ما قل ودل: أعمال السيادة ثغرة في مبدأ المشروعية وقضية البورصة (1-3)

نشر في 08-12-2008
آخر تحديث 08-12-2008 | 00:00
 المستشار شفيق إمام في مقال سابق على هذه الصفحة، تحت عنوان «الحكم بوقف التعامل في البورصة»، تناولت التعليق على الحكم الصادر من المحكمة الكلية–(الدائرة الإدارية) بتاريخ 16- 11- 2008 في القضية رقم 1571/2008 إداري، والقاضي بوقف تنفيذ القرار الإداري المتمثل في امتناع إدارة البورصة عن التدخل لوقف التعامل في البورصة، نتيجة تراجع مؤشرات البورصة وهبوطها إلى أدنى المستويات، الأمر الذي يتعذر معه تدارك نتائج هذا التراجع على المستثمرين في السوق، وقد تناولنا في هذا المقال من بين ما تناولناه في التعليق على الحكم إلى أي مدى تكون حرية السوق وإلى أي مدى يكون تدخل الدولة.

إلا أن إشكالاً في تنفيذ هذا الحكم قد أقيم بتاريخ 19-11 أمام القاضي المستعجل، الذي أصدر حكمه في اليوم ذاته، وبعد ثلاثة أيام من صدور الحكم الأول، بوقف تنفيذ الحكم الأول وإعادة التعامل في سوق الأوراق المالية.

وهو حكم كان يمكن أن يؤسس قضاءه على أن تدخل الدولة في سوق الأوراق المالية، في هذه الأزمة، لم يكن له ما يبرره من مصلحة عامة في ظل آليات السوق التي يقوم عليها نظام التعامل في البورصة، أو أن الحكم الصادر من الدائرة الإدارية بوقف التعامل في البورصة هو قضاء في موضوع الدعوى، الذي أرجأت المحكمة الفصل فيه، وليس قضاءً في طلب وقف تنفيذ القرار، بصفة مستعجلة إلى أن يفصل في موضوع الدعوى، لأن مثل هذا الحكم يعتبر قضاءً في موضوع الدعوى، التي أرجأت الدائرة الإدارية الفصل فيه.

ومثل هذا القضاء، يصب في السلطة التقديرية للقاضي، فتباين التقدير بين الحكم الذي أصدرته الدائرة الإدارية والحكم الذي أصدره القاضي المستعجل هو أمر وارد في أحكام القضاء.

إلا أن الأمر تجاوز الخلاف في التقدير من هذه الناحية، إلى خلاف حول أعمال السيادة، التي يرى الحكم الأول أن تدخل الدولة في سوق الكويت للأوراق المالية، ليس عملاً من أعمال السيادة، وذلك سند من الأسباب التي بنت عليها المحكمة قضاءها في أن قرار الحكومة بالتدخل في البورصة، هو استخدام للصلاحيات التي تمارسها السلطة التنفيذية، كسلطة إدارة، تخضع فيما تباشره منها لرقابة القضاء، وليس عملاً من أعمال السيادة التي تباشرها الدولة كسلطة حكم، والتي تخرج من ولاية القضاء، إعمالاً للمادة الثانية من قانون تنظيم القضاء الصادر بالمرسوم بقانون رقم 23 لسنة 1990 التي نصت على أنه ليس للمحاكم أن تنظر في أعمال السيادة.

وأقام الحكم الأول قضاءه سالف الذكر على قضاء لمحكمة التمييز حصرت فيه أعمال السيادة التي لا تنبسط عليها ولاية القضاء بأنها تلك التي تباشرها كسلطة حكم، بمقتضى سلطتها العليا في تنظيم علاقتها بالسلطات العامة الأخرى داخلية كانت أو خارجية ، أو التي تتخذها للمحافظة على كيان الدولة في الداخل أو للذود عن سيادتها في الخارج (حكم محكمة التمييز بجلسة 22- 1- 1996 في الطعن رقم 73 لسنة 95 ق).

إلا أن الخلاف بين الحكمين كان الأخطر أثراً والأكبر حين أسس الحكم الثاني بإعادة التعامل في سوق الكويت للأوراق المالية قضاءه على أسباب محصلها أن طلب وقف التداول اليومي في سوق الكويت للأوراق المالية -لحين الفصل في موضوع الدعوى- يتعلق بالسياسة الاقتصادية والمالية للدولة وبسلطتها التقديرية في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنظيم ائتمانها واقتصادها القومي واتخاذ كل التدابير التي تراها ضرورية لمواجهة أي ظروف استثنائية على نحو يكفل مصالح الدولة الداخلية والخارجية ويحقق التوازن بين كل المتعاملين في السوق وكان البادي بحسب الظاهر أن الدولة ممثلة في مجلس الوزراء قد اتخذت العديد من الإجراءات التي تكفل تحقيق هذه الأهداف وحماية الاقتصاد الوطني وبث الثقة والطمأنينة حياله داخلياً وخارجياً في ظل الأزمة المالية الراهنة، ومنها كفالة الدولة لحقوق المودعين، وخفض البنك المركزي سعر الخصم، مما أدى إلى تخفيض سعر فائدة القروض وزيادة نسبة الإقراض والإيداع وزيادة مساهمة الهيئة العامة للاستثمار في الصناديق لتعزيز قوتها الشرائية، والعمل على دراسة أوضاع السوق ومتابعته وسبل دعم الثقة فيه، ومعالجة انعكاسات الأزمة المالية، الأمر الذي ترى معه المحكمة أن طلب وقف التداول اليومي في سوق الأوراق المالية يعتبر من القرارات التي تصدرها الحكومة، باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة، ويعد من قبيل أعمال السيادة، ويخرج بالتالي عن الاختصاص الولائي للمحاكم عملاً بأحكام المادة (2) من قانون تنظيم القضاء، وإذا كان الأمر كذلك، وكان من شأن الاستمرار في تنفيذ الحكم المستشكل فيه إلحاق الضرر بالاقتصاد الوطني بالبلاد والمساس بالثقة فيه داخلياً وخارجياً، ومن ثم تقضي المحكمة بوقف تنفيذ الحكم المستشكل فيه، وباستمرار التداول في سوق الكويت للأوراق المالية، وذلك ريثما يتم الفصل في موضوع الدعوى الصادر فيها الحكم المذكور بحكم بات.

وهو توسع في أعمال السيادة التي تعتبر ثغرة في مبدأ المشروعية، وهو ما سنتناوله في مقال الأسبوع القادم بإذن الله.

back to top