افتتاحية ننجو معاً أو نسقط معاً ولا احتمال ثالثاً

نشر في 01-03-2009 | 00:00
آخر تحديث 01-03-2009 | 00:00
كل اقتصادات العالم بلا استثناء تعاني بدرجة أو بأخرى الأزمة المالية العالمية وتداعياتها، وكل دول العالم بلا استثناء اعتبرت أن معالجة هذه الأزمة من صلاحيات الحكومة ومسؤوليتها.

وكل هذه الحكومات أقرت بهذه المسؤولية وتصدت لها كأولوية مطلقة، فوضعت البرامج ورسمت السياسات، ورصدت المبالغ، ثم استصدرت التشريعات اللازمة مستندة إلى أغلبية برلمانية إن اقتضى الأمر، وإلى وعي السياسيين والمواطنين، ثم لم تتردد في تعزيز ما أقدمت عليه أو استكماله أو تعديله في ضوء التجربة والتطورات.

وبالتالي، نحن لم نسمع في أي من دول العالم عن مقترحات لمعالجة الأزمة المالية تأتي من غير الحكومة أو تناقش خارج البرلمان، ويبدو أن الأحزاب السياسية والكتل النيابية في تلك الدول أضعف وأقل كفاءة من نظيرتها لدينا، فلم نسمع بمقترح للديمقراطيين وآخر للجمهوريين، ولكنا قرأنا عن تعديلات اتفق عليها أعضاء الكونغرس من الحزبين، ولم نسمع ببرنامج للمحافظين ينسف برنامج العمل تحت حجة تعديله وترشيده، ولكننا قرأنا عن ملاحظات وانتقادات لخطة رئيس الوزراء لم تعرقل تنفيذها لحظة واحدة. ومن جهة أخرى أصبحنا على يقين أن منظمات المجتمع المدني في الكويت أعلم وأعرق وأكثر وطنية من نظيرتها في الدول المتقدمة والنامية على السواء، بدليل اننا لم نسمع في كل تلك الدول عن مقترحات لاتحاد شركات الاستثمار، وأخرى لاتحاد المصارف، ولم نقرأ عن حل كامل متكامل لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه تقدمت به جمعية الاقتصاديين. ولم تطالعنا الصحف بأي لغة عن مذكرة لغرفة التجارة أو دراسة لإحدى الجامعات، علماً بأننا نسجل لمذكرة غرفة الكويت ولدراسة جامعة الكويت، الوقوف عند حدود الخطوط العريضة وعدم الخوض في التفاصيل أو ادعاء القدرة على وضع الحلول.

في الكويت فقط، ولأن الحكومة تفتقد الكفاءة ولا تملك الأغلبية، اسندت مهمة معالجة الأزمة، بعد تأخير طويل، إلى فريق من أصحاب الاختصاص يقوده محافظ البنك المركزي.

في الكويت فقط، تقدم هذا الفريق بعد تعثر واضح بمقترحه، فكان أول معارضيه الحكومة ذاتها، عندما عطلت إحدى رئتيه، وقصرت يديه وأطالت أظافره، ثم قدمته كمشروع قانون إلى مجلس الأمة.

في الكويت فقط، مازال هذا المشروع لدى اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس الأمة منذ أكثر من خمسة عشر يوماً، استمعت اللجنة خلالها إلى أكثر من مئة وخمسين شخصاً، كرر مئة وأربعون منهم ما سبق أن قالوه أو قاله غيرهم. ولاتزال جلسات الاستماع مستمرة، ولاتزال الاقتراحات تتوالى، ولاتزال كل الآراء وكل الاقتراحات وكل أعضاء اللجنة يبدأون كلامهم ويختمونه بتأكيد أهمية السرعة.

في الكويت فقط، هناك مقترحات من الإسلاميين والليبراليين، ومن نواب ليسوا من هؤلاء ولا من هؤلاء، منفردين حيناً ومتحالفين حيناً، كلهم يجود بالمال العام وكلهم يدعي الدفاع عنه. ونحمد الله اننا لم نسمع بعد بمقترح شيعي وآخر سني، وثالث من المناطق الداخلية ورابع من خارجها، وخامس من النواب السابقين، وسادس من المرشحين القادمين.

في الكويت فقط، تنعقد المؤتمرات والمنتديات وبرامج الحوار لإلقاء مزيد من الضوء على الأزمة المالية وأسبابها وحلولها. والغريب ان بعض المشاركين في هذه الفعاليات ممن ساهم في تصعيد الأزمة وتعقيدها، ومن حباهم الله حنجرة قوية ومنطقاً ضعيفاً، وممن أعادوا تقييم أصولهم على هواهم ثم صدقوا «عبقريتهم الاستثمارية».

كل هذا يحدث في الكويت فقط، لأن شريحة واسعة من المواطنين لم تقتنع بعد بأننا في مركب واحد، ولأن عدداً كبيراً من السياسيين، ولمصالح حزبية أو شخصية ضيقة يعملون على إقناع المواطنين بأن أي معالجة للأزمة المالية ستصب حتماً في مصلحة فئة معينة من الشعب، وعلى حساب الفئات الأخرى، ويعملون على إقناع المواطنين بأن انهيار الشركات لن يؤثر في غير مالكيها من الأثرياء، ويعملون على إقناع المواطنين بأن مصلحة الأغلبية من ذوي الدخل المحدود لا تتحقق إلا بأسلوب محدد بالذات لا علاقة له بتطوير التعليم وتحسين الخدمات، وإقامة المشاريع، والحفاظ على قيمة الدينار.

وكل هذا يحدث في الكويت، فقط، لأن أزمة مالية بهذا الحجم وهذا العمق وهذه الخطورة، لا يمكن أن تعالجها حكومة بهذا الضعف لا منهاج لها ولا قرار، ولا يمكن أن يعالجها برلمان بهذا الشغب أضاع البوصلة، واعتبر الاستجواب محاكمة، والمنصة مقصلة.

هذا عن الكويت، أما عن خارجها، فقد ناهزت قيمة سندات الخزانة الأميركية التي اشترتها الصين 700 مليار دولار، ومع ذلك لم تحتج اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني على الحكومة لدعمها الاقتصاد الأميركي، ولم ينتفض أحد من أعضاء الكونغرس الأميركي احتجاجاً على زيادة نفوذ الصين في اقتصاد بلاده. بل كانت بكين أول عاصمة تزورها هيلاري كلينتون بعد أن استولت منصبها الجديد. وهناك حضَّت كلينتون الحكومة الصينية على الاستمرار في شراء سندات الخزانة الأميركية، على اعتبار «انه ليس من مصلحة الصين أن تعجز أميركا عن إعادة إطلاق اقتصادها، فنحن في مركب واحد، ومن الضروري أن نبحر في الاتجاه ذاته، فإما أن ننجو معاً، وإما أن نسقط معاً، ولا يوجد احتمال ثالث».

انتهى الوقت أيها الساسة.

لم يعد من حق أي منكم أن يجدف على هواه وحسب مصالحه الخاصة، فقد أصبحنا في عين العاصفة.

ونحن في مركب واحد، ولابد أن نحرك كل مجاديفنا بذات الاتجاه، فإما أن ننجو معاً، وإما أن نسقط معاً، ولا يوجد احتمال ثالث.

الجريدة

back to top