بيوض القدر

نشر في 15-10-2008
آخر تحديث 15-10-2008 | 00:00
No Image Caption
 محمد الحجيري نانسي كانت صورة، والصورة لا تموت ولا تحيا، ربما تحيا في المنامات، لم تكن نانسي تحب الاتحاد السوفياتي لكنها تقرأ الروايات السوفياتية، لم تصدق أن الروائي ميخائيل بولغاكوف صاحب «المعلم مارغريتا» يكتب بلغة السينما الهوليوودية، قرأت روايته «بيوض القدر» وتخيّلت ولم تتوقف عن التخيّل، لم تتوقف عن الحلم والتأمل. قرأت أن خليطاً هائلاً من المخلوقات ينغل، يزحف بعضه فوق بعض، يتكاثر، يقتل ويفح. يعمل مصباح كروي بكل طاقته، يصدر ضوءاً شاحباً، يتدلى منه ثعبان مرقّط راح يهز رأسه كرقاص الساعة.

قرأت، ولم تكن تحب القراءة ولا شكل الكلمات، أن البروفسور بيرسكوف الاختصاصي في علم الحيوان والعالم من الدرجة الأولى ليس له مثيل في العالم إلا اثنين هما، وليم فيكل في جامعة كامبردج وجياكو بيكاري في روما. يبدي العالم بيرسكوف الغريب الأطوار احتجاجه على مصادرة السلطات الشيوعية لغرف المختبر العلمي لحل أزمة السكن، فيعلن لمساعدته ماريا أنهم إذا لم يكفوا، سيسافر الى أميركا.

جاء عام 1920 أسوأ من سابقه، غيّرت الثورة أسماء الشوارع ونفقت ثماني عيّنات من أسماء الضفادع، ولحقتها صراصير نادرة احتجاجاً على «الشيوعية الحربية». بيرسكوف ساخط على الثورة، يطرد 74 طالبا من الكلية التي يحاضر فيها لجهلهم، ويعزو ذلك الى ماركسيتهم. تقرأ نانسي وتسخط من الكلمات لأنها تمنعها من الرقص، لأنها تحب أن تغني وترقص فحسب، لأن الناس يحبون الموسيقى أكثر من الخيال العلمي.

قرأت نانسي ولم تصدّق، ولم تكن تصدّق شيئاً، اخترع العالم الروسي ما سماه الشعاع الخارق شعاع الحياة، أو «غذاء الآلهة»، وهو شعاع يزيد نشاط البروتوبلازما ويضع تحته بيوض الضفادع، فتفقس خلال يومين آلاف الشرانق الشرهة والشريرة الزاحفة خارج المختبر، وتنتج بدورها آلاف الأجيال الجديدة من دون تعرّضها للشعاع! ينتشر الخبر في الصحف الموسكوفية ذات الأسماء الثورية. تموت دجاجات قرية ستكلوفسك (اسمها كان قبل الثورة تروتيسك) كأنما تعرضت لوباء تعزوه صحيفة «المناضل الأحمر» الى جدري الدجاج.

بدلاً من الاحتفاء باكتشاف بيرسكوف العلمي، أو مواجهة مرض الدجاج، تعرض السلطات مسرحيات تهريجية مثل روح الدجاج والصيصان. يجد بيرسكوف في أحد الأيام ضفدعاً بحجم قطة، فيهرب من المختبر ليُصدم بألكسندر روكك المسلّح بمسدس على الخاصرة، إنه عضو اللجنة الزراعية، الذي جاء ليعلم الرفيق بيرسكوف أنه معيّن من الكرملين رئيساً لمختبره الذي سماه «سوفخوز الشعاع الأحمر».

يبلغ العالم أنه يفكر في إحياء الدجاج الميت بواسطة الشعاع الأحمر، يصادر حجرتين من حجرات مختبره، فيبكي بيرسكوف المحبوس في الحجرة الثالثة مثل طفل فقد دميته. أخطأ الحرس بنسيان الباب مفتوحاً، وتسرب صيصان روكك المعرّضة للإشعاع، ما جعله يفقد صوابه، يفكر في الاستحمام في المستنقع القريب، هناك يجد ثعباناً عملاقاً يهجم على زوجته التي لحقت به لمشاركته الاستحمام فتصبح وجبة صغيرة له.

يلتجئ روكك الى شوكين وبولايتس في الإدارة السياسية مذهولاً، مذعوراً بالخبر. تظن الإدارة السياسية أنه يهلوس، أو أن السيرك الجوال المخيم في المدينة فقد ثعباناً من نوع البوا أخاف بطلهم روكك. للتأكُّد، يركبان دراجة نارية ويقصدان القصر في غراتشفيك، هناك يُصعقان بمشهد من مشاهد ما قبل التاريخ: طيور عملاقة، ثعابين خرافية الحجم، سرعان ما يصير بولايتس لقمة في فم تمساح، يحاول رفيقه شوكين الهرب لكنّ ثعباناً ضخماً يلتفّ حوله ويخنقه ثم يلتهمه.

قرأت نانسي قبل أن تكمل رواية بولغاكوف عبارة «لا يرجع فلان حتى يرجع غراب نوح»، ذلك لأن نوح أرسل الغراب من السفينة ليكشف له عن منسوب المياه، فوقع على جيفة شغلته عن مهمته ولم يرجع. قيل إن نوح لعنه ودعا عليه ألا يأكل، إلى الأبد، غير فضلات المزابل والجيف المنتنة.

back to top