الحفر في الجليد بحثاً عن حياة على المرِّيخ

نشر في 25-05-2008 | 00:00
آخر تحديث 25-05-2008 | 00:00
سيُستأنف البحث الحثيث عن أشكال الحياة على كوكب المريخ اليوم الأحد، في حال حطت مركبة فينكس الفضائية التابعة لوكالة الطيران والفضاء الأميركية «الناسا»، كما هو مخطط، على حافة الجليد في قطب الكوكب الشمالي.

لا شك في أن النزول على كوكب المريخ خطر لأن نصف محاولات الهبوط عليه فشلت، لكن إذا افترضنا أن هذه المركبة هبطت بالوضعية الصحيحة ومن دون أية أضرار، ستبدأ الحفر في التربة والجليد تحتها للبحث عن أدلة على احتمال وجود حياة سابقة على هذا الكوكب المقفر.

وتُعتبر دراسة مركبة فينكس لطبقة الجمد السرمدي «الخطوة التالية في استكشاف المريخ، فهي ستحدد ما إذا كانت هذه المنطقة، التي تضم نحو 25% من سطح المريخ، قابلة للسكن»، على حد قول بيتر سميث في جامعة أريزونا، التي تشكل المحقق الأول في هذه المهمة.

مواد عضوية

يوضح سميث أن فينيكس ستحاول على وجه الخصوص معرفة ما إذا كان الجليد يحتوي على أية مواد عضوية كربونية، المكوِّن لكل أشكال الحياة المعروفة، وما إذا ذاب في يوم من الأيام. ويتابع: «فيما تستمرّ أعمال الحفر، نأمل أن نجد الأدلة على أن التربة امتزجت بالجليد، ما يشير إلى أن الأخير كان في السابق ماء سائلاً».

يُفترض أن تهبط فينكس على سطح المريخ اليوم الأحد عند السابعة مساء وفق تقويم شرق الولايات المتحدة، وتنضم بالتالي إلى مركبتي ناسا Spirit وOpportunity. لكن عملية هبوطها ستكون مختلفة تماماً. فعندما هبطت تلك المركبتان على سطح المريخ عام 2003، كانتا محاطتين بوسادات هوائية خففت عملية اصطدامهما بالأرض وجعلتهما تقفزان على السطح مثل الكرة، وما إن استقرتا حتى فرغت الوسادات من الهواء وظهرت المركبتان.

لكن عملية هبوط فينكس ستكون تقليدية إلى حد ما، إذ ستعتمد على مظلة ومحركات الدفع في المركبة. ويُذكر أن هذه الطريقة شبيهة بعملية هبوط مركبة Mars Polar Lander التي تحطمت خلال نزولها على سطح الكوكب عام 1999. إلا أن فينكس خضعت لتعديلات بغية زيادة فرص نجاحها. على الرغم من ذلك، سيحبس الكثير من علماء الفضاء والمهندسين أنفاسهم اليوم الأحد خلال هبوطها، وسيستغرق وصول إشارتها إلى الأرض 15 دقيقة، وبذلك نعرف ما إذا كانت هبطت بنجاح أو أن مركبة أخرى تحطمت على سطح المريخ.

بخلاف مركبتي Spirit

وOpportunity المتنقلتين على سطح القمر واللتين صمدتا طويلاً، صُممت فينكس لتثبّت نفسها في موقع واحد وتبدأ الحفر بواسطة ذراع آلية من تصميم كندي لتصل إلى عمق متر تقريباً مخترقة، حسبما يأمل العلماء، طبقات سفلية من الجليد. وتحتوي هذه المركبة على مختبرات كيماوية صغيرة وإنما معقدة لتحليل التربة والجليد اللذين ستحملهما الذراع الآلية إلى متنها.

ومن المخطط أن تهبط هذه المركبة الفضائية إلى الشمال، بعيداً عن أية مركبة أخرى، في منطقة تحتوي على الجليد وربما على أدلة تُظهر أن الماء السائل كان موجوداً على سطح المريخ. يرتكز بحث «ناسا» عن الحياة في النظام الشمسي على الشعار: «ابحث عن الماء»، على افتراض أنه هو أساس الحياة.

وعلى الرغم من أن درجات الحرارة ستكون متدنية جداً على السطح (بين 33 و73 درجة مئوية)، يعتقد العلماء أن الحرارة والجليد سيكونان أكثر دفئاً تحت السطح، وربما كان هذا الجليد ماء في الماضي. فهذه المنطقة تبدو منخفضة ومسطحة، لذلك يفترض البعض أنها كانت محيطاً في الماضي السحيق.

تجمّد وذوبان

يظهر الجليد بشكل مضلع شبيه بما نراه في القطب الجنوبي على سطح الأرض. ويعتقد العلماء أن هذه الأشكال تكونت على الأرجح بفعل دورات من التجمد والذوبان.

بلغت كلفة مركبة فينكس 457 مليون دولار، واجتازت مساراً طويلاً وملتفاً لا يقتصر على مسافة 422 مليون ميل التي عبرتها في الفضاء فحسب. كذلك استخدمت معدات بُنيت لمركبة فضائية كان يُفترض أن تُطلَق في العام 2001، غير أن رحلتها أُلغيت بسبب تحطم مركبة Mars Polar Lander.

لكن عندما أظهرت المركبة المدارية Odyssey التابعة لناسا عام 2002 وجود كميات كبيرة من الماء المتجمد تحت سطح المريخ، اختيرت مركبة فينكس المعدلة لتسافر إلى المريخ وتنقب عن الجليد في المنطقة القطبية الشمالية. كذلك ستنشئ محطة مناخية كندية تبلغ قيمتها 37 مليون دولار.

لم تُصمم هذه المركبة للعثور على أشكال الحياة بحد ذاتها، إلا إذا كانت كبيرة وتُرى بواسطة الكاميرا، وهذا احتمال مستبعد، لأن عملية الاختبار التي تعتمدها هذه المركبة في بحثها عن مواد عضوية ستخرب العينات ويصبح من المستحيل التعرف إلى الأشكال الحية. بدلاً من ذلك، ستبحث فينكس في مسألة ما إذا كانت الظروف ملائمة لظهور الحياة على سطح ذلك الكوكب. ويشمل البحث اختبارين من التجارب الكيماوية: أولاً، البحث عن مركّبات كيماوية كربونية خلفتها عمليات التفاعل الحيوية والكيماوية، وثانياً البحث عن مواد عضوية تجعل الحياة ممكنة.

وفي هذا الصدد يقول سامويل كونافز في جامعة تافتس، وهو عالم رائد في مجال التجارب غير العضوية: «إذا عثرنا على النترات أو الكربونات أو ما شابه في التربة، نعرف عندئذٍ أن الحياة على هذا الكوكب ليست مستحيلة». ويستطرد موضحاً: «لم نعثر على أي من هذه المعادن في الرحلات السابقة إلى المريخ، ولكن يُفترض أن تكون هناك. نعتقد أنها مدفونة في أعماق التربة حيث تكون بمنأى عن الأشعة ما فوق البنفسجية التي تنصب على هذا الكوكب».

لم يعثر العلماء مطلقاًً على عنصر الكربون على سطح المريخ، مع أن ثاني أوكسيد الكربون يملأ جوه ويُلاحظ وجود الكربون في نيازك هذا الكوكب.

أدلة كيميائية

أما المرة الأخيرة التي بحثت فيها مهمة إلى المريخ عن أدلة كيمائية على احتمال وجود حياة على هذا الكوكب، فكانت عام 1976 حين حطت على سطحه مركبتا Viking، لكن أمل علماء الكواكب خاب آنذاك لأنهما لم تعثرا على أية مواد عضوية.

على الرغم من ذلك، لم يفقد سميث الأمل بأن تجد المركبات الفضائية في يوم من الأيام أدلة على إمكان وجود حياة على المريخ. ويخبر أنه تحدث أخيراً إلى باحث أخذ سنتمتراً مكعباً واحداً من الجليد من بحيرة سيبيرية متجمدة منذ زمن ووجد فيه بقايا الحمض النووي لمجموعة واسعة من أشكال الحياة.

ويضيف: «عدد المواد العضوية التي تعلَق داخل الجليد مذهل فعلا. صحيح أنهم لم يعثروا على الحمض النووي للكائنات كافة، لكنهم استطاعوا أن يبنوا شجرة الحياة الأساسية مما وجدوه في هذا السنتمتر المكعب».

ومن المتوقع أن تعمل مركبة فينكس، التي تستمد طاقتها من الشمس، مدة ثلاثة أشهر. فإذا عثرت على أدلة على وجود مواد عضوية أو مغذية، يرسل العلماء إلى ذلك الموقع مركبة Mars Science Laboratory, وهي أكبر وأكثر تعقيداً ويُفترض أن تُطلق السنة المقبلة. كذلك تخطط وكالة الفضاء الأوروبية لإرسال مركبة Exo-Mars إلى المريخ عام 2013 للبحث عن أدلة على أشكال حياة سابقة أو راهنة.

back to top