فنّ الصور الشخصيّة في مدرسة التصوير العثماني... إبداع شرقيّ بنكهة غربيّة

نشر في 10-03-2009 | 00:00
آخر تحديث 10-03-2009 | 00:00
No Image Caption

صدر حديثاً للكاتب ربيع خليفة كتاب «فن الصور الشخصية في مدرسة التصوير العثماني» والذي يتناول أبرز النتاج الإبداعي، متمثلاً في الصور الشخصية العثمانية في فترة القرن التاسع الهجري والتي شهدت توافد فناني إيطاليا.

يؤكد الكتاب أن معظم الفنانين الإيطاليين الذين قدموا إلى مدينة إسطنبول في عهد السلطان محمد الفاتح (1451 - 1481) لم يكونوا من فناني عصر النهضة البارزين، مثل الفنان النحات كوستانزا الذي لم يُعرف إلا من خلال مجموعة الأنواط التي نحتها للسلطان محمد الفاتح وتحمل توقيعه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى النحات برتولدي.

يشير المؤلف إلى تأثير رسوم الفنانين الإيطاليين واكتشافاتهم على مصوّري الصور الشخصية العثمانيين، إذ اتبع هؤلاء مفاهيم فن النهضة وقواعده في رسم الأشخاص في صور نصفية بواقعية ملحوظة تعتمد على دقة الملاحظة وصدق التعبير، بالإضافة إلى الاعتماد على الظل والنور والبعد الثالث.

كذلك يبيّن أن مدرسة التصوير العثماني على رغم تأثرها الواضح بمفاهيم فن النهضة في رسم الصور الشخصية، إلا أن المصوّر العثماني نقاش سنان الذي تخصص في الصور الشخصية نجح في ابتكار نموذج فني يجمع بين الأساليب الفنية الغربية والأساليب الفنية الشرقية بطريقة موفقة، واحتذى المصورون العثمانيون بهذا النموذج.

صدى السياسة

تعتبر الصور الشخصية العثمانية المنفّذة في القرن التاسع الهجري صدى الظروف السياسية التي عاشتها الدولة العثمانية، وتعبّر عن اهتمام السلطان محمد الثاني بالفتوحات ومشاركته فيها، واغتراب السلطان عن وطنه ومحاولته العودة إليه، ويظهر ذلك في رسم هذين السلطانين في بعض صورهما الشخصية كفرسان.

لوحظ أيضاً أن الاهتمام بفن الصور الشخصية توقف في الفترة التي اعتلى فيها السلطان بايزيد الثاني العرش (1481-1512) وذلك لأسباب دينية وثقافية وسياسية.

وسبقت فترة الأصالة بوتقة انصهرت فيها الأساليب الفنية الوافدة من إيران ووسط آسيا وأوروبا، ما أدى إلى ظهور ملامح جديدة في رسم الصور الشخصية العثمانية تبدو واضحة في أعمال المصوّر حيدر ريس.

أطلق المؤلف مصطلح فترة الأصالة على أسلوب فني ساد مدرسة التصوير العثماني خلال فترة الربع الأخير من القرن العاشر الهجري، بدلاً من مصطلح «الفترة الكلاسيكية» الذي اعتاد الكتاب الأتراك والمستشرقون استخدامه للدلالة على هذه الفترة.

ويفسّر المؤلف أهمية هذه المرحلة في مجال الصور الشخصية، إذ وضّح المصور العثماني مخطوطات كثيرة بالصور، وهي مخطوطات اهتمت بالصور الشخصية كموضوع مستقل، كمخطوط القيافات الإنسانية في الشمايل العثمانية ومخطوط زبدة التواريخ ومخطوط مشاعر الشعراء... ونجح مصورو الرسم السلطاني في تضمين المخطوطات صوراً شخصية معبرة وصادقة، فضلاً عن صور شخصية تاريخية معتمدين على أوصاف السلاطين في كتب التاريخ والتراجم.

وثبت من خلال دراسة فن الصور الشخصية العثمانية في فترة القرن العاشر الهجري معرفة «مخطوطات الأنساب» منذ عهد السلطان سليمان القانوني تحت «زبدة التواريخ» وأن الأسماء الأخرى التي يشير إليها بعض الكتّاب مثل «سبحة الأخيار» أو «شجرة النسب» أو «سلسلة نامة» لم تُعرف إلا في فترات لاحقة.

أما عن فن الصور الشخصية العثمانية في فترة القرن الحادي عشر الهجري فلاحظ الكاتب اهتماماً واضحاً بالصور المستقلة، والتي كانت تحفظ في ألبومات قيمة، وتضم إلى جانب صور السلاطين وكبار رجال الدولة صوراً أخرى تمثل الزهاد والدراويش والشعراء والمداحين والشيوخ، وتعتبر دراستها على قدر كبير من الأهمية إذ تمدنا بمعلومات قيمة عن الحياة الاجتماعية في العصر العثماني خلال القرن الحادي عشر الهجري.

أدى تدهور الأحوال الفنية في فترة النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري إلى تناقص أعداد المصورين، وبالتالي قلة الإنتاج التصويري عموماً والصور الشخصية خصوصاً، وهذه الفترة فقيرة في مجال الصور الشخصية. كذلك ضاعت خلالها أعمال كثيرة نتيجة غزو الروس مدينة أدرنه مرات عدة، خصوصاً في عام 1878.

وأخيراً جاء معظم الصور الشخصية العثمانية في فترة القرن الثاني عشر الهجري وبداية القرن الثالث عشر الهجري انعكاساً لأحوال المجتمع العثماني واتجاهه نحو الاستمتاع بمباهج الحياة واتسام الحياة التركية بالطراوة والنعومة. كذلك تأثر معظمها بالبيئة الثقافية والفنية التي ظهرت نتيجة لانفتاح تركيا العثمانية على الغرب.

ظهر هذا الاتجاه بوضوح سواء في صور الألبومات أو في صور المخطوطات، ويُعتبر المصوران عبد الجليل جلبي الشهير بلوني وعبد الله بخاري من مؤسسي هذا الأسلوب الجديد.

شكّل الصور الشخصية العثمانية مجالاً واسعاً لدراسة فروع كثيرة من الفنون التطبيقية العثمانية من منسوجات وثياب وسروج للخيل، بالإضافة إلى الأواني والبلاطات الخزفية والتحف المعدنية والتحف الخشبية من عروش وكراسي وصناديق وأبواب، والتي تتشابه تماماً مع ما وصلنا من تحف تطبيقية عثمانية، ما يدل على أن واقعية المصور العثماني تعدت رسم صور الأشخاص إلى عناصر الصورة كافة.

back to top