ارتفاع ضغط الدماغ... صداع أخطر من داء الشقيقة!

نشر في 18-02-2009 | 00:00
آخر تحديث 18-02-2009 | 00:00

تمنت فاليري نوفاك لو يتوقف أطباؤها عن إخبارها أن الصداع الأليم الذي تعانيه منذ أسابيع سببه داء الشقيقة (الصداع النصفي). فغالباً ما يكون هذا الصداع وراثياً، لكن لا أحد من أقربائها مصاب به.

لم يخفف أي من الأدوية القوية أوجاع فاليري، وقد فقدت هذه الطالبة (22 عاماً) في سنتها الأخيرة في جامعة جورجتاون نحو سبعة كيلوغرامات خلال ثلاثة أسابيع نتيجة تقيؤها المتكرر والحاد.

تقول فاليري إنها «شعرت بالغضب والإحباط» خلال الصيف الماضي. فقد اضطرت إلى استشارة أكثر من ستة أطباء ودخلت المستشفى مرتين، فضلاً عن زياراتها المتكررة إلى غرف الطوارئ في مستشفيات واشنطن.

لم تواجه فاليري مشاكل صحية سابقة. لذلك خشيت أن يكون هذا الصداع الدائم في صدغها الأيسر والعوارض التي ترافقه مرضاً ستضطر إلى التعايش معه طيلة حياتها. كذلك شككت والدتها كاثي نوفاك، ممرضة في منطقة بوي بماريلاند، في تشخيص الأطباء. لكنها شعرت بالسعادة لأنهم استبعدوا احتمالات أشد خطورة مثل أورام الرأس.

مضاعفات نادرة

عندما بدأت فاليري تشتكي من خلل في بصرها، اصطحبتها كاثي إلى طبيب عيون. فأدى حكمه الصائب إلى تشخيص دقيق لمرض لا دخل له بالصداع النصفي، بل هو مضاعفات نادرة مذكورة في سجلات فاليري الطبية وكان سيودي بحياتها إذا لم يُعالج.

تخبر فاليري، التي تتخصص في الدراسات العربية وكان من المفترض أن تتخرج في ديسمبر (كانون الأول) العام الفائت، أن الصداع بدأ في الصيف الماضي خلال زيارتها صديقها في كولورادو. عندما أخفقت مسكنات الألم العادية في التخفيف من وجعها، قصدت طبيباً في دنفر. فقال لها إنها تعاني من صداع نصفي على الأرجح وإن الألم سيختفي من تلقاء نفسه.

آنذاك لم ترَ فاليري أي داع للقلق، وسافرت لتمضي أسبوعين مع خالها في مصر. تتذكر والدتها: «ظننت أنها مصابة بالتهاب الجيوب الأنفية وعلمت أن أخي يمكنه مساعدتها» إن ساءت حالتها. ولم تدرك نوفاك مدى سوء حالة ابنتها إلا بعد مرور أسابيع. فهي قوية، على حدّ قول أمها، «وتعرف كيف تخفي أوجاعها».

خلال إقامتها في القاهرة، ازداد الصداع سوءاً. وشعرت أيضاً بغثيان شديد وانتابتها نوبات من التقيؤ تفاقمت بعد رحلة غوص. فأجرى لها طبيب في القاهرة صورة بالرنين المغناطيسي MRI واستخلص هو بدوره أنها مصابة بالصداع النصفي. وعندما عادت إلى وطنها، بدأت حالتها تتدهور قبيل بدء فصل الخريف الدراسي. فوصف لها طبيبها المعالج Imitrex، دواء قوي لمعالجة الصداع النصفي. لكنه، على حدّ قولها، لم يؤمن لها أي راحة، بل زاد الطين بلة. فاستبدلته بدواء Percocet لتنتقل بعد ذلك إلى Dilaudid، مسكن قوي جداً هدأ آلامها التي لا تلبث أن تعود ما إن يزول مفعول الدواء.

تؤكد كاثي نوفاك أن لا أحد من زملائها في عالم التمريض صادف شخصاً لم يسبق أن عانى آلاماً في الرأس، وأصيب بصداع نصفي عنيد إلى هذا الحد. فقالت لطبيب ابنتها المعالج: «أعتقد أنني أعرف الصداع النصفي، وهذه أدوية لا فائدة منها». وبعد أن خضعت فاليري لمسح مقطعي CT scan لم يكشف أي جديد، أعطيت دواء Decadron، مضاد للالتهاب وللغثيان يُعطى لمَن يخضعون للعلاج الكيماوي. لكنه أخفق هو بدوره.

عندما عادت إلى جامعة جورجتاون، حاولت فاليري الاستقرار في غرفتها في بيت الطلبة. لكن حالتها ازدادت سوءاً وصارت تعاني عارضاً جديداً ومخيفاً: خدر في يدها اليسرى. تذكر فاليري أنها عجزت عن التركيز في يومها الأول في الجامعة بسبب الخدر الذي شعرت أنه يتحرك صعوداً باتجاه رقبتها ليغلّف لسانها وإحدى وجنتيها. فاتصلت بمركز رعاية الطلاب ونُقلت إلى غرفة الطوارئ في مستشفى مجاور. وبعد خضوعها لفحص شامل، قال لها الأطباء مجدداً إنها مصابة بالصداع النصفي. بعيد ذلك، قصدت عيادة طبيب أعصاب نتيجة تعرّضها لنوبات تقيؤ حادة جداً. فأدخلها الطبيب إلى إحدى مستشفيات مقاطعة مونتغمري في ماريلاند، حيث أمضت أربعة أيام. تتذكر فاليري قائلة: «كل ما فعلته في المستشفى التقيؤ والنوم».

ارتفاع الضغط

في المستشفى، استبعد طبيب متخصص في الأمراض المعدية احتمال إصابتها بداء السحايا من دون أن يجري لها بزلاً قطنياً spinal tap. وبرّر ذلك بأنها لم تصب مطلقاً بالحمى. كذلك استبعد إصابتها بداء لايم وفيروس غرب النيل. خضعت فاليري أيضاً لصورة لرأسها بالرنين المغناطيسي، وقيل إنها لم تكشف عن أي عيب أو خلل. كتب أحد الأطباء في سجل فاليري في المستشفى أن عوارضها، بما فيها الخدر في وجهها وذراعها وعدم تحملها الضوء والصوت الحادين، «تشير بقوة إلى إصابتها بالصداع النصفي». لذلك أعطيت مسكناً للألم وخرجت من المستشفى.

عادت فاليري إلى المنزل لأنها أصبحت عاجزة عن حضور الصفوف. وتتذكر أنها بدأت في تلك المرحلة تعاني اضطرابات في بصرها، إذ صارت ترى الأشياء مزدوجة. فشعرت والدتها بالخوف وحددت لها موعداً مع طبيب عيون، آملة بألا يعزو هذه العوارض إلى الصداع النصفي. بعد أن وسّع الطبيب عيني فاليري، اتضحت له مشكلة مخيفة. فكانت أعصابها البصرية متورمة جداً. فأخبرها الطبيب: «أنت لا تعانين من الصداع النصفي، بل من ارتفاع الضغط داخل الجمجمة».

يعود ما تعانيه فاليري من صداع أليم وخدر وتقيؤ إلى ارتفاع الضغط في الدماغ. تنشأ هذه الحالة نتيجة التعرض لإصابة في الرأس أو داء السحايا. وتُعتبر خطرة جداً، إذ قد يؤدي الضغط الناجم عن تراكم السوائل إلى ضرر دائم في النظام العصبي المركزي نتيجة الحد من تدفق الدم إلى الأوعية التي تغذي الدماغ. في حالة فاليري، تعود رؤيتها المزدوجة إلى الضغط على العصب القحفي Cranial Nerve.

نظراً إلى سن فاليري وتاريخها الصحي، ظن طبيب العيون في البداية أنها تعاني من ورم دماغي كاذب، حالة نادرة تصيب النساء بين العشرين والخامسة والأربعين. صحيح أن فاليري أُصيبت بالعوارض المرافقة لهذا المرض كلها، لكنها لم تستوفِ شرطاً أساسياً يعاني منه معظم المصابات به: الوزن الزائد أو السمنة.

أرسلها طبيب العيون في الحال إلى اختصاصي الأعصاب روجر ويكر في مدينة غرينبيلت بماريلاند. وبدأت تتناول فوراً دواءً يخفض الضغط وخضعت لصورة أخرى بالرنين المغناطيسي وغيرها من الفحوص، التي كشفت عن السبب الحقيقي لمرضها وبدلت تشخيص الأطباء إلى خثار جيبي سهمي Sagittal Sinus Thrombosis سببه نقطة دم متخثرة في دماغها.

وبعد أن أجرى لها الأطباء فحوصاً واستبعدوا إصابتها بمشاكل تخثر الدم، عزوا الحالة إلى تناولها حبوب منع الحمل طوال أكثر من أربع سنوات. يذكر ويكر أنها محظوظة لأن نسيج دماغها يبدو سليماً، ما يعني أنها لم تصب بجلطة.

غيبوبة

تبدأ هذه الحالة بصداع غالباً، وفق ما ورد في مقال نُشر في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2008 في موقع EMedicine ، وهو كتيب طبي مفصل على الإنترنت. يعاني بعض المرضى من نوبات ألم، فيما يغرق آخرون في غيبوبة في حال لم يتلقوا العلاج الصحيح. قد يُصاب المرضى أيضاً بخلل في البصر، صمم، وضعف في الوجه. وتعود أسباب هذا الخثار إلى التعرض لالتهاب أو إصابة. كذلك يزيد الحمل وحبوب منعه خطر الإصابة بهذا المرض.

يصف تقرير ورد عام 1970 في مجلة Neurosurgery حالة امرأة في السابعة والعشرين أُصيبت بخثار جيبي سهمي بعد تناولها حبوب منع الحمل طوال ستة أشهر. فخضعت لعلاج للتخلص من نقاط الدم المتخثرة والنوبات التي أصيبت بها. كذلك أجريت لها جراحة لتخفيف الضغط عن الدماغ. وأفاد جراحو الأعصاب الذين عالجوها أن عامل الخطر الوحيد الذي تعرضت له كان حبوب منع الحمل.

يذكر ويكر أن فاليري هي الحالة الثالثة المصابة بهذا المرض التي يعالجها خلال حياته المهنية. ويؤكد أن المريضتين الأولين لم يتناولا حبوب منع الحمل. يعجز طبيب الأعصاب هذا عن توضيح سبب عدم ظهور نقطة الدم المتخثرة في الصورة التي خضعت لها فاليري قبل أيام. ويؤكد: «لا يمكن للطبيب أن يغفل عنها».

أمضت فاليري تسعة أيام في المستشفى، حيث أُعطيت أدوية مضادة لتخثر الدم بغية تفتيت نقطة الدم المتخثرة. وسرعان ما تحسّن بصرها وخفّت حدّة صداعها ووتيرته.

ولأنها أُرغمت على ترك جامعتها خلال ذلك الفصل، أمضت الخريف في منزل والديها وزارت طبيب الأعصاب بانتظام. ومنذ أسابيع قليلة عادت إلى غرفتها في بيت الطلبة في جورجتاون ومن المقرر أن تتخرج في شهر مايو (أيار) المقبل.

وعلى رغم أن فاليري لا تزال تعاني أحياناً من الصداع وستتابع تناول الأدوية المضادة للتخثر لأشهر إضافية، تعلن: «أشعر أنني بحالة جيدة». وقد أخبرها ويكر أنها لن تتمكن من تناول حبوب منع الحمل بعد الآن.

توضح كاثي أنها لا تعرف ما الذي دفع هؤلاء الأطباء كلهم إلى ربط مشكلة فاليري بالصداع النصفي. وتشعر بالأسى بسبب الفرص التي أضاعها الأطباء، مطيلين بذلك عذاب ابنتها، مثل البزل القطني الذي كان سيكشف عن ارتفاع الضغط في دماغ ابنتها، فضلاً عن إخفاقهم في تقدير دور حبوب منع الحمل التي عرفوا أنها تتناولها. أما عن ابنتها فتقول: «أشكر الله لأنها بخير ولم تعانِ أي أضرار دائمة».

back to top