والله حالتنا حالة !!
عندما أعلنت المحكمة الجنائية الدولية في الأمم المتحدة قرارا بشأن مذكرة اعتقال الرئيس عمر البشير، طربت بصمت محسوس قوى المجتمع المدني العربية المعنية بمسألة حقوق الإنسان، والتي أصبحت ظاهرة محسوسة وجديدة بعد عام 2000، نتيجة المتغيرات الجديدة العالمية وإنشاء العديد من المنظمات المتعلقة بحقوق الإنسان، خصوصا أنها محكمة جنائية دولية مسؤولة عن متابعة كل تعديات الأفراد والجماعات على حقوق الآخرين وممارستها انتهاكات وتعديات متصلة بالحقوق المدنية والسياسية والإثنية.وبذلك وضعت حركات سياسية في دارفور الرئيس البشير وجماعات الجنجويد المتهمة بالاتصال معه تحت المساءلة بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وبعد التحقيق لمدة ناهزت العامين استطاع أوكامبو المعني برئاسة تلك المحكمة التأكيد حسب الوثائق والاعترافات والأدلة بصحة ما ورد فيها عن وجود انتهاكات صارخة لشعب دارفور في جمهورية السودان وإدانة رئيسها بتلك التعديات والانتهاكات وجرائم الحرب.ليس المهم هنا أن نلاحق أوراق أوكامبو ومدى صحتها، والذي نسارع بالتصفيق له كعادتنا عندما يصدر حكما يشفي غليلنا، بينما عندما يأتي بحكم يربكنا كثيرا فلا نرى في أوكامبو إلا مشروعا تآمريا بالتجسس على قضايانا العربية ومصير أمتنا المعرضة للتهديد والهوية المستباحة... فتلك المسألة نتركها للمتهم وأنصاره في الدفاع عنه، فهو لديه طابور عريض من جهازه الرسمي وجيش من الشعب وجامعة عربية ومنظمة إفريقية، كلها ستحمل مذكرة التوقيف إلى مجلس الأمن الدولي ومحكمة الأمن الدولية في الأمم المتحدة لعلها تحن وتشفق قليلا فتلغي أو تؤجل مذكرة الاعتقال أو على أقل تقدير تؤجلها إلى عام لمناقشة جوانبها الجنائية والسياسية.شاهدنا جميعنا حالة رد فعل الرئيس السوداني فقلت في نفسي «يا لها من حالة جديدة، مذكرة اعتقال رئيس عربي وإفريقي ولا أحد قادرا على فك حالته المعنوية والنفسية، بل تورط الرئيس بعدم قدرته على الطيران لدول غربية ولا يدري إلى أين يحلق في تلك الدول خشية أن يفاجئه رجال المحكمة بمذكرة الاعتقال تلك، فيرى نفسه بعد فترة في قفص محكمة لاهاي». إن الفكرة وحدها لا تسبب الانزعاج فحسب، بل الهستيريا السياسية والكابوس اليومي، لهذا طار صواب عمر البشير من مذكرة الاعتقال بالرغم من أن المحكمة لا تمتلك ميليشيات ولا أجهزة اختراق عسكرية تحط في مطار الخرطوم، وتبعث بسيارة «مدججة بالسلاح» وتقتحم قصر الرئاسة وتنتزعه من فوق طاولة الغداء مقيدا، ثم تقبض على الرئيس فلا يرى نفسه إلا هناك بلا ميكرفون وبلا جيش سوداني ولا جماهير عربية وإسلامية وسودانية غاضبة!! لو حدث أن طارت الطائرة بالخطأ وحطت للتزود بالبنزين في مطار غربي فكيف ستكون حال الرئيس؟! ولو تم بالفعل اعتقاله بموجب تلك المذكرة فما الذي ستفعله تلك الجماهير التي تعلن في كل تجمع غاضب رغبتها في الزحف المقدس؟! كل تلك الإعلانات اليومية التي أشاهدها وأسمعها على شاشات التلفاز وجدتها عمليا مرتبكة إلى حد ارتعاش المفاصل حتى بخروج الرئيس إلى قمة عربية في قطر.فكم من نصائح قدمت من خلف الكواليس بعدم الضمانة حتى في قطر بوجود حماية دبلوماسية كافية، لهذا ينبغي بحث العلاج في المملكة العربية السعودية للتأكد من مدى قوة الحماية من تلك المذكرة المزعجة التي بدأت تلاحق البشير في منامه. وعندما أقول حالتنا حال، فهي دخولنا في ربكة الدبلوماسية الدولية عندما يصاب زعيم فيها بزكام سياسي دولي لا نقدر على تقديم مظلة حمائية كافية توسع حجم ظلال خطواته في المؤتمر، وتضمن عودته للقصر سالما. الأفارقة كمنظمة إقليمية لديهم قدرة أوضح لحماية رئيس فيها، ومع ذلك شكلوا لجنة من رؤساء أفارقة سابقين لديهم إمكانية الزعيق لكونهم لا يحملون صبغة رسمية، لهذا بإمكان مبيكي رئيس تلك اللجنة أن يقول ما يريد، ولكنه نسي أنه لا يستطيع فعل ما يريد، في منع مذكرة الاعتقال وإيقاف سير تنفيذها منذ لحظة صدورها. أتساءل كالعادة: هل فعلا منظمات حقوق الإنسان حرة في الدفاع أو التعبير ضد الرئيس ودعم حق شعب دارفور؟ أم أننا بالضرورة علينا الصراخ بدعم الرئيس والجامعة العربية؟ حالتنا حال أمام كل قضية حقوق مدنية بأن نصمت عندما نقع في موقف التناقض نفسه وتتورط جامعتنا العربية فيصبح دورها كالعادة إصدار بيان الإدانة إزاء أي نظام عربي، وإزاء أي زعيم عربي حتى إن داست دباباته أعناق الأبرياء وهدمت بيوتهم. فحالتنا حال كلما تعرض مجتمعنا العربي لمداهمات اعتقال وتعذيب وانتهاكات إثنية وغيرها من حقائق في ظل أوضاع دولية ومنظمات تقدم تقارير فاضحة حولنا، فنجد أنفسنا في موقع، الصمت إن لم أقل الخزي. أليس «حالتنا والله حال» فقد وقع الجميع على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية إلا دولنا «ما عدا الأردن وجزر القمر وجيبوتي»! وهناك الكثير علينا الصمت حوله، فماذا يفعل الرئيس السوداني ضد مذكرة الاعتقال تلك؟ وماذا تفعل جامعتنا العربية؟ وماذا فعل ممثلو الأنظمة العربية في الأمم المتحدة؟ وماذا سنفعل غدا عندما يقف زعيم أو شخص «محترم!» من أنظمتنا في قفص الاتهام في لاهاي؟شخصيا كمواطن عربي معلب سأقول «والله حالتنا حال» مصفقا بعدها بيدي للنادل: شاي أحمر من فضلك.* كاتب بحريني كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء