الفقر في... الكويت البدون أفقرتهم الدولة... والكويتيون أفقروا أنفسهم...والحاجز النفسي أثّر في المقيم الفلسطيني والعراقي

نشر في 17-10-2008 | 00:00
آخر تحديث 17-10-2008 | 00:00
No Image Caption
لا يرتبط الفقر بمدى غنى الدولة، فالكويت دولة غنية، فيها فقراء بسبب سياسات اقتصادية تشجع على الاستهلاك، وتؤدي إلى العوز، وأخرى سياسية قصد بها غير محددي الجنسية، أدت إلى افقارهم مع مرور الزمن.

ماذا يعني مفهوم الفقر في دولة مثل الكويت؟ وكيف يمكن تعريفه اذا ما استحضرنا الصعوبات التي تواجه المؤسسات الدولية ومراكز البحث العاملة في مجال معالجة الافات الاجتماعية، لأجل ايجاد تعريف متوازن وشامل ومتقن لهذه الظاهرة.

من البديهي القول ان تعريف الفقر يختلف من دولة الى اخرى تبعا لسياسات الانفاق العام، والثقافة الاستهلاكية، وحجم الدخل والانفاق، وطبيعة الاسرة وتكوينها العددي، وقضايا اخرى تفصيلية يؤدي اجتماعها الى الاقتراب لمعنى اكثر دقة يصف حالة الفقر.

وبعيدا عن الدخول في تفاصيل ذات طابع بحثي وتأصيلي، فإنه يمكن القول ان هناك مفهوما سائدا لمعنى هذه الكلمة، وهو انها تعبير عن حالة من الحرمان المادي يترجم بصور مختلفة وباختلاف المجتمعات، سواء كان الحرمان ماساً بحق السكن او التعليم او الحصول على السلع المعمرة الاخرى، ويؤطَّر هذا الحرمان بضعف الدخل مقابل تضخم الاحتياجات.

في الكويت توجد ظواهر للفقر مختلفة باختلاف شرائحها، وهي ظاهرة لها خارطة جغرافية محددة بمناطق معروفة، واخرى تختلط فيها عينات فقيرة بأخرى لا تعاني الحاجة، ولعل التعداد الهائل للمقيمين من غير محددي الجنسية (ما يقارب 120 الف نسمة) يساهم في تضخيم ظاهرة الفقر والفقراء في الكويت بسبب عزلهم عن الحياة الطبيعية في المجتمع، وحرمانهم من كثير من الحقوق التي تساهم في إفقارهم وتهميشهم، يضاف الى ذلك الكويتيون الذين يعاني جزء منهم قلة الدخل، ولاسيما بعد التقاعد من الوظيفة، وجزء آخر يمكن القول انهم ممن افقروا انفسهم بأنفسهم من جراء القدوم على خطوات استهلاكية او استثمارية غير محسوبة، كما يحدث هذه الايام في سوق الكويت للاوراق المالية بالنسبة لصغار المستثمرين، ويحتل موظفو الدولة القدر الاكبر من هذه الفئة، وتوضح القضايا المنظورة بمحكمة التمييز خلال الشهور الستة الاولى من هذا العام ان المرتبة الاولى للقضايا التجارية مقارنة بأنواع القضايا الاخرى. وغالبا ما تذكر مناطق سكنية من دون غيرها للاشارة إلى وجود فقراء، كمنطقة الصليبية التي تقطنها فئة كبيرة من غير محددي الجنسية، وبعض مناطق الجهراء (تيماء تحديدا)، اضافة الى فئات متناثرة في مناطق سكنية نموذجية يقطنها كويتيون.

الفقر الكويتي

حينما بدأ الحديث عن صندوق المعسرين ليكون بديلا عن اسقاط القروض الاستهلاكية عن المواطنين، كشف البنك المركزي ان حجم القروض بلغ 20.1 مليار دينار، استحوذت القروض الشخصية منها على 7.1 مليارات دينار، وبلغ عدد المقترضين قروضاً استهلاكية 194 ألف كويتي، منهم 9089 مقترضاً غير قادر على السداد، وبالتالي فهم معرضون للسجن. ويتضح من ذلك ان نوعية العوز والحاجة التي يعانيها الكويتيون مصطنعة، هذا اذا ما قارنا بين حجم المقترضين ومن تعرض لاحكام ضبط واحضار، لكن هذه النظرة لن تكون دقيقة اذا ما اخذنا في الاعتبار من اقترضوا وهم يملكون القدرة على السداد، لكنهم لا يدخرون شيئا يذكر من اموالهم. ويمكن هنا الاستناد الى الارقام التي ينشرها بيت الزكاة عن مساعداته في الداخل، إذ بلغت ايراداته عام 2007، 34 مليون دينار، وقدم مساعدات نقدية إلى الاسر المحتاجة بقيمة 21.268.500 دينار شملت 33746 اسرة، دون ذكر لجنسياتها، وهو عامل معوق للبحث العلمي في مسألة الفقر. ويشار في هذا المجال الى التبرع الذي قدمه سمو الشيخ سالم العلي لبيت الزكاة بمقدار 100 مليون دينار، ففور الاعلان عن ذلك التبرع وصلت اعداد الطلبات للمحتاجين وضعاف الدخل ومن صدرت بحقهم احكام ضبط واحضار إلى 70 الف طلب. فهذه الارقام ربما تعطي مؤشرات غير جادة عن مدى الحاجة والعوز الذي يعانيه الكويتيون، وتبقى مؤشرا غير دقيق، اذا ما غابت عنها الدراسات التحليلية لاسباب تلك الحاجة وذلك العوز.

صعوبات قياس الفقر في الكويت

تفتقر المؤسسات الحكومية والاهلية إلى البيانات الناتجة عن دراسات يقصد بها معرفة شكل ومواطن الفقر في البيئة الكويتية، وتكمن الصعوبات الاكثر شهرة، والتي تحول دون معرفة الفقر والفقراء في الكويت في عدد من النقاط، منها قلة الدراسات المسحية والمتواترة للمشاكل الاجتماعية والصحية والسكنية، فمعظم المعلومات المتوافرة تعتمد على ارقام تتضمنها سجلات المؤسسات الرسمية والاهلية المانحة بلا تحليل ولا معرفة لما وراءها، وغالبا ما تعتمد على ثنائية «الدخل والانفاق» لقياس معدلات الفقر. وهي رغم اهميتها، فإنها تشكل جزءا بسيطا من مفاتيح كشف حالات الفقر واسبابه، وبالطبع فإن قلة المسوحات النوعية تؤدي الى بعدنا عن ابتكار مؤشر لخط الفقر لكل مجتمع على حدة.

ولعل حال الفقر أو «الافقار المتعمد والذاتي» الذي تعيشه شرائح الكويتيين بحاجة الى دراسة أكثر دقة، واذا ما اتفقنا على انهم بعيدون عن مفهم الفقر الكلاسيكي، وهو ما يضيف عبئا علميا كبيرا يتلخص في ضرورة عمل دراسات دورية ودقيقة لمعرفة من يدخلون في دائرة الفقر، ومن يخرجون منه بين فترة واخرى، تبعاً للثقافة الاقتصادية والنظرة الى المال والمزاج العام الذي تضعه الحكومة وتوظفه عبر اجراءات تتبعها المصارف المالية لاحقا.

back to top