعمال، واللافت أن بعض الاغنيات لـ{علي» يختلط الحابل والنابل حولها، لا نعرف من غناها للمرة الأولى ومن اشتهر من خلالها، الأرجح أنها مثل موال العتابا أو الميجانا، كل واحد يحفظها ويتحفنا بها في ليلة ليلاء أو في ليلة سعيدة أو في فان للركاب على طريق بعلبك -حمص أو على طريق الضاحية الجنوبية وربما في الجبال العالية.أغنية «بعد عيونك يا علي» نسمعها بصوت المغني الشاب جود والمغني أيمن زبيب ونجم ستار أكاديمي جوزف عطية والكثير من المغنين. المغني السوري وديع مراد الذي يقلد جورج وسوف، لا يغني علي بل «بو علي»، يقول «نزلت سمرا على الدكان دكانة بو علي شافوها ولاد الحي صاروا يغلوا غلي»... ماذا لو كان اسم صاحب الدكان بو عباس أو بو عبد أو بو جورج! إنها الدلالة على أن المطربين يحبون تلحين الكلام فحسب وليس اختيار الكلمة الجميلة، الكلمات مجرد إيقاع ساذج لا تحمل أي معنىمشاهدةفي الفانات التي تنقل الركاب في بعض المناطق اللبنانية، نسمع المغني الفولكلوري نعيم الشيخ يقول بصوت جهوري: «تذكر تحت الدوالي يوم سهرنا الليالي... عطيتك وعد يالمحبوب والله والله ماخونك»، فجأة ينده المغني بأعلى صوته «يا إمام علي»، هكذا في الاغنية الواحدة تجتمع الكلمات هنا وهناك مع الأداء السريالي. وما يقوله المغني هو الضجيج وما يحتاجه هو الأقدام التي تدبك في الأعراس.في الختام نقول بين «يا علي» مارسيل خليفة و{علي» مطربي السهرات والرقص والحفلات، ثمة فارق شاسع وبديهي، «يا علي» مارسيل خليفة أتية من لحظة ُعنفية بامتياز، وتحريضية بامتياز، كثر اعتذروا لأنهم شاركوا فيها، أما اغنيات «علي» في سائر الأغنيات الجديدة والشعبية فهي من دون شك تحريض على الرقص وليس على أي شيء آخر، فأهم ما يطمح اليه المغني أو المغنية أو ردة فعل الجمهور «لامعنى» الاغنية، والحال أن اللامعنى «جمالية» في ذاته وأكثر رحمة من المعنى، لأن المعنى في أوقات كثيرة يكون مقدمة لكارثة ستقع.