حاملو الخيام والهموم والمرارات

نشر في 01-04-2009
آخر تحديث 01-04-2009 | 00:00
 بلال خبيز

الرئيس الليبي معمر القذافي يحمل خيمته معه أينما حل، لا ينام تحت سقف تظلله غيوم الخلافات العربية-العربية! وعلى نحو ما يحمل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، خادم الحرمين الشريفين، هم دفن الخلافات العربية-العربية معه أينما حل أيضاً. بين الحملين ثمة فارق في الثقل طبعاً، إنما أيضاً ثمة فارق لا يستهان به في احتمالات النجاح.

يقولون إن تراجع الأمير حمد بن جاسم عن دعوة مشعل ونجاد قد تجعل مهمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز أيسر، لكن ذلك التراجع مثلما هو معلوم، لا يقدم ولا يؤخر في تفصيل السياسات وسبل نجاحها، حتى أجل لا يمكننا تسميته أو تحديده، سيبقى كرسي السيد خالد مشعل في الدوحة ملكاً له، فالذين جلسوا خلفه كانوا يمكلون كراسيهم منذ زمن. هم أنفسهم، مع بعض التجاعيد الزائدة في الوجوه وبعض الزيادات في الشعر الأبيض جلسوا في دمشق خلف انتفاضة «فتح» التي قادها العقيد أبو موسى... لم تكن الكراسي نفسها بالضبط، لكنها كانت بروفة مناسبة للجميع على كيفية حسن الجلوس والابتسام للكاميرات في الدوحة.

اليوم، يجلس محمود عباس على كرسي فلسطين، فكرسي خالد مشعل لم يحمل هذا الاسم، لكنه حمل المسمى نفسه، والكرسي الذي جلس عليه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بقي فارغاً، إنما من يذكر كرسي ياسر عرفات؟

قمة الدوحة تعيد التأكيد على مبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك السعودي من بيروت، يوم كان لايزال في ولاية العهد، ففي تلك القمة لو تذكرون، منع الرئيس اللبناني السابق إميل لحود بث كلمة ياسر عرفات المتلفزة عن القادة العرب. وكان أرييل شارون قد منعه أصلاً من مغادرة مقر المقاطعة الذي كان محاصراً بالدبابات الإسرائيلية.

الرئيس اللبناني السابق، هو الرئيس الذي يقول عنه الرئيس السوري بشار الأسد إنه رئيس مجرب وثابت المواقف وذو عزم لا يلين، ومع أن رئيس القمة العربية يومذاك منع بث خطاب الرئيس الفلسطيني المتلفز، إلا أن القمة أسفرت عن تبنّ عربي لمبادرة السلام العربية حيال إسرائيل.

في قمة الدوحة السابقة أعلن الرئيس السوري أن المبادرة العربية ماتت، ثم وبعد أيام في قمة الكويت الاقتصادية أعلن أنها لم تمت تماماً، لكنه أوحى بيأسه من شفائها من أمراضها العضال، والرئيس السوري مازال هو نفسه منذ قمة بيروت، ومازال خالد مشعل يقيم في ضيافته، لديه رئيس فلسطيني بديل، وهو يعده بعناية للوراثة، والأرجح أنه لن يكون مسروراً لجلوس عباس في المقعد الذي يحمل اسم فلسطين. مع ذلك دائماً يقبل الرئيس السوري على مضض، ودائماً يصر على مواقفه ويسعى لتنفيذها... إذن ليس ثمة دفن للخلافات، ولكن ثمة سعي لتنظيمها، على طريقة المصالحات اللبنانية: أنت في موقعك وأنا في موقعي، وما دام أحد لن يقنع الآخر بالتخلي عن موقفه أو تحالفاته، فلندر نوعاً من أدب المجاملات، أقله في الفترة التي تفصل بين إطلاق المبادرات الأميركية والبدء بتنفيذها.

والسياسات التي عمل كل طرف على إرسائها وجاهد لأجل إنجاحها هي الآن في كفة من كفتي الميزان، ونريد أن نرى الوزنة التي ستضعها أميركا في الكفة المقابلة، فربما بعد هذا الجهد كله، تصبح سورية أثقل وزناً من مصر، أو ربما العكس، إذ قد يصبح رئيسها نجم القمة المقبلة على غرار الرئيس البشير في هذه القمة.

في إسرائيل يقولون إن المبادرة العربية لم تعد تسير بقوة دفع مناسبة لتحقيق السلام، فالقوى التي تدعمها ما عادت قادرة على التأثير الجاد والفاعل مثلما كانت من قبل، وهذا يذكّر بمأثرة الرئيس اللبناني في قمة بيروت، فمنع الرئيس الفلسطيني من إلقاء كلمته لم يمنع الزعماء العرب من سماعها قطعاً، لكن هذا الإجراء أوحى أن ثمة خلافاً عميقاً على المبادرة نفسها، وأن ياسر عرفات لم يكن يتمتع باعتراف رسمي عربي حاسم. كان ثمة دائماً مشعل ما خلف الكواليس، فما الذي يجبر إسرائيل على الاعتراف به وهو أحد أكثر أعدائها قوة ودهاءً على الساحة الفلسطينية؟

اليوم الأمير حمد بن جاسم تراجع عن دعوة مشعل ونجاد، والحال لقد تمت دعوة مشعل ونجاد من قبل، وقمة الدوحة السابقة كانت بمنزلة بروفة الاستقبال الفاتر للرئيس عباس في قمة اليوم.

الدول تملك ذاكرة تفصيلية حيال الأحداث، والأرجح أن إسرائيل تسأل نفسها اليوم: لقد سُمح لمحمود عباس بإلقاء كلمة فلسطين في الدوحة، إنما ماذا نفعل حيال كلمة مشعل في القمة السابقة؟ هل نحذفها من السجل؟

الرئيس الليبي يحمل خيمته معه أينما حل، والملك عبدالله بن عبدالعزيز يحمل هم دفن الخلافات العربية-العربية أينما حل، والفلسطينيون يحملون مراراتهم أينما حلوا، والمرء بات يعرف الفلسطيني من حجم المرارة التي تظهر على قسماته، لطالما ابتسم خالد مشعل حتى بانت نواجذه في أحلك الظروف.

* كاتب لبناني

 

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top