كيف نتعامل مع أوباما؟

نشر في 12-11-2008
آخر تحديث 12-11-2008 | 00:00
 د. مأمون فندي بعض العرب اليوم يشبه من يقف أمام مطعم لا يقدم إلا سندوتش همبرجر، ويطلب منه فلافل. ياسيدي هذا ليس يوم الفلافل، اليوم همبرجر، وربما غدا أو بعد غد أو في الأسبوع القادم سيبيع المحل فلافل. ولكن للأسف نحن قوم لا ننتظر، نريد طلبنا قبل كل الناس وحالا، ونطلب من صاحب المطعم أن يقلب «الهمبرجر» إلى «فلافل»، وإذا رفض احتج الكثيرون منا وتذمروا وقاموا بمظاهرة لطهي الفلافل في يوم لا فلافل فيه. الرئيس المنتخب للولايات المتحدة باراك أوباما لا يشغله اليوم سوى الأزمة المالية العالمية (الهمبرجر)، لذا لو بحت أصواتنا ونحن نقول له فلسطين (فلافل) فلن يسمعنا، ولو تظاهر جميعنا من أجل وضع فلسطين كأولوية على أجندة الإدارة الأميركية الجديدة لما التفت إلينا الرئيس المنتخب، لأن دكانه اليوم مشغولة بالـ«همبرجر» كأهم أولوياتها. علينا أن نحدثه اليوم في «الهمبرجر» حتى يلتفت إلينا أو يهتم بنا يوم الفلافل. على العرب أن يتحدثوا مع إدارة أوباما فيما هي مهمومة به، وهنا أعني الأزمة المالية العالمية. فإن لم نحدث الرجل في همومه فلن يتحدث معنا أو يتعاطف مع همومنا عندما نحتاجه. هذه هي النصيحة الأولى.

النصيحة الثانية، هي أن إدارة أوباما لن تلتف إلى فلسطينين، فلسطين هنية وفلسطنين عباس، فلسطين «حماس» وفلسطين «منظمة التحرير». أوباما ونائبه جوزيف بايدن يعرفان فلسطين واحدة بقيادة رئيس معترف به دوليا، وهو محمود عباس. مخطىء من يظن أن إدارة أوباما ستتعامل مع «حماس». باراك أوباما سيكون في مواجهة مع «حماس» وليس صديقا لها كما يتمنى البعض. ذلك لأن فوز باراك أوباما بانتخابات الرئاسة الأميركية هو هزيمة لليمين المتطرف الأميركي الذي شكل الأساس الإيديولوجي لإدارة الرئيس جورج دبليو بوش، وهو مقدمة لهزيمة اليمين المتطرف في الخارج. في كلمته بعد الفوز بالرئاسة في مدينة شيكاغو الأميركية يوم الرابع من نوفمبر الجاري، قال أوباما: «إلى الذين يريدون تمزيق العالم وخرابه أقول سنهزمكم، وإلى الذين يريدون السلام أقول سنؤيدكم». الشق الأول في هذه العبارة يعني أن أوباما قد هزم اليمين المتطرف في الداخل، وهو يستعد الآن لمواجهة اليمين المتطرف في الخارج. أوباما لن يكون صديقا لـ«حماس» ولا للمتطرفين الإسلاميين، أوباما سيتعامل مع الدول التي تتبنى الليبرالية السياسية والاقتصادية كمنطلق، ما عدا ذلك سيكون مرفوضا من هذه الإدارة.

اندهش العالم من قبل للصلاحيات الواسعة التي كان يتمتع بها ديك تشيني نائب الرئيس جورج بوش الابن، وسوف يفاجأ العالم بأن جوزيف بايدن، نائب أوباما، ستكون لديه صلاحيات ربما أكبر وأوسع من تشيني. أتيحت لي فرصة لقائه (بايدن)، عندما دعيت من قبله، وكان وقتها رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، لتقديم ملخص عن الأوضاع في الشرق الأوسط. كان معي يومها الدكتور جريجوري جوز، أستاذ العلوم السياسية بجامعة فرمونت. واستمر اللقاء لمدة ساعة ونصف. ما دار في اللقاء لم يكن للعلن طبعا، ولكن يمكنني القول من دون إخلال بالأمانة، أن الرجل كان على معرفة جيدة بقضايا الشرق الأوسط. النقطة الأساسية هنا التي أريد قولها هي أن فريق أوباما يعرف الكثير عن الشرق الأوسط، ولكن يحتاج منا كعرب، حكومات وقادة وأفرادا، إلى الحوار معه حول مشاكل أخرى ملحة تهم الولايات المتحدة والعالم حتى لا نبدو كقوم معزولين عما حولهم وغارقين في قضاياهم فقط.

في النهاية، ورغم أن جميعنا (ملوني هذا العالم) احتفلنا بفوز أوباما لاشتراكنا معه في اللون غير الناصع، فإن أوباما لو بقي في كينيا لما أصبح حتى عمدة للقرية التي تعيش فيها جدته الآن، مهما كان نبيها ولامعا. إن أنظمتنا التسلطية المغلقة لا تسمح بظهور أوباما... أوباما يحدث فقط في أميركا. أوباما يعني بداية الإنسان الجديد المعولم، يعني نهاية أسطورة النقاء العرقي، فهو مولود لأب كيني أسود وأم أميركية بيضاء، تعلم في مدارس إندونيسيا الإسلامية، وعاش مع جدته المسيحية في جزر هاواي، وأصبح سيناتورا عن ولاية إلينوي. أوباما هو الإنسان الجديد، متعدد الهوية والذاكرة الجغرافية والخليط العرقي. العالم كله كان يصفق لأوباما ويتمناه رئيسا لأميركا، عواصم أوروبا من برلين إلى لندن إلى باريس كانت معه، ولكن لا يوجد في القارة الأوروبية كلها رئيس أو حتى رئيس وزراء ملون.

علينا أن نفهم كيف ننتصر لقضايانا وكيف نروّج لها. إن لم يبادر العرب بإظهار الاهتمام بقضايا العالم ولعب دور فعال بحلها، فلا يتوقعوا أن يهتم العالم بقضاياهم إلا وفق مصلحته لا مصلحتهم. الأزمة المالية العالمية ستكون في رأس أولويات الإدارة الأميركية الجديدة والرئيس الأميركي الجديد، ومن السذاجة أن يتصور العرب أن تكون هناك قضية أكثر إلحاحا من هذه الأزمة. على العرب أن يعيدوا صياغة قضاياهم في سياق أكبر وأوسع بداية من العراق إلى أفغانستان إلى الأزمة المالية العالمية، إن أرادوا من الرئيس الجديد اهتماما.

* مدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز الدولي للدراسات السياسية والاستراتيجية IISS

back to top